الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سقوط الضباط والموظفين

سقوط الضباط والموظفين
19 يونيو 2013 20:59
فاجأت ثورات الربيع العالم كله، كما فاجأت شعوبها ونخبها السياسية والثقافية بالصورة الجديدة، التي كانت خفية للإنسان العربي، بعد عقود طويلة من هيمنة أنظمة الاستبداد والفساد والقمع على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية العربية، واستسلام الواقع العربي لتلك سطوتها، حتى بدت وكأنها قدر لا فكاك منه. من هنا يبدأ الباحث مروان بشارة كتابه الجديد “العربي الخفي/ وعود الثورات العربية ومخاطرها”، مبيناً طبيعة الهواجس التي حكمت فصول البحث ومقاصده التي تمثلت في محاولة فهم الكيفية التي تطورت بها ثورات الربيع العربي، وما هو الصحيح فيها، ولماذا كانت هذه الثورات مهمة، وكيف يمكن لها أن تنحرف عن مسارها الذي اتخذته منذ البداية؟ إن ما كشفت عنه هذه الثورات هو الحيوية والتوق الجمعيان للتغيير بعد عقود من الركود وبذلك تسعى الدراسة لإنصاف العرب بعد محاولة الإعلام الغربي تشويه صورة العربي وإبراز الهوية العربية من خلال تتبع جذورها والعوامل المركبة التي تخص المجتمع العربي والمؤثرات التي جعلت الربيع العربي ممكناً، الأمر الذي دفع الباحث لكي يقدم بحثاً في سيرة الزمان والمكان بعد جيل التحرير في الخمسينيات، مروراً بجيل الهزيمة في السبعينيات والثمانينيات، والجيل الضائع في التسعينيات، وصولاً إلى جيل المعجزة في وقتنا الراهن. مفاجأة كبرى تركز مقدمة الكتاب على المفاجأة الكبرى التي فاجأ بها الشباب العربي الجميع وحتى أنفسهم وكيف سقط الكابوس الطويل من الاضطهاد السياسي والهزائم العسكرية والنكوص الاجتماعي والركود الاقتصادي ليحل محل كل هذا والتطور وحكم القانون والشفافية، وبهذا فقد أظهرت ثورات الربيع العربي أفضل ما في العرب ألا وهو ضميرهم الجمعي وأفعالهم وثورتهم السلمية، ما خلق حالة من التلازم بين الكرامة الشخصية والكرامة القومية. لكنه قبل أن يصل إلى دراسة واقع هذه الثورات يحاول الكشف عما أصاب الأوضاع العربية من تعفن وانحلال وما لعبه التوريث على مستوى السلطة السياسية من دور حاسم في إشعال الثورات العربية، في الوقت الذي يحاول فيه معرفة الأسباب التي خلقت عدوى الثورة في العديد من البلدان العربية ودراسة العوامل الثلاثة العابرة للإقليمية (القومية، الإسلامية، والتدخل الغربي) من حيث أثرها الكبير على عملية التحول في المجتمعات العربية. يركز البحث مطولاً على الكيفية التي آلت فيها أمور بلدان العربي العربي وفي المقدمة منها الأسباب السياسية، ذلك لأن منشأ الواقع المزري فيها لم يكن دينيا أو ثقافيا على الرغم من أهمية العاملين بل هي أسباب سياسية بامتياز، لأن استخدام السلطة السياسية بهذا السوء كان العامل الحاسم في هذا المسار الذي حكمته أنظمة غير معنية بالتقدم البشري والوحدة والديمقراطية وحقوق الإنسان، خاصة وأن ولادة الدولة العربية جاء مع التقسيم التعسفي للعالم العربي، في الوقت الذي سعت فيه القوى الغربية بصورة منهجية لتقويض الجهود الرامية إلى إقامة الديمقراطيات البرلمانية لصالح أنظمة الاستبداد، وهكذا كان التدخل الاستعماري الغربي من حيث العمق أنه أثر بصورة كبيرة في صياغة الدول العربية الحديثة وصياغة سياساتها. لقد تلازم هذا التدخل مع صعود حكم الضباط الرؤساء الغوغائيين في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، والذين لجأوا إلى تأميم ممتلكات الدول الكبرى ووزعوا الأراضي على الفلاحين، متبنين الأجندات العلمانية والاشتراكية والقومية، في الوقت الذي قاموا فيه بتصفية زملائهم العسكريين والحكم بقبضة حديدية وعسكرة المجتمع، في حين كانت تعوزهم الخبرة السياسية، وقد نجم عن هذا الوضع عسكرة المجتمع وتضخم عدد الجيوش العربية. هنا يشير الباحث إلى مسألة مهمة تتعلق بترييف الحياة المدنية والسياسية في العالم العربي بغية إضعاف نخب المدينة التي كانت تسعى لإقامة علاقة تكافؤ مع أوروبا، كذلك يبين كيف أن ترييف