الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

كيف يهدر المديرون وقت موظفيهم؟

كيف يهدر المديرون وقت موظفيهم؟
21 أغسطس 2018 00:59

المديرون لا يقصدون إضاعة وقت موظفيهم، لكن لسوء الحظ، فإن العديد منهم يكدسون مهام غير ضرورية على الأشخاص الموجودين تحت قيادتهم في السلم الوظيفي وهم يجهلون تماماً الأثر السلبي لذلك على سير العمل الذي يخلقه هذا السلوك، لأن المديرين يعطون أوامر دون أن يدركوا حجم العمل الذي تتطلبه تلك التوجيهات، ويقدمون تعليقات سلبية ولا يعتبرون أن موظفيهم قد يفسرونها كأوامر، وهم يلتمسون أيضا الآراء دون أن يدركوا أن الموظفين سيميلون بظهورهم إلى الوراء لإخبارهم بما يريدون سماعه بدلاً من قول الحقيقة كلها.
هذا ما تعلمته أنا وزميلي هوجي راو في جامعة «ستانفورد» من مشروع «الاحتكاك التنظيمي»، فنحن ندرس السبب الذي يجعل بعض المؤسسات تواجه صعوبات جمة في إدارة الموظفين والأعمال، وكيف يمكن تحسين هذا الوضع. وفي الواقع فإن بعض الأخطاء التي تقع فيها بعض الشركات يمكن بسهولة تفاديها، وهذا عادة ما يكون في يد المديرين الذين يمكن أن يعملوا على ضبط سلوكهم المهني لضمان استقرار الشركات وتقدمها.
وقبل وصف كيفية تجنب المعوقات الوظيفية، فمن المهم أن نفهم سبب أن العديد من القادة لا يرون الطرق التي يهدرون بها وقت الموظفين. أولا، لا يولي الكثير من المديرين اهتماماً كافياً لسلوكيات موظفيهم واحتياجاتهم ومتاعبهم.
على سبيل المثال، وقع مدير تنفيذي لإحدى الشركات التي درستها، في غرام مفاهيم الإدارة الحديثة، مثل الإنتاج الذي يقلل المخلفات، وكثيراً ما كان يعلن عن مبادرات جديدة على مستوى الشركة، غالباً بمعدل مرة واحدة كل ثلاثة أشهر. ولكن المبادرات الجديدة لم تكن تبالي بالمبادرات التي تمت مناقشتها في السابق ولا يؤخذ لها أي اعتبار.
وكثيراً ما كان يُطلب من الموظفين أن يلقوا من أيديهم كل ما كانوا يفعلونه من قبل والبدء في مهمة جديدة من الصفر. وتستلزم كل مبادرة جديدة جولة جديدة من التدريب والاجتماعات والأوراق، رغم أن العديد من الموظفين تعلّموا العديد من المهارات التي تتطلبها كل مبادرة، ولكن لا يتم توظيف ذلك لصالح العمل. وفي بعض الأحيان تصطدم المبادرات الجديدة مع التوجيهات المتغيرة فيما يتعلق بسير العمل اليومي. بل يطلب في الغالب من الموظفين المتحمسين أن ينسوا المبادرات التي تم الاتفاق عليها وأن يركزوا في تسيير أعمالهم المعتادة. وهذا بالتأكيد يعد إهداراً لكثير من الوقت.
في الوقت نفسه، يدرك الموظفون في العديد من الشركات كيف يحافظون على وظائفهم وذلك عن طريق إرضاء مديريهم، وبالتالي يركزون على إخبار المديرين عما يعتقدون أنهم يرغبون في سماعه حتى لو كان ذلك عكس ما يعتقد الموظف أنه يحقق تقدم الشركة، وعلى الصعيد الشخصي يقوم الموظف دائماً بإبداء الحرص على راحة المدير والسؤال الدائم على صحته وما يشغل باله. وهذا يؤدي إلى ما يطلق عليه زميلي راو «مجاملة المدير التنفيذي»، فعندما يثني الموظفون على كلمات وملابس وسلوك وأسلوب حياة المديرين يشعر المدير بالفعل أنه «فئة أفضل من زملائه في العمل».
