الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لوحة «إمرأة وحيدة في ليلة خريفية» للفنان إدوارد هوبر

لوحة «إمرأة وحيدة في ليلة خريفية» للفنان إدوارد هوبر
15 سبتمبر 2010 20:48
“هل سمعت عن جارنا بوحمد؟” قالتها وهي تقدم له فنجان القهوة التي تعود أن يشربها كل صباح قبل الخروج من المنزل. تناول منها الفنجان قائلا: “لا لم أسمع.. ولا أريد أن أسمع” فعلا هو لا يريد أن يسمع شيئاً.. لا يريد أي شيء يحيد بينه وبين التلذذ بقهوته التي تسكره رائحتها. يمسك الفنجان بيده.. يتمعن في ذلك السائل البني المائل إلى الصفرة “كأنها بحيرة” يردد لنفسه: بحيرة يمتزج فيها الهال والزعفران. يحرك الفنجان فتتحرك البحيرة الصغيرة، وعلى الحواف يكون اللون فاقعاً.. يسيل لعابه، ما أحلى مرارتها.. نعم لذيذة لأنها مَرة. تنتزعه زوجته من خيالاته وأحلامه المصطبغة بطعم القهوة: “ما بك هل يوجد شيء في القهوة؟”. ينظر إليها مبتسما.. ويعيد النظر إلى قهوته “نعم” ويكمل لنفسه: “لا يوجد شيء فقط.. بل أشياء.. وعلاقات وأحاديث خاصة بيني وبين القهوة”. تعود به ذاكرته حين كانت أمه تطلب من أبيه أن يجلب لهم حبَ القهوة من الهند، وكانت حين تقدم له فنجان القهوة، تنتظر وكلها لهفة وشوق وتكاد تطير فرحاً وغروراً حين يقول لها بعد الرشفة الأولى “هي نعم القهوة، قهوة أم سعيد”. كانت تتركه يتلذذ بالشرب وهي تتابعه بنظراتها لتصب له الفنجان تلو الآخر من الدَلة.. أما زوجته فهي لا تعطيه هذه الفرصة. “أما سمعتني.. أقول لك احترق بيتهم”. كاد الفنجان أن يسقط من يده.. لدغته الكلمات التي قالتها زوجته وهو في قمة نشوته.. سألها بخوف “بيت من احترق؟”. تململت في مكانها وأجابت ببرود “بيت بوحمد”. شرب ما تبقى دفعة واحدة.. قالت له وهي تتناول منه الفنجان “لا تستعجل هكذا.. لم يحترق بيتهم اليوم.. بل البارحة.. ولم يحترق البيت كله.. بل غرفة النوم”. عاد إليه هدوءه، ولكن قهوته ونشوته وخيالاته تطايرت في الهواء كرذاذ العطر الذي أخذت زوجته ترش منه، تأفف متضايقا وبلهجة حازمة قال لها “اتركي الدَلة.. أنا سأصبَ القهوة لنفسي”. رفضت دون أن تنطق بل أمسكت الدلة بكلتي يديها معلنة بذلك إصرارها على البقاء معه.. تناول منها الفنجان.. ومن الرشفة الأولى عادت إليه ذكرياته.. هو يحب القهوة.. لأنها تذكره بتلك الجلسة الحميمية كل صباح.. والده ووالدته.. تواصل فريد بين المحبين تحكيها الدلة والقهوة حين يحويها الفنجان.. تحمل كل الحب.. تغني عن ألوف الكلمات العاشقة وعن رسائل الشوق.. ترسم طيورا تحمل في أجنحتها مطرا خفيفا تقدمه النسائم العابرة في يوم قائظ.. “ما بك؟” قالت زوجته “لم تنظر إلى الفنجان بهذه الطريقة؟” ابتسامة ماكرة على وجهه.. ناولها الفنجان الذي سرعان ما أعادته إليه بعد أن ألقت عليه نظرة سريعة قبل أن تصب القهوة له.. قالت له “كنت أحدثك عن جارتنا صفية”. سألها: ما بها؟ لم يسمع من حديث زوجته سوى كلمة “أنها” فقد ابتعد عن محيطها وعاد إلى مغازلة قهوته.. يرتشف بحذر.. خائفا على ما يراه على سطح البحيرة الصغيرة.. طيور البحر محلقة.. سفن شراعية تحمل البحارة بآمالهم وأحلامهم العريضة.. أنغام “اليامال” يرددها النهام ليؤنس وحشة لياليهم ويخفف قسوة البحر عليهم.. محار ولآلئ تبرق في الأيدي تحت ضوء القمر.. يمعن النظر أكثر.. وأكثر لآلئ بأحجام مختلفة.. دانات حصباه.. وماذا بك يا رجل؟ فاجأته زوجته. بهاتين الكلمتين هوت به من العالم الذي يحلق به.. انتشلته من الأعماق حيث كان يجمع المحار.. أكملت زوجته “هل يوجد بالفنجان شيء؟؟” ناولها الفنجان وخرج مسرعا من المنزل.. ودعته وعادت تنظر إلى الفنجان الذي بيدها، لم تعرف إن كان به شيء أم بالقهوة لذا صبت لنفسها القهوة وأخذت تمعن النظر. * قاصة إماراتية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©