الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

كردستان العراق.. حلم الانفصال وعقدة دول الجوار

كردستان العراق.. حلم الانفصال وعقدة دول الجوار
5 يوليو 2014 14:53
د.فارس الخطاب (أبوظبي) هل وقعت إدارة إقليم كردستان العراق في خطأ استراتيجي عندما لوحت علناً برغبتها في الاستقلال عن بغداد؟ أم أن ظروف العراق الأمنية والعسكرية والسياسية حاليا تعد التوقيت الأمثل لمثل هذا الإعلان؟ وهل درس الأكراد العراقيون فعلا تأثيرات إعلان دولتهم المستقلة على دول الجوار التي تضم من جهتيها الرئيسيتين دولتين كبيرتين هما تركيا وإيران؟ ثم ما هو الموقف العراقي من ضم حكومة كردستان لأراض بالغة الأهمية وفي مقدمتها (كركوك) الغنية بالنفط، إلى دائرة نفوذها وبسط سيطرتها العسكرية عليها تمهيدا للاستقلال؟ لماذا كل هذه الأسئلة..؟ يخطئ كل من يظن أن القضية الكردية هي شأن داخلي عراقي، وأن كردستان العراق هي في حقيقة الحال (شبه) مستقلة عن سلطة الحكومة المركزية في بغداد، ذاك أن أكراد العراق هم امتداد حقيقي اجتماعي لكل مكونات الشعب العراقي، يضاف لها، سياسي وحتى عسكري، لكل أكراد المنطقة في دول مثل تركيا وإيران وسوريا وأنحاء متفرقة من العالم، وقد استطاعوا من خلال قانون الحكم الذاتي (11 مارس 1970) الذي منحته حكومة الرئيس العراقي الراحل أحمد حسن البكر بمبادرة من خلفه الراحل صدام حسين لأكراد العراق، أن يمثلوا نموذجا لأكراد الإقليم ومصدرا طموحا وإمدادا لهم طيلة عقود لاحقة، رغم كل الإرهاصات التي مرّ بها الإقليم والحكومة المركزية في بغـداد طيلة هذه الفترة، ولعل الفترة التي أعقبت الحرب على العراق عام 1991 والتي شاركت فيها عشرات القوى الدولية بغرض إخراج قـواته من الكويت، كانت أبرز تلك الفترات، حيـث لم يعد بعد هذا التاريخ أي (1991) سـلطات تذكـر لحكومة بغـداد على كردسـتان العراق باستثناء الخدمات والالتزامات الإدارية من المركز بحق الإقليم، ومن هنا كان التوصيف بـ (شبه) المستقل لفترة امتدت لأكثر من 12 عاما توجتها مرحلة أكثر أهمية بالنسبة للأكـراد، وهي اجتـياح العـراق بـكامله من قبل القوات الأميركية والبريطانية، كان للأكراد دور كبير ومركزي في تسهيله عبر أراضيهم بالمعلومات الاستخباراتية ثم في استضافة معارضي الحكومة العراقية وبمشاركة مقاتليهم في المناطق المحاذية لنفوذهم وانتهاء بالسماح للقوات الأميركية من استخدام أراضيهم منطلقـا لأحــد أهم محاور الهجوم على العراق في القاطع الشمالي للعمليات حينه، حـتى إسـقاط الحـكومة العـراقية وما آلت إليه أمور العراق وجيش العراق ومعداته التي يتهم الأكراد أيضا أنهم صادروا أهم ما فيها ! إن اللافت في موضوع الأكراد أنهم كانوا أكثر فئات الشعب العراقي، بل أكثر جماعات المعارضة العراقية لحكم صدام حسين، استفادة من إسقاط الحكم في بغداد وحل الجيش العراقي وكذلك في إقرار مواد في دستور العراق الجديد منحتهم المزيد من الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية التي احتواها قانون الحكم الذاتي 1970، لكن مع ذلك بقيت العلاقة بين بغداد وأربيل عرجاء، ووصلت في اكثر من مرة حد التهديد بالاقتتال وتحشيد القوات، خاصة