على سبيل المثال، أخبرني مسؤول تنفيذي قصة، ربما تكون غير صحيحة، حيث لم أتمكن من التأكد منها، عن أحد الرؤساء التنفيذيين الذين علق تعليقاً عفوياً يوماً ما بأنه يحب أن يتناول الكعك في الصباح. فكان كل يوم ولسنوات عديدة بعد هذا التعليق يحاط بكميات من الكعك في كل حجرة يزورها في الشركة حيث فطن في النهاية إلى أن ذلك يرجع لمحاولة الموظفين استرضائه.
وفي حالة أخرى، سأل مسؤول تنفيذي موظفيه عن سبب وجود باب جديد في غرفة واحدة بينما الغرف الأخرى أبوابها ليست كذلك. فاعتبر الموظفون أن هذا التعليق على سبيل النقد فقاموا بالرسم على الباب الجديد ولصق ملصقات مختلفة عليه ليبدو وكأنه قديم وذلك فقط لإرضاء المدير. وعندما أوضح أنه لم يكن يقصد الشكوى من وراء تعليقه، أعادوا الباب الجديد إلى حالته السابقة.
ظاهرة «مجاملة المدير التنفيذي» يمكن أن تولد مشكلات مثيرة للإزعاج. في الثمانينيات من القرن الماضي، شاركت في بحث ميداني حول سلسلة متاجر تجزئة أنفقت ملايين الدولارات لتحسين تعامل الموظفين مع مديريهم. واستخدموا التدريب والحوافز والمسابقات لتشجيع الموظفين على تقديم الابتسامات والتواصل بنظرات العين وتقديم التحيات والشكر.
أحد أسباب إطلاق هذه الحملة، أن المدير التنفيذي شكا من موظف فظ يتعامل معه. ولم يكن المدير يعلم أن شكواه قد تسببت في كل هذا من إهدار مال ووقت الشركة. وعندما اكتشف ذلك أمر الشركة بإنهاء الأمر كله وفوراً. وهناك طريقة أخرى يضيع بها الموظفون التنفيذيون وقت الموظفين، وتبطئ العمل، وتضيف إلى أعبائهم ويمكن أن نصفها بانها مثل «لعق الكعكة»، وهو مصطلح مستوحى من عالم الأطفال الذين يلعقون الكعك لردع الآخرين عن أكلها. وتحدث ظاهرة «لعق الكعكة» عندما لا يدرك قادة الشركات النامية أو يقبلون أن الوقت قد حان لتفويض بعض المسؤوليات والمهام لموظفين آخرين.
على سبيل المثال، من المنطقي أن يتمكن المرشحون لوظيفة ما من مقابلة رئيس تنفيذي واحد، وهذا يعد منطقياً إذا كان هناك 25 مرشحاً فقط، ولكن لا يعد الأمر منطقياً عندما زاد عدد المرشحين للوظيفة الواحدة عن 500 شخص. ومع ذلك، أصرت مديرة تنفيذية على إجراء كل المقابلات بنفسها والتي تتخطى الـ500 ما وضع أعباء هائلة على مساعدها وموظفي الموارد البشرية، حيث أصبح جدول أعمالها مزدحما بشكل جنوني.
وخسرت الشركة العديد من الموظفين المحتملين الذين قبلوا الوظائف في أماكن عمل أخرى قبل أن يحين موعد إجراء المقابلات مع المديرة التنفيذية للشركة. وبعد مضي عام كامل من التأخير في إجراء المقابلات، قررت الرئيسة التنفيذية أنها مشغولة للغاية ولن تستطيع مقابلة كل مرشح. ولكنها في الوقت ذاته ظلت غير مدركة للضرر الذي تسببت فيه للشركة مع إهدار الموارد وإضاعة الوقت وخسارة موظفين محتملين.