المدينة قد ساهم في خلق فسيفساء اجتماعية وخلق قوة ردع لدى الأنظمة العربية التي استمدت من هامش المجتمع مجندين لها سواء على أساس القبيلة أو قرابة الدم أو العصبية أو الطائفية، ما أدى إلى خلق ولاءات لا وطنية مما ساعد على الاستيلاء على الحكومات المدنية والأحزاب السياسية الحاكمة. ومع بداية القرن الحادي والعشرين ظهرت أنظمة الاستبداد العربي في مقدمة الديكتاتوريات في العالم التي عملت على إلغاء التعددية والتنوع من أجل إقامة مجتمع يقوم على الايديولوجيا السائدة، واحتكرت التفكير السياسي ومختلف مناحي الحياة المدنية والسياسية. الواقع والشعارات وعلى خلاف ما روجت له تلك الأنظمة المستبدة وأيديولوجياتها من شعارات حول القضاء على الاستغلال والتخلف فإنها ساهمت في ظهور نخب فاسدة جديدة ترتبط مصلحتها ببقاء النظام، وهي تتألف من الموظفين الأثرياء وكبار ضباط الجيش الذين تحولوا لشركاء لطبقة التجار، ما أدى إلى سيطرتهم على الوسط التجاري من جهة وتشكيل هذا الوسط وفقا لنظام المحسوبيات من جهة أخرى، حيث قاد هذا الواقع الجديد إلى غياب المنافسة الحرة وسوء استخدام القوانين الذي آل بدوره إلى حالة من الركود الاقتصادي. في ضوء هذا الواقع يرى الباحث أن الأنظمة العربية قد فشلت فشلا ذريعا في بناء دول ناجحة وعصرية وديمقراطية، إلى جانب فشلها في تأسيس تكتل عربي موحد ومفيد على عكس ما كانت تطرحه من شعارات التضامن العربي. بعد هذا التحليل لبنية الواقع السياسي العربي ينتقل بشارة إلى دراسة بنية الشباب العربي الذي يسميه بجيل المعجزة الذي عانى القمع السياسي والحرمان الاقتصادي، حيث يبين العوامل الاستراتيجية والسياسية والاجتماعية التي لعبت دوراً حاسماً في ثورة الشباب العربي، وفي مقدمتها ارتفاع معدلات البطالة وغياب الاستثمار الحكومي النشط في الصناعات والتحرير المتسرع لمشاريع الدولة وخصخصتها، إلى جانب تغير بنية الأسرة العربية بسبب العجز عن الزواج. إن هذا الشباب الذي قاد الثورة هو من كان محل صراع على تسخيره لصالح الأنظمة العربية باعتباره جيلاً ساذجاً يسهل التغرير به، كما كانت تتوقع تلك الأنظمة، ولهذا يتحدث الباحث عن عدد من الاستراتيجيات التي استخدمها الحكام لتمتين رعايتهم للشباب وتأكيد سلطتهم عليهم سواء من خلال التجنيد الإجباري أو أشكال الخدمة الوطنية وبرامج التثقيف الحزبي والاهتمام بالرياضة باعتبارها الهواية المفضلة لهم ومما يشير إليه في هذا المجال أن تنظيم الأخوان المسلمين هو أول من أسس فروعا طلابية له في الجامعات المصرية والعربية. لقد اتخذت ثورة الشباب في بلدان الربيع العربي سمات خاصة بها يحددها في انتفاء البعد الأيدلوجي والشعارات الفارغة عن تحركاتهم وقيامهم بربط احتجاجاتهم باحتياجات الناس اليومية، فكان أن تحول المطلب الاجتماعي غير التقليدي إلى ظاهرة استراتيجية ناجعة، إلى جانب الاستخدام الواسع والناجح لمواقع التواصل الاجتماعي، كما لعب الإعلام الجديد دوراً ثقافياً مهماً سواء في عملية التواصل بين المجموعات الشبابية وتحشيدها وتنسيق أعمالها أو في نقل صورة الحدث إلى العالم بسرعة فائقة وفضح ممارسات أجهزة الأنظمة القمعية، فكان الإعلام الجديد بذلك ضرورة للتنظيم الاجتماعي والسياسي، ساعدهم فيها النشطاء الدوليون (الهاكرز) سواء في تجنب عمليات الحجب أواختراق المواقع الحكومية. ومما يجده الباحث مشتركاً بين ثورات الربيع العربي هو وحدة الشعارات والأهداف مقابل اختلاف المسارات التي اتخذت بعداً حاداً من العنف الممنهج في الثورة الليبية، ومن ثم في الثورة السورية، بسبب استخدام النظامين لما يملكانه من فائض القوة والعنف بحق الشعب المنتفض في محاولة، لإجهاض حركته ودفعها من مسارها السلمي نحو العنف، بغية تبرير هذا الاستخدام الواسع والكبير للقوة وسياسة القتل والتدمير. الكتاب: العربي الخفي/ وعود الثورات العربية ومخاطرها المؤلف: مروان بشارة الناشر: الدار العربية للعلوم ـ ناشرون، ومركز الجزيرة للدراسات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©