الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

إيميلي ديكنسون.. عاصفة خجولة ضربت بوابة الشعر

إيميلي ديكنسون.. عاصفة خجولة ضربت بوابة الشعر
19 أغسطس 2018 01:16

من بين ألفيّ قصيدة شعر كتبتها سراً، من دون لفت أنظار أفراد عائلتها، نشرت الشاعرة الأميركية إيملي ديكنسون «1830- 1886» في حياتها إحدى عشرة قصيدة ما زال حتى الآن لا يعرف سبب اختيارها دون غيرها، لكن ديكنسون أوصدت بابها لتنضم إلى أولئك الأدباء الذين اشتهروا بفرضهم على أنفسهم إقامة أبدية في العزلة أمثال: جيروم سالنجر وهنري دارجر، حيث إنها كانت تكلم، ولفترات طويلة، أفراد عائلتها من خلف الباب الممتثل كحارس لمزاجها المتقلب.
ورغم تفوقها الدراسي، إلا أن ديكنسون تختار بما لا يقبل المناقشة من الأهل أو الأساتذة ترك تعليمها كلياً، كما أنها لم تشارك في المناسبات الاجتماعية أو الدينية بل كانت من أشد المحاربين لهذه الروابط، لكنها كانت هشة تجاه والدتها خاصة بعد إصابتها بمرض ألزمها الفراش، فوضعت ديكنسون نفسها موضع المرافق والممرضة لها تتناوب في ذلك مع أختها ليفينيا، التي كانت بمثابة الصديقة وبئراً لأسرارها، ما كان يتيح لها الكتابة وممارسة بعض الهوايات الأخرى.
كان ثمة كوّة سريّة في حياة ديكنسون تطير من خلالها رسائلها إلى صديقات وأصدقاء وعشّاق حتى، كما لو أنها أرادت بذلك أن ترى نفسها من خلال الآخر، ولخوض الإحساس بمشاعر الحب والصداقة خاصة وأنها فقدت صديقتها الوحيدة سوزان غلبرت بزواجها من شقيقها، وكذلك موت أوتيس فيليبس لورد الذي كان من الممكن أن تنتهي مراسلاتهما بعلاقة حب كانت ستخرجها من عزلتها وتعطي لقصائدها بعدا عاطفيا عوضا عن مشاعر الانعزالية العالية.
بعد وفاة والدتها اعتكفت مع أختها في بيتِ العائلة وحيدتين دون زواج، وباحت لأختها عن تلك الرسائل، بعد أن أخذت العهد منها على إحراقها عند وفاتها، وهذا ما تحقق بالفعل، فبعد إصابة ديكنسون بالفشل الكلوي ووفاتها إثر مضاعفات لم تمهلها قامت ليفينا بإحراق مئات الرسائل من دون أن تدري بأنها تشطب تاريخًا مهماً من حياة أختها الذي كان سيمكن النقاد والدارسين من العثور على مفاتيح لرموز قصائدها، والوقوف على جانب مهم من شخصيتها غريبة الأطوار.
وبمحض المصادفة تعثر ليفينيا في غرفة أختها على ما يزيد على ألفي قصيدة شعرية، لا تدري كيف ومتى كتبتها، لتقرر بمساعدة أصدقاء على نشرها في مجلدات منفصلة، وما إن صدرت الطبعة الأولى منها حتى أصبحت إيملي ديكنسون واحدة من أشهر شعراء أميركا وأكثرهم تأثيراً في الشعر الأميركي والعالمي على مدى القرن العشرين، وظلت كتبها على قائمة الأكثر مبيعاً، وتناولت المناهج الدراسية أعمالها من التعليم الأساسي إلى الجامعي.
وعن ذلك يقول الناقد روبيرت سبيلر: «لحسن الحظ لا حاجة لتأكيد شهرة إيملي ديكنسون، معظم النقاد يبدون متفقين على أنها تقف ربما مع ويتمان على قمة الإنجازات الأميركية في الشعر، وأنها أعظم شاعرة بين النساء، كان ملاذها ملاذا إلى المطلق، لقد أصبحت واحدة من أعظم الشعراء في التاريخ وأعظم الشاعرات جميعهن دون أن تتحرك من حديقتها».
نقلت أشعار إيميلي ديكنسون إلى العربية في طبعات عديدة، تسنى لي مؤخراً قراءة إحداها، وهي للمترجم والشاعر العراقي نصير فليح في كتابه الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون «إيميلي ديكنسون..مختارات شعرية ودراسات نقدية» تضم 54 قصيدة للشاعرة، بالإضافة إلى ترجمته بعض دراسات النقاد المهمة التي تناولت شعرها منهم: لديفيد راتلج، دين جيمس، شارون كاميرون، هيلين كايسي، ومن قصائد الكتاب نقرأ:
«الريح طرقت الباب مثل رجل متعب/‏‏ وأنا كمضيفة أجبت بجرأة: ادخل/‏‏ فدخل بيتي عندها ضيف عجول بلا اقدام/‏‏ أن تقدّم له مقعداً كان أمراً مستحيلاً/‏‏ كتسليم أريكة إلى الهواء/‏‏ لا عظم فيه ليربطه/‏‏ وحديثه كان كاندفاع الكثير من الطيور المطنطنة/‏‏ دفعة واحدة، من شجيرة علوية/‏‏ علامته هي الانتفاخ/‏‏ أصابعه أطلقت بينما كان يعبر موسيقى/‏‏ كنغمات تنفخ راعشة في زجاج/‏‏ زارني ساكناً متنقلاً/‏‏ ومن ثم كرجل خجول/‏‏ طرق مرة أخرى/‏‏ لقد كانت زوبعة/‏‏ وأصبحت وحيدة، مرة أخرى».

محمد عريقات (عمّان)

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©