الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حول مفهوم العلمانية

18 يونيو 2012
هل يمكن بناء نوع من "العلمنة المؤمنة" في مجالنا المعرفي الإسلامي؟ ولماذا لا تزال فكرة العلمانية مرفوضة ومدانة في البنية المعرفية العربية حتى الآن؟ ولماذا فشل العرب في إيجاد مقبولية شعبية أو موطئ قدم للعلمانية داخل تربتنا الثقافية؟ ثم لماذا ينبغي أصلاً التركيز على مفهوم العلمانية في اجتماعنا الديني العربي والإسلامي؟ هل لأنها تشكل حلاً عملياً وحيداً للخلاص من أزماتنا المقيمة؟ وفي النهاية: هل يقبل الإسلام العلمنة كآلية إجرائية؟ وهل تقبل العلمنة الإسلام كدين دنيوي له دور اجتماعي وسياسي؟ أسئلة نحاول الإجابة عليها في هذا المقال المقتضب، كما نحاول تقديم تصور حول مسألة من أعقد مسائل الفكر العربي والإسلامي، أي قضية العلمنة والدين. نبدأ من تعريف العلمانية، والتي تعني تاريخياً: التصرف وفق المقتضى العقلي الإنساني بعيداًَ عن نصوص الدين، وفصل الدين عن الدولة بالمعنى السلطوي القهري، من دون مواجهة حادة مع الدين من خلال نفيه. وبذلك فإن نظرية الفصل بين الدين والدولة تتلخص في ميدانين رئيسيين: المجتمع السياسي الذي تصبح فيه هذه النظرية رداً مباشراً على النظام الثيوقراطي الذي كان مهيمناً أيام حكم الكنيسة القروسطية، وميدان النشاط العقلي حيث تهدف العلمانية إلى استبدال النظام اللاهوتي بالنظام العلمي التجريبي العقلي. وبالنسبة لانعدام أي تجليات للفكرة العلمانية في أوساطنا العربية، فلابد أن هناك أسباباً موضوعية حالت وتحول دون نمو أو تقبل هذه الفكرة في تربة مجتمعاتنا، وذلك لعدم وضوح في تقديمها للناس، مما يترتب عليه إحجامهم عنها ووصمها بأبشع النعوت كما هو الواقع حالياً. ومن هنا يمكن القول إن محاولة تجديد تصوراتنا ومفاهيمنا عن العلمانية هي السبيل الجديد لإعادة طرحها ومن كسب رضا الناس عنها لكي يتمثلوها ويلتزموا بها ويدافعوا عنها. أما أن تبقى الساحة هكذا متاحة فقط للخطاب الديني لكي يمارس دعاته ورموزه هواياتهم المفضلة في كيل الاتهامات لهذه الفكرة ولأصحابها بالكفر والإلحاد وانعدام الأخلاق، وربما بمساعدة كثير من حملة لواء العلمانية من خلال إصرارهم على عدم تبيئة مفاهيمها... فإن هذا سيديم المشكلة القائمة، وسيكرس سيطرة أصحاب العقول الحارة من كلا الطرفين على ساحة الفكر والثقافة والسياسة العربية والإسلامية. ولنحاول البدء من إعادة النظر في آرائنا ومعتقداتنا الصلبة حول مفهوم العلمانية، ولننطلق من فكرة أن العلمنة عندنا مؤمنة ولكن بغطاء عقلي نقدي يتيح مناخ النقد وحرية المعتقد والتفكير والرأي الحر للجميع. ولا شك أن العمل الفكري المرتكز على العقل الحر في أوساطنا الاجتماعية العربية التي يهيمن عليها رجالات الدين وأصحاب الوعظ المسجدي العتيق صعب للغاية، لكن الأمل يكمن في محاولة تقريب الفكرة العلمانية للناس، خاصة بعد فشل تجارب تطبيقات العلمنة والحداثة الرثة التي طبقتها نخب ما بعد عهود الاستقلال، في محاولتهم بناء الدولة الوطنية. ويمكن القول هنا بأن الانتدابات والاحتلالات العسكرية لبلداننا العربية ساهمت في تشويه صورة وفكرة العلمانية، وبالتالي تأخير تطبيق العلمنة، مضافاً إليها ما قامت به مجمل النخب السياسية التي حكمت بقوة القهر وعقلية الاستبداد وتغليب منطق الدولة الأمنية على منطق دولة العدل والقانون، حيث يمكن اعتبار ذلك من أهم أسباب فشل تطبيقات العلمانية الصحيحة، خاصة بعد الوفرة المالية التي دفعت إلى تأسيس مجتمعات استهلاكية أدت إلى نسف الطبقة الوسطى من جذورها، وهي الطبقة حاملة لواء التغيير وبذور الإصلاح في أي مجتمع، والتي يعتمد عليها في كل ما يتعلق بتأسيس مشاريع نهضوية. هذا إضافة إلى الانقلابات العسكرية التي نجم عنها قيام نظم "العسكرتيريا" العربية التي كان مشروعها الأساس هو ابتلاع المجتمع برمته،‏ فأقامت "دولة أمنية" بامتياز، علمانية مع العلمانيين ودينية مع المتدينين. وأخيراً نلفت النظر إلى أن الإشكالية في فكرة العلمانية ليست مرتكزة حول علاقتها بالدولة سلباً أو إيجاباً، بمقدار ما هي تتركز حول علاقتها بالموضوع الديني والإلهي، أي بالعلاقة ما بين الإنساني النسبي والإلهي المطلق، أو العلاقة ما بين الإنسان بذاته وبالدولة ومدى تأثير ذلك على الحراك والفاعلية البشرية في الأرض على مستوى البناء والإعمار والإنتاج والإثمار الحضاري. وبيئتنا العربية جاهزة كثيراً لتقبل هذه الفكرة، خاصة مع وجود مساحات مشتركـة واسعـة بين مفاهيم العلمنـة المؤمنـة وبيـن مفاهيم وتطبيقـات الفكـر الإسلامي. نبيل علي صالح كاتب سوري ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©