كيف يمكن أن يتوقف القادة عن ارتكاب هذه الأخطاء؟ كيف يمكنهم أن يدركوا أنهم خلقوا جوًا يضيع فيه الوقت ويتسبب في إهدار أموال الشركة؟ يمكنك كمدير أن تبدأ بالتشكك في أنك في طريقك لإهدار أموال الشركة عندما يكون كل ما تسمعه من تعليقات الموظفين تحمل في طياتها المدح والإطراء. كما ينبغي أن يكون المدراء يقظين وحريصين دائماً على متابعة كل شكوى حتى ولو كانت بسيطة بأنفسهم، وأن يحرصوا أيضاً على معرفة الأسباب الحقيقية، لا مجرد ملاحظات سلبية يطلقها موظفون على طريقة الأداء أو إبداءهم اعتراضات على طريقة إنجاز المهام. وعندما يقول المدير أي شيء يمكن أن يساء فهمه كأمر أو رغبة في التغيير، فإنه من المهم للغاية أن يعقب المدير ذلك بجملة، «من فضلك لا تفعل أي شيء، أنا فقط أفكر بصوت عال».
وهناك عامل آخر هام للغاية يتعلق بتسيير العمل في الشركات، وهو أن يقوم المديرون التنفيذيون بتشجيع الموظفين على ضرورة إبداء رأيهم بصراحة ومنحهم الثقة في أن يقدموا اعتراضهم المنطقي على سير العمل والقرارات التي يتخذها المديرون إذا رأى الموظف إنها لا تصب في مصلحة العمل. وربما يكون الأهم من إبداء الاعتراضات وتوجيه النقد أن يتخطى هذا الأمر مرحلة الكلام الشفوي وأن يقوم المديرون بدراسة أسباب اعتراض الموظفين ثم اتخاذ خطوات عملية تشعر الموظف أن رأيه الصادق يعتد به.
ووصف أحد المديرين التنفيذيين الذين التقيتهم مرة، كيف كان يشرح مشكلات في الإدارة، ويوضح كيف يتم تجنب ذلك خلال اجتماع مع فريق العمل، لم يطرح أحد من الموظفين أفكاراً ولم يعترضوا على الطريقة التي طرحها المدير للحل، ولكن المدير لاحظ خلال كلامه أن أحد الموظفين يبدو عليه عدم الراحة. اتصل المدير بالموظف بعد الاجتماع، وعندما دفعه المدير إلى الكلام، تقدم الموظف باقتراح حول تغيير أسلوب العمل الأمر الذي أثنى عليه المدير وأمر بالفعل بتنفيذ ما طرحه الموظف.
وكجزء من تبني الشكاوى، ينبغي أن ينظر المديرون في تغيير جذري (وغير مريح في كثير من الأحيان) لكيفية تعريفهم للموظفين المثاليين. وتظهر الأبحاث حول السلامة النفسية في أماكن العمل التي تشرف عليها إيمي إدموندسون من كلية هارفارد للأعمال أن أفضل الموظفين من وجهة نظر معظم المديرين هم هؤلاء الذين ينفذون بصمت ما يطلبه منهم المديرون مهما كان ما يطلب منهم من مهام قد تبدو للبعض غير منطقية ولن تجدي في تحقيق أي شيء يذكر للشركة. وأحياناً يصنف المديرون الموظف الذي يطرح الأسئلة ويناقش في جدوى القرارات بأنه مزعج وغير متعاون.
وعلى العكس مما يجب أن يكون عليه الوضع، فإن المديرين يسفهون من اعتراض الموظفين ويحرمونهم من فرص التقدم في العمل ويحرصون دائماً على الإشادة العلنية بالموظفين الذين ينفذون القرارات في صمت. وكما هو الحال في معظم الأمور التي يدمنها البشر، فإن تغيير سلوك الموظفين يحتاج من المديرين الصبر والوقت مع الحرص على أن تكون الرسائل واضحة بأن من يقول الحقيقة بغض النظر عما يريد المدير سماعه طالما يصب في النهاية في مصلحة العمل سيلقى جزاءً حسناً، بينما من يحرص على إرضاء المدير على حساب العمل فسيفقد فرص التقدم الوظيفي، ويجب على المديرين أن يفعلوا ذلك على أساس منتظم، وإلا فإن العادات السيئة القديمة ستعود إلى مكانها.

بقلم: روبرت ا. ساتون

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©