في عهد ولاية نوري المالكي (2006-2014) حيث لوح الأكراد عام 2010، بموضوع الاستقلال عن العراق (كجس نبض) لكنهم تعرضوا لانتقادات دولية وإقليمية إضافة لاإفتقارهم حينها لأهم عناصر أستكمال مقومات إنشاء الدول، وهو العامل الاقتصادي، وهو ما يعني تحديدا (كركوك). عراق ما قبل (9 يونيو) وما بعده: بعد الأحداث الأخيرة في العراق التي بدأت في 9 يونيو الماضي بسقوط محافظتي نينوى وصلاح الدين ومدن في محافظتي ديالى والأنبار ومحيط بغداد وغيرها، تصرف الإقليم بسرعة ليصدر أوامره لقواته (البيشمركة) بالتقدم صوب المناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية والتي تشكل كركوك مركز محافظة التأميم أهمها، وقد استطاعت هذه القوات احتلالها بسهولة وبدون قتال، دون أن يصدر من المالكي أو حكومته أي اعتراض، وكذلك لم تعلن الفصائل المسلحة التي تخوض قتالا ضد قوات المالكي عن موقفها من السلوك الكردي في مناطق اعتبرت ضمن مناطق نفوذها الجديدة. أما السلوك الأغرب فهو تأكيد رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، أنه وبعد انتظار عشر سنوات لم تلتزم فيها الحكومة العراقية بتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي والمتعلق بالمناطق المتنازع عليها فإن هذه الأراضي باتت الآن جزءا من إقليم كردستان العراق، وقال «إن سيطرة الأكراد على كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها مع بغداد أمر نهائي وأن المادة 140 من الدستور الخاصة بهذه المناطق لم يبق لها وجود»، ثم قال قوله الأخير خلال زيارته لكركوك «إن عراق ما بعد 9 يونيو غير عراق ما قبله»، وقال خلال استقباله وزير الخارجية البريطاني وليام هيج في أربيل «إن الوضع في كركوك لن يعود إلى ما كان عليه قبل دخول القوات الكردية وسيطرتها عليها». وقد ردد سـاسة وكتاب ومحللون سـياسيون أكـــراد هـذه المـقـــولة في محاولة لفرض مبدأ (الأمر الواقع)، وفي محاولة للاستفادة من كبوة كبيرة للحكم المركزي في بغداد قد تمكنهم من الاستحواذ على مقومات تشكيل وإعلان دولتهم المستقلة، بينما تنشغل القوى السياسية الضعيفة والمتهالكة على السلطة في العاصمة العراقية بدرء الخطر المحدق بشكل الحكم هناك ومجمل مكونات العملية السياسية في البلد. الاستقلال..هل يبقى حلماً؟ يتساءل الكثير من المراقبين، هل يحتاج أكراد العراق إلى إعلان الاستقلال وهم يمتلكون كل عناصر الدولة المستقلة ضمن حدود إقليمهم، ثم ضمن حدود الدولة العراقية التي باتت رئاستها بحكم العرف لهم إضافة إلى وزارات سيادية وكتلة برلمانية قادرة على إنجاح أو إفشال أي مشروع يقدم لمجلس النواب العراقي، كما يتمتع الإقليم برخاء اقتصادي واستقرار أمني تفتقد إليه دول كثيرة في المنطقة ناهيك عن البلد الأم (العراق)؟..