السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

القوات الأفريقية في دارفور··· عاجزة وبلا تفويض

20 مايو 2006

في تلك الساعة كان الرائد 'إيسودينا كادانغا' أحد القادة العسكريين التابعين لقوات حفظ السلام الإفريقية بإقليم دارفور، منهمكاً في ملاحقة مليشيا عربية تخصصت في نهب القرى والبيوت، أثناء توجهها إلى السوق· قفوا·· قفوا·· قفوا··· هكذا كان يصيح فيهم الرائد 'كادانغا' عبر فتحة سقف سيارته المصفحة التي كانت تلاحقهم بين كثبان رمال الصحراء العالية· ولكنه أخطأ المنعطف الصحيح المؤدي إليهم، فأفلتت منه العصابة واختفت في جوف الصحراء· وتلخص هذه المحاولة الفاشلة، مجمل مستوى أداء قوة حفظ السلام الإفريقية، التي أوكلت إليها مهمة وضع حد للعنف في الإقليم، الذي شهد مصرع ما لا يقل عن 200 ألف من مواطنيه، وتشريد ما يربو على المليوني مواطن من قراهم وديارهم· فمنذ نشرها في عام 2004 لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار -الذي طالما جرى انتهاكه- واجهت هذه القوة الإفريقية البالغ قوامها 7 آلاف جندي، جملة من العقبات والمصاعب، أقعدتها عن القيام بمهمتها على النحو المطلوب، سواء من حيث العتاد الحربي أم التمويل أم قوتها العددية· ليس ذلك فحسب، بل إن التفويض الممنوح لهذه القوات، يمثل بحد ذاته عقبة إضافية، لكونه لا يعطيها حق الاشتباك العسكري مع تلك المليشيات والجماعات المسلحة التي تستهدف المدنيين·
يذكر أن مجلس الأمن الدولي أجاز قراراً بالإجماع في السادس عشر من شهر مايو الجاري، يدعو إلى المراقبة الصارمة لتنفيذ اتفاق سلام جديد أبرم للتو بين الحكومة السودانية وكبرى حركات التمرد في الإقليم، مصحوباً بتسريع خطوات ابتعاث قوات دولية تابعة للأمم المتحدة إلى دارفور· ووفقاً لعدد من الدبلوماسيين، فإن هذه القوة الدولية يجب أن تكون ضعف القوة التابعة للاتحاد الإفريقي الموجودة حالياً هناك· لكن حتى في حال موافقة حكومة الخرطوم على وجود قوات دولية في أراضي السودان، فإنه يتعذر من الناحية العملية إرسال قوة كهذه قبل حلول شهر سبتمبر المقبل· وحتى ذلك الحين، تظل قوات السلام الإفريقية، هي الحائل الوحيد دون فشل ونجاح اتفاقية السلام التي أبرمت مؤخراً بين طرفي النزاع الدارفوري·
وكان الرائد 'كادنغا' -وهو قائد عسكري من جمهورية توغو ومكلف بمهمة الإشراف على العمليات العسكرية منذ نحو 10 أشهر- قد جاء إلى قرية 'منواشي' بجنوب دارفور، بقصد تقييم الوضع الأمني فيها· ورغم أنه زار القرية أكثر من مرة، إلا أن القصة ظلت كما هي دائماً، نتيجة لتكرار غارات المليشيات العربية المسلحة، على سكان تلك القرى من القبائل والجماعات غير العربية· فإلى جانب النهب والسلب في ذلك اليوم، قتلت المليشيا امرأة واحدة، بينما أطلقت الرصاص على ست أخريات، واغتصبت 15 منهن· ولذلك لم يبدِ عمر محمد أبكر -شيخ القرية- سعادة برؤية الرائد 'كادنغا'، بل استقبله بقوله: لا أريد التحدث إليك· فقد أعطيتك تقارير كثيرة من قبل، دون أن تفعل شيئاً، ودون أن تفيدنا دورياتك المتكررة في وقف ما يحدث لأهلنا! ومثل هذا التعليق الغاضب كثيراً ما طرق أذن 'كادنغا'، الذي يحمل التقارير ويوصلها إلى لجنة وقف إطلاق النيران، المؤلفة من ممثلين لكافة أطراف النزاع في الإقليم، دون أن يرى أية نتائج ملموسة لحماية المدنيين على الأرض·
والحقيقة أن التفويض الممنوح لقوات حفظ السلام الإفريقية، لا يتجاوز حدود كتابة التقارير عن الانتهاكات والقيام بالدوريات، لكونه لا يعطيها سلطة فرض تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين حكومة الخرطوم وفصائل التمرد الموقع عليه سابقاً في العاصمة التشادية نجامينا·
والشاهد أن هذا التفويض تأثر بموقف الحكومة السودانية، التي تصر على وصف ما يجري في الإقليم بأنه نزاعات قبلية داخلية، يمكن حلها داخلياً، دون ما حاجة لأي تدخل دولي أجنبي· ولذلك فقد نظر الغرب إلى القوات الإفريقية على اعتبارها قوات عاجزة عن وقف العنف الذي كلفت بإنهائه· وليس أدل على ذلك من المظاهرات التي نظمها ضدها اللاجئون الدارفوريون أنفسهم، في معظم مخيماتهم وأماكن إقامتهم المؤقتة مؤخراً، مما أسفر عن مصرع العديدين منهم·
ومن العقبات التي تواجهها قوات الاتحاد الإفريقي، كبر مساحة الإقليم وضعف عدد القوات· ونتيجة لذلك فإن من مهمة كل جندي من الجنود الأفارقة، مراقبة مساحة تزيد على حجم مدينة مانهاتن الشاسعة، في إقليم تعادل مساحته جمهورية فرنسا أو ولاية تكساس، ويفتقر إلى الطرق المعبدة ووسائل الاتصال السلكية واللاسلكية· ورغم أن للاتحاد حوالى 25 طائرة هليكوبتر تبرعت بها الحكومة الكندية، إلا أنه تعوزه الأموال اللازمة لتشغيلها، إلى جانب خضوع حركتها للإجراءات التي تفرضها الحكومة السودانية على المطارات والطيران· ثم هناك مشكلة التمويل عموماً، ما بين رفض الاتحاد الأوروبي زيادة حجم تمويله لعمليات الاتحاد في الإقليم، ما لم ترفع قواته مستوى أدائها، وما بين رفض الكونجرس الأميركي لطلب تقدم به الرئيس بوش، بتوفير مبلغ 50 مليون دولار لمهمة الاتحاد الإفريقي في دارفور العام الماضي· لكن وبتراجع الاتحاد الأوروبي وضخه مبلغ 50 مليون دولار مؤخراً، مرفقاً بتعهد آخر بتوفير نحو 35 مليون دولار في فبراير المقبل، مضافاً إليها احتمال تراجع الكونجرس عن قراره السابق، فإن القصد هو تمكين الاتحاد من مواصلة مهمته في الإقليم، إلى حين وصول البعثة الدولية·
ليديا بولجرين
مراسلة صحيفة 'نيويورك تايمز' من منواشي- جنوب دارفور
ينشر بترتيب خاص مع خدمة 'نيويورك تايمز'
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©