السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الجن» آمنوا بعد سماع القرآن من النبي

5 يوليو 2014 00:44
هلك أبو طالب ونالت قريش من الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم تكن تنال منه في حياة عمه، فخرج إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومه ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله وعمد إلى نفر من سادة ثقيف وأشرافهم في شوال من السنة العاشرة للبعثة، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وعرض عليهم أن ينصروه، ويمنعوه من قومه، فلم يلتفتوا إليه وعلقوا على دعوته ساخرين، فقام عنهم وأقام بين أهل الطائف عشرة أيام، لا يدع أحداً من أشرافهم إلا جاءه ودعاه، فأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبونه ويصيحون به، ويرمونه بالحجارة، فلجأ- صلى الله عليه وسلم- إلى بستان من عنب لعتبة وشيبة ابني ربيعة. وذكر ابن هشام وغيره في السيرة النبوية أن ابني ربيعة أمرا غلاماً لهما نصرانياً اسمه عداس، بأن يأخذ قطفا من العنب، ويذهب به إلى الرجل، فلما وضعه بين يدي الرسول مد يده إليه قائلاً: بسم الله ثم أكل، فقال عداس: إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة، وكان نصرانيا من نينوى بالعراق، قرية النبي يونس. جوف الليل انصرف صلى الله عليه وسلم، راجعاً إلى مكة، وعند واد يسمى «نخلة» قام في جوف الليل يصلي، فأتى سبعة من الجن، استمعوا لقراءته، فلما فرغ من صلاته، أعلنوا إيمانهم وإسلامهم، ثم انصرفوا إلى قومهم دعاة، يحملون الإسلام إليهم، ويوضحون تعاليمه ومزاياه، وفي ذلك يقول الله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، «سورة الأحقاف: الآيات 29: 32»، وفي قوله الله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا)، «سورة الجن: الآيتين 1 - 2». قال الإمام السعدي أوحى الله إلى النبي أن جماعة من الجن قد استمعوا لتلاوته للقرآن فلما سمعوه قالوا لقومهم إنا سمعنا قرآنا بديعا في بلاغته وفصاحته يدعو إلى الحق والهدى فصدقنا به ولن نشرك بربنا الذي خلقنا أحداً في عبادته وأنه تعالت عظمة ربنا وجلاله ما اتخذ زوجة ولا ولداً وأن سفيهنا - وهو إبليس - كان يقول على الله تعالى قولا بعيداً عن الحق والصواب من دعوى الصاحب والولد وأنا حسبنا أن أحداً لن يكذب على الله تعالى لا من الإنس ولا من الجن. وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن فزاد رجال الإنس الجن باستعاذتهم بهم طغياناً وسفها وهذه الاستعاذة بغير الله من الشرك الأكبر. الشهب ويسير سياق القصة في الآيات على لسان الجن قائلين: وأنا لما سمعنا القرآن آمنا به وأقررنا أنه حق من عند الله فمن يؤمن بربه فإنه لا يخشى نقصاناً من حسناته ولا ظلماً يلحقه بزيادة في سيئاته. وقال البغوي فلما حضروه قال بعضهم لبعض أنصتوا واسكتوا لنستمع إلى قراءته، فلا يحول بيننا وبين الاستماع شيء، فأنصتوا واستمعوا القرآن حتى كاد يقع بعضهم على بعض من شدة حرصهم فلما فرغ من تلاوته انصرفوا إلى قومهم منذرين مخوفين داعين بأمر رسول الله. وقد حيل بين الشياطين وخبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعوا إلى قومهم، فقالوا حيل بينكم وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما سمعوا القرآن انصتوا له. وذكر الطاهر ابن عاشور في «التحرير والتنوير» أن هذا تأييد للنبي- صلى الله عليه وسلم- بأن سخر الله الجن للإيمان به وبالقرآن فكان مصدقاً عند الثقلين ومعظماً في العالمين، وذلك ما لم يحصل لرسول قبله. والمقصود من نزول القرآن بخبر الجن توبيخ المشركين بأن الجن وهم من عالم آخر علموا القرآن وأيقنوا بأنه من عند الله، وأن المشركين وهم من عالم الإنس ومن جنس الرسول المبعوث وممن يتكلم بلغة القرآن لم يزالوا في ريب منه وتكذيب وإصرار، فهذه موعظة للمشركين بطريق المضادة لأحوالهم بعد أن جرت موعظتهم بحال مماثليهم في الكفر من جنسهم. (القاهرة -الاتحاد) نفر من الجن من سياق الآيات والروايات تبين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعرف بحضور ذلك النفر من الجن، وإنما علم حين أطلعه الله عليه بهذه الآيات، وأن حضورهم هذا كان لأول مرة، وقد وفدوا بعد ذلك مراراً، وكان هذا الفتح في عالم الجن، تمهيداً لفتوحات وانتصارات عظيمة في عالم الإنس، فقد تم لقاء النبي مع وفد الأنصار بعد ذلك بعدة أشهر وشاء الله عز وجل بفضله وحكمته أن تتحقق في هذه الرحلة الدعوية الشاقة بعض الانتصارات والفتوحات، فقد أسلم عداس وبعض الجن، وفي ذلك مواساة للنبي، حيث كان الصد من أهله وأقرب الناس إليه في بلده مكة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©