يحتمل الأمر أوجها كثيرة، بعضها قد يكون تكتيكيا، والآخر قد يكون تعبويا، كما يحتمل أيضا أن يكون نتيجة لسوء تقدير للموقف وقع فيه رئيس الإقليم عندما قارب حلم الاستقلال بهشاشة الأوضاع الأمنية في العراق وشبه انعدام لسلطة المركز على عموم البلاد. لقد طلبت القيادة الكردية من وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال زيارته للإقليم نهاية يونيو الماضي للتباحث بشأن الأزمة العراقية الحالية أن يكون للولايات المتحدة رأي في موضوع استقلال الإقليم، فأكد لهم كيري ضرورة مشاركة الأكراد الفاعلة بتشكيل الحكومة الاتحادية المقبلة وعدم الانفصال عن العراق، وكذلك فعل وزير خارجية المملكة المتحدة وليام هيج. كما أعلنت وكالة «آكي» الإيطالية للأنباء نقلا عن مسؤول في الاتحاد الأوروبي قوله «إن الاتحاد يعترض على انفصال كردستان عن العراق، وأنه يدعو إلى بقاء العراق موحدا وبعيدا عن أي انقسام لضمان حماية وحدته وتدعيم أمنه واستقراره..إن الظروف الحالية في المنطقة لا تساعد على نشوء دولة كردية، فهذا ليس في مصلحة المجتمع الدولي ولا في مصلحة دول المنطقة»، وكذلك كان موقف المملكة العربية السعودية وعموم الموقف العربي. أما الموقف اللافت فهو موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حيث دعا الأسرة الدولية إلى دعم استقلال كردستان العراق، وقال «يجب أن ندعم جهود الأسرة الدولية من أجل دعم تطلعات الأكراد بالاستقلال»، وأضاف «أن الأكراد هم شعب مقاتل وعصري على الصعيد السياسي ولهم الحق في استقلال سياسي»، وهي دعوة في حقيقة الأمر تزيد من الانطباع السائد في العراق عن وجود علاقات متينة بين الإقليم وبين إسرائيل خارج رغبة وإرادة وربما علم الحكومة المركزية في بغداد وتأتي أيضا بعد توريد شحنات من النفط المستخرج من إقليم كردستان العراق إلى إسرائيل وبأسعار خاصة. لقد بات استقلال إقليم كردستان خيارا مقدما على بقية الخيارات لدى بعض قياديي الإقليم حيث يربط هؤلاء ذلك بالنمو الاقتصادي والاجتماعي والاستقرار الأمني والعلاقات الجيدة والمستقرة أيضا مع الكثير من حكومات وشعوب العالم، ثم الأهم التمكن من السيطرة على كركوك (بحيرة النفط العراقي)، لكن ذلك لن يكون خيارا سهلا لدول الإقليم المحيطة بالعراق، ولا تعد رغبة وموافقة إسرائيل كافية لتحقيق الحلم الكردي، فإيران التي يمثل الأكراد فيها 6% من نسبة السكان (نحو 5 ملايين نسمة)، ستكون مستعدة لكل الاحتمالات السياسية والأمنية بل وحتى العسكرية من أجل إجهاض مثل هذه الرغبة حال تحولها لواقع حقيقي سياسي وعلى الأرض كونه سيشكل حتما ملاذا آمنا وحاضنة طبيعية لمقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني والحزب اليساري الكردي «كومه له» وحزب الحياة الحرة الكردستاني والعمال الكردستاني المعارضين للحكومة الإيرانية في طهران. أما تركيا، وهي من أكثر المعارضين لقيام دولة كردية مستقلة، وفيها تقريبا 56% من أكراد العالم حيث يبلغ تعداد الأكراد هناك بحدود 16 مليون نسمة، بما يشكل 20% من نسبة السكان، فقد كانت حتى زمن قريب جدا تنكر الاعتراف أو حتى وجود الأكراد، وتسميهم (أتراك الجبال)، لكن مع موافقة حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة رجب طيب اردوغان على منح أكراد تركيا بعض حقوقهم، فإن أمورا استراتيجية في السياسة والعقيدة التركية تجاه أكراد العراق وليس أكرادهم قد تغيرت، حيث تنظر تركيا من زاوية محددة لبقاء الأكراد على وضعهم المميز ضمن التركيبة العراقية، بما يصب في مصلحة أنقرة بالدرجة الأولى، فهذا الوضع سيؤدي إلى