الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مأزق المكسيك: عدم المنافسة وغياب القانون

19 يونيو 2011 20:30
تتصدر المكسيك القائمة الطويلة لبعض الأرقام القياسية التي تتراوح بين أطول شجرة أعياد الميلاد إلى أكبر طبق محلي، بل قد تشمل هذه القائمة أيضاً أموراً أخرى كأطول قبلة وغيرها مما يدل على إصرار مكسيكي مستميت على تسجيل اسم البلاد في كتاب "جينيس" للأرقام القياسية. ولكن هذا الهوس بالأرقام القياسية حتى في الأمور التافهة يكشف نقيصة تطغى على الشخصية المكسيكية وتعيق تقدمها، فالمكسيكيون عموماً يتهربون من المنافسة، ولذا يأتي هذا الحرص على دخول كتاب "جينيس" للأرقام القياسية كتعويض عن التباري لما يمثله من طريق سهل للفوز لا يستدعي الدخول في منافسة بين طرفين متقابلين يكون على أحدهما التغلب على الآخر. ففي الأرقام القياسية التي يسجلها كتاب "جينيس" لا أحد يخسر لأن المتنافس لا يسابق إلا نفسه، وبالتالي تنتفي أصول المنافسة الحقيقية! والأسوأ من ذلك أن تلك الصفة التي أزعم أنها تسم المكسيكيين تظهر في أمور أكثر خطورة من مجرد الرغبة في تحقيق الأرقام القياسية، وللتدليل على مشكلة غياب المنافسة في الثقافة المكسيكية بصفة عامة لننظر إلى ما حدث خلال الشهر الماضي في ولاية "ميتشوكان" التي تعتبر إحدى أجمل مناطق البلاد وأكثرها توثيقاً لتاريخها، فبدعوى التصدي لارتفاع معدلات الجريمة التي تتسبب فيها عصابات تهريب المخدرات والحرب التي شنها الرئيس فيليبي كالديرون على عناصرها طرح القادة السياسيون في الولاية فكرة اعتبروها مبتكرة وقادرة على حل مشكلة العنف التي تؤرق المجتمع، فبدلاً من فتح المجال أمام منافسة حقيقية في الانتخابات يتسابق فيها مرشحو الأحزاب السياسية الثلاثة الرئيسية على كسب أصوات الناخبين للظفر بمنصب حاكم الولاية اقترح هؤلاء توافقاً بين الأحزاب يتم فيه التقدم بمرشح واحد للشعب تفاديّاً للاستقطاب السياسي ومنعاً لتدخل عصابات المخدرات في العملية السياسية ومن ثم قطع الطريق على محاولات الإفساد والرشى. ولحسن الحظ تم التخلي سريعاً عن تلك الفكرة، فكما جادل العديد من المعارضين لم يناضل الشعب المكسيكي على مدى تاريخه الطويل لتوطيد المؤسسات الحرة والنزيهة بعد عقود من سيطرة الحزب "المؤسسي الثوري" ليتم الرجوع في نهاية المطاف إلى حكم الحزب الواحد في انتخابات عام 2011 والتضحية بالمكتسبات الديمقراطية المحققة لا لشيء سوى لأن مستويات الجريمة والعنف مرتفعة في الولاية المذكورة! والحقيقة أن هذه الحادثة تكشف معطى مزعجاً عن المكسيكيين الذين أبدوا استعدادهم لاختيار الطريق السهل التي تجنبهم الصراع حتى لو كان ذلك يعني مهادنة القوى التي تتعين مواجهتها. ولنأخذ على سبيل المثال استطلاع رأي أُنجز أواخر مايو الماضي وأظهر أن نصف المكسيكيين يؤيدون عقد الرئيس كالديرون لصفقة مع عصابات المخدرات بدل الاستمرار في محاربتها. وعلى رغم التحفظات التي يمكن للبعض أن يبديها إزاء الطريقة التي تشن بها تلك الحرب من قبل الحكومة، إلا أن الأمر يثير الاستغراب عندما يتم اقتراح التحالف بين الحكومة والمجرمين، وهو ما يقودنا إلى صفة أخرى راسخة لدى المكسيكيين متمثلة في احتقارهم الكبير للقانون وعدم احترامهم لمقتضياته. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "باناميكس أند فونداشيون" أن 49 في المئة من المستجوبين لا يعتقدون أن الشعب المكسيكي يحترم القانون فيما لم يعبر عن العكس سوى 6 في المئة لتبدو الخلاصة أن احترام القانون لا وجود له في المكسيك. ولكن بالنظر إلى تاريخ البلاد قد تبدو هذه الصفات مفهومة، فقد خاضت المكسيك في الماضي العديد من الحروب والصراعات التي انتهت بهزيمتها. كما أن القانون كان في الماضي مجالاً للتفاوض وليس ميداناً للاحترام والانصياع لمقتضياته، هذا فضلاً عن العلاقة بين المكونات العرقية المختلفة التي ظلت منعزلة عن بعضها بعضاً. بيد أن آلام الماضي توقفت اليوم ولم يعد من مبرر لاستمرار الصفات نفسها التي تكرس واقعاً لم يعد موجوداً. فالمكسيك اليوم فيها طبقة وسطى تمثل 60 في المئة من السكان، ولديها ديمقراطية تمثيلية حية، كما تستفيد من مكاسب الاقتصاد المفتوح، بالإضافة إلى أنها اليوم من أكثر الدول تفاعلاً مع العولمة دون أن ننسى علاقتها مع العالم الخارجي سواء في إطار الهجرة الكثيفة لسكانها إلى الخارج، أو اعتماد اقتصادها على التجارة الخارجية مع باقي البلدان، وهو ما يجعل من المكسيك قصة نجاح حقيقية على رغم الصعوبات التي لاقتها في مسيرتها الطويلة. لاستكمال هذه القصة وضمان استمرارها لابد للمكسيك من التخلي عن الصفات الثقافية التي تعوق تقدمها، فدخول القرن الحادي والعشرين يفترض تأسيس ثقافة المنافسة وتكريس احترام القانون. ولكن هل يمكن لبلد تغيير بنيته الثقافية والنفسية والروحية في غضون جيل واحد؟ الحقيقة أنه يمكن العثور على الأمل في المهاجرين المكسيكيين إلى الولايات المتحدة وقدرتهم الكبيرة على الاندماج وتغيير عاداتهم، بحيث يدخر الرجال على نحو أكبر، وتحقق النساء استقلالهن، ليتحول جيل كامل من المهاجرين إلى نموذج يحظى بالاحترام في أرض الوطن. وهو ما يفتح الباب أمام باقي المواطنين في الداخل لإمكانية التغيير والتخلص من العادات السيئة في مقابل تبني أخرى أكثر انسجاماً مع روح العصر. خورخي كاستنيدا وزير خارجية المكسيك السابق ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©