الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الثقافة تواجه الظلامية ولا تستثني القمع

الثقافة تواجه الظلامية ولا تستثني القمع
4 يوليو 2014 01:33
ربما ما من توصيف ثقافي، منطقي أو عقلاني، جرى من خلاله وصف ما يحدث في المشرق العربي وتحديدا في سوريا والعراق مثل هذا البيان الذي صدر مؤخراً ويحمل توقيع مائتين وستين من كتّاب وصحافيّين وأكاديميّين وفنّانين ومثقّفين وناشطين مدنيين، من العراق وسوريا ولبنان، ويجري تداوله الآن على نطاق واسع في بعض الصحف والمواقع الصحفية الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي. اللافت هنا، هو تحديد تلك القوى «الظلامية» التي أهانت «الإنسان» وتهينه، سواء في الماضي وتلك التي خرجت من رحمها وتقاتل الآن ضدها: «وأكثر مما هو انتكاسة كبيرة معادية للحضارة، فإن ما نواجهه اليوم (هو) استمرار للعدوان على عموم السكان في بلداننا وحرمانهم الحرية والعدالة. فمن يبسطون نفوذهم الآن على مناطق تمتد من الأنبار إلى ريف حلب، مرورا بالموصل وبادية الشام، ويهددون باجتياح المزيد من المناطق لرفع رايتهم السوداء، هم تجديد لشباب أنظمة الطغيان، ومشاركة لها في سحق قوى النهوض والتجدد والحرية في مجتمعاتنا». ويؤسس البيان أيضاً لخطاب ثقافي مستقل بعيداً عن حالة الاستقطاب الحادة والمتوترة التي تشهدها الساحة الثقافية العربية من انقسام عميق تجاه ما يجري وتجاه موقف المثقف العربي عموما، والسوري والعراقي على وجه التحديد، إذ هو أشبه بمحاولة أي مواطن عربي يريد ما يريد أن يقوله وما يشعر به من آلام يراها كل يوم والقنوات الفضائية العربية من هذا الطرف أو ذاك تقتات عليها. هناك جرأة عالية في الطرح وتسمية للأشياء بمسمياتها، ما يعني أنه ما عاد ممكنا هذا الصمت الثقافي كله بإزائها، هذا الصمت الذي يجاور التواطؤ تماما، إذ باتت حياة الناس تحت وطأة عنف الجهتين من غير الممكن تخيلها الآن ولا تخيل كيف ستصبح الناس بعد ذلك. لقد صدر البيان وهو يحمل توقيع الكثير من الشخصيات الثقافية الجديرة بالاحترام، سواء من سوريا أو العراق أو لبنان، شخصيات إما جرى اعتقالها في الزنازين لأعوام طويلة حتى بات الخروج إلى فضاء ما حلما حقيقياً واقعاً استثنائياً، أو تلك التي نُفيت إلى أصقاع الأرض وعاشت في عراء المنفى وبرده وجوعه الحقيقي والمادي الأكيد، أو التي عانت من حدة الانقسام الطائفي في بلدانها، وكلهم من أجيال عديدة وليسوا من جيل واحد في البلدان العربية الثلاثة، وهي غالبا شخصيات لا نرى لها أسماء في البيانات الثقافية الموسمية التي تصدر هنا أو هناك بوفرة، ولا تمتهن المزاودة، في أغلبها. من بين هذه الأسماء ياسين الحاج صالح، وصبحي حديدي وبول شاوول وصادق العظم وخيري الذهبي وزكريا تامر وسمر يزبك وشاكر الأنباري وغالية قباني وفارس الحلو وفاروق مردم بيك وهالا محمد وفرج بيرقدار ومحمد الحاج صالح وواحة الراهب ويارا صبري وسواهم الكثيرين. وفي ما يلي أهم ما جاء في البيان: يثير توسع «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) في سوريا والعراق علامات استفهام كبيرة حول مستقبل المشرق العربي، ومخاطر أن يصير الإقليم معرضا عالميا لفشل الدول والمجتمعات، وفشل الدين أيضاً. فما نراه من نهوض لقوى العشائر والقبائل الحاملة لواء «الدولة الإسلامية...» والمدعومة من «جهاديين جوالي» جاؤوا من مشارق الأرض ومغاربها، لا يهدد بتفكيك بالغ الدموية للكيانات الوطنية التي تشكلت من انهيار السلطنة العثمانية فقط، وإنما يتخطاه إلى تقويض كل أشكال الاجتماع والحضارة، والإيمان ذاته، في بلادنا. (...) وما كان لمناطق متسعة من العراق وسوريا أن تشكل مجال انتشار لنظام العبودية هذا لولا أن البلدين تعرضا لتجريف اجتماعي وثقافي مديد، وخلق نظاماهما البعثيان، ثم نظام ما بعد إطاحة صدّام حسين في العراق في 2003، فراغاً سياسياً وقيمياً حوّلهما على أسوأ ما يكون التحويل، ثم مارسا أشكالًا فاجرة من التمييز والعدوان على محكوميهما. (...) وأكثر مما هو انتكاسة كبيرة معادية للحضارة، فإن ما نواجهه اليوم استمرار للعدوان على عموم السكان في بلداننا وحرمانهم الحرية والعدالة. فمن يبسطون نفوذهم الآن على مناطق تمتد من الأنبار إلى ريف حلب، مرورا بالموصل وبادية الشام، ويهددون باجتياح المزيد من المناطق لرفع رايتهم السوداء، هم تجديد لشباب أنظمة الطغيان، ومشاركة لها في سحق قوى النهوض والتجدد والحرية في مجتمعاتنا. (...) هذا اللعب الخطر بالدين وتوظيفه في مشروع إقامة سلطة استعباد لا أفق لغير العدم والظلام فيها، حيث لا اقتصاد ولا تعليم ولا ثقافة ولا فن ولا اجتماع ولا بهجة للعيش ولا كرامة للإنسان، ولا احترام بين الناس، ناهيك عن انعدام الحريات العامة والفردية، إنّما هو تهديد جدي لكل ما حاول بعض العرب المستنيرين تشييده في القرن ونصف القرن الماضيين في مسعاهم للنهوض والتحرر والمشاركة في صنع عالم اليوم. (أبوظبي-الاتحاد)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©