تنمية اقتصادها من عوائد نقل النفط وتصديره إلى الغرب عبر موانئها، ثم من خلال حجم الاستثمارات التركية الهائل في كردستان العراق، إضافة لعامل آخر حيوي يتعلق بامتصاص الحنق الكردي التركي عبر اتباع سياسة النوافذ المفتوحة بين أكراد البلدين من خلال تيسير حركة العمل والحركة السياحية وغيرها. استراتيجيا يبقى الموقف التركي العام صعب جدا، ولا يمكن الاعتماد على تكتيك اتبعه أردوغان أو غيره لضرورة تاريخية وسياسية ما، مقابل أساسيات تتعلق بالأمن القومي لهذا البلد، فالتحركات الدبلوماسية والعسكرية في إقليم كردستان ونشر سلطات الإقليم لأعداد غير مسبوقة من قوات البيشمركة على الحدود، إضافة إلى دعوة متقاعدي البيشمركة للالتحاق بالوحدات العسكرية، وحملات التجنيد لجميع القادرين على حمل السلاح، كلها وقعت بعد ضم كركوك لسلطة الإقليم، وتمثل قرارات طموحة لبارزاني في تحقيق حلم الدولة، مما حدا بالحكومة التركية لإعلان معارضتها الشديدة لأي انفصال لإقليم كردستان العراقي عن العراق. وقال نائب رئيس الحكومة بولنت ارينتش «إن العالم اجمع يعرف موقفنا الرسمي: يجب ألا ينقسم العراق، وألا نترك الكلمة للسلاح، وألا تسيل الدماء، وألا تضع القوى ايديها على العراق، ويجب أن يبقى العراق مجتمعا موحدا». إذاً، طموح (الاستقلال) الكردي هذا سيواجه بصعوبات كثيرة نتيجة رفضه أولاً من دول الجوار التي ترفض (عقائديا) تشكيل دولة كردية في شمال العراق، لما قد يسببه من اضطرابات سياسية وأمنية فيها، ثم هناك توازنات القوى العالمية الكبرى، خاصة الولايات المتحدة التي لم تحدد الوقت المناسب بعد لإدخال العراق والمنطقة في أتون أزمة استقلال الأكراد، بالإضافة لعنصر مهم جدا وهو ما يتعلق بعصب الاستقلال الكردي (كركوك) التي لن يتنازل عنها بقية العـراقيين سـواء كحكومة مـركزية أو كمنظمات وتجمعات وطنية أخرى وكذلك عموم أبناء الشعب، وهي (أي كركوك) لن تسمح أنقرة أبدا لأربيل بالاستحواذ عليها وبناء دولة مستقلة على حسابها مهما كانت فوائد تركيا من عوائد تصدير نفطها عبر أراضيها وموانئها. إن انفصال الأكراد في العراق سيوجد أزمة عراقية كبرى لن تتوقف أبدا إضافة إلى أزمة إقليمية تمتد لإيران وتركيا وسوريا وغيرها، وعليه فإن قيادة الإقليم مطالبة بمراجعة حساباتها بدقة ويبدو أنها فعلت، ولعل أي متابع للشأن العراقي عموما، والكردي خصوصا يعلم أن أكراد العراق يعيشون في بحبوحة سياسية واقتصادية ودستورية قلما تعيشها أمة (وليس أقلية) في أي مكان من الشرق الأوسط وربما في العـالم أجمع، ولعل الولوج في موضوع الانفصال بإصرار يعني أن هذه الدولة ستكون عرضة لكل تيارات المنطقة والداخل الكردي كما هو حال (دولة جنوب أفريقيا) التي انفصلت عن السودان فغرقت ببحر من المشاكل والاقتتال الذي لم ينجها فيه علاقاتها المتميزة مع إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة، على حساب خسارة كل المنجز الكردي المتحقق حتى الآن نتيجة صدام متوقع مع حكومة مركزية عراقية قوية قد تفضي إليها الحرب الداخلية الحالية لا أظن أنها ستسلم أمورها لرغبات الإقليم وقياداته بسهولة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©