السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإفراط في تناول الأدوية «غير الموصوفة» يسبب التسمم الدوائي

الإفراط في تناول الأدوية «غير الموصوفة» يسبب التسمم الدوائي
18 يونيو 2013 02:43
صداع الرأس، آلام في المفاصل، رقبة متصلبة بعد قضاء يوم طويل خلف شاشة الحاسوب. هذه الأوجاع ومثيلاتها هي التي تقود أصحابها إلى الصيدليات طلباً لمسكنات ألم ومهدئات وغيرها من الأدوية غير الموصوفة كالتيلينول والآيبوبروفين وغيرهما. يعتقد بعض الناس أنهم ما داموا غير مصابين بأية حساسية تُجاه هذه المسكنات والمهدئات، وطالما لا يُسبب لهم تناولها أي مشاكل في المعدة أو عملية الهضم، فإنها مناسبة لهم ولا حرج في مواصلة تعاطيها متى شاؤوا. غير أن الحقائق العلمية تفند هذا الاعتقاد. في بدايات القرن الماضي، لم يكن أحد يلجأ لمثل هذه الأدوية إلا اضطراراً أو بعد استحالة تحمل الوجع والألم، أما اليوم، فإن الغالبية الساحقة من الناس يفكرون في المسكنات كخيار أول، فهم لا يريدون أن يعكر صفوهم أي شعور سيئ مهما كان طفيفاً، حتى لو كان ذلك على حساب صحتهم البدنية على المديين المتوسط والطويل. على الرغم من كون الألم إشارة من الجسد بوجود مشكلة ما في عضو ما، فإن تهدئة هذا الألم لا يعني علاج هذه المشكلة، بل إن اللجوء إلى تهدئتها وتسكينها كل مرة قد يؤدي إلى تفاقمها. ولذلك فإن الأصل في الطب بشقيه الوقائي والعلاجي هو معرفة سبب الشعور بالألم ومعالجة هذا السبب، وليس نتيجته-الألم. لكن واقع حال الناس في الوقت الراهن بعيد عن الوضع المنشود. فإذا أخذنا المجتمع الأميركي على سبيل المثال، نجد أن الكثير من الأميركيين تعودوا على استخدام الأدوية غير الموصوفة، واستساغوا تناولها لدرجة أنهم ما عادوا يكترثون بالأعراض الجانبية للإفراط في استخدامها وطول فترة تعاطيها. ولذلك لم تكن مفاجئة تلك الإحصاءات التي تحدثت عن تسبب زيادة جرعات الأسيتامينوفين الذي يعد المكون الأساسي للتيلينول في نحو نصف حالات الفشل الكبدي الحاد في الولايات المتحدة، والتي يقدر عددها سنوياً بألفي حالة، ناهيك عن عشرات الآلاف من الأميركيين الذين يهرعون إلى غرف الطوارئ بالمستشفيات والعيادات بعد سوء استخدام الأدوية المسكنة وغير الموصوفة، أو تناولها بجرعات عالية. تسمم دوائي هناك أدلة متزايدة تُشير بأصابع الاتهام إلى أسيتامينوفين باعتباره مسؤولاً عن عدد كبير من حالات التسمم الدوائي. وقد سبق لدراسة نُشرت السنة الماضية في دورية السلامة الدوائية أن حللت بيانات جُمعت من نظام بيانات التسمم الوطني، فوجدت أن حالات التسمم العرضية الناجمة عن تناول جرعات زائدة من الأسيتامينوفين زادت بنسبة 40% ما بين سنة 2000 و2007. وكان الباحثون الذين أجروا الدراسة قد وثقوا 126 ألف حالة تسمم من هذا النوع خلال فترة الدراسة. كما سجلوا أن الحالات التي استدعت تدخلاً علاجياً زادت بنسبة 70%، في حين أن الحالات التي نتج عنها إصابات في الكبد زادت بنسبة كبيرة بلغت 134%. ولعل كشف هذه الحقائق يدعونا إلى التساؤل حول كمية الأسيتامينوفين القصوى التي لا ينبغي لأي شخص راشد تجاوزها عند اضطراره لتناول مهدئ أو مسكن. بين الأمس واليوم ظل تناول 4000 ميليجرام من الأسيتامينوفين مقبولاً في السابق كحد يومي، واعتُبر آمناً لفترة طويلة. غير أن الشركة الصانعة لعقار تيلينول، ماكنيل لرعاية صحة المستهلك، غيرت توصيتها بشأن الجرعة اليومية القصوى وخفضتها إلى 3000 ميليجرام، وهي الكمية القصوى التي يمكن أن تعادل ستة أقراص من نوع القوة الإضافية. هذا علماً أن بعض الأشكال العامة من أسيتامينوفين تشير أحياناً إلى وجود الكمية القصوى المحددة في ثمانية أقراص. وقد يبدو الأمر ظاهرياً بسيطاً بما فيه الكفاية. ولكن الناس عادة ما يخلطون بين أنواع مختلفة من الأدوية غير الموصوفة، ما قد يؤدي إلى امتصاص أجسامهم لكميات أكبر من الأسيتامينوفين دون أن يُدركوا ذلك. فهذا الأخير يوجد ضمن مكونات أكثر من 600 منتج دوائي، بما فيها مسكنات الألم، والمهدئات المساعدة على النوم، وأدوية نزلات البرد والزكام والحساسية. ما يجعل أخذ جرعات مضاعفة منه أمراً قابلاً للتحقق بسهولة عند تناول مجموعة من الأدوية في اليوم الواحد. سوء الاستخدام يقول خبير الوعي الصحي بكلية فاينبيرج بجامعة شيكاجو مايكل وولف، «لا تزال الأدلة تفيد بكون سوء الاستخدام عن غير قصد هو المشكلة الحقيقية. وهي مشكلة مرتبطة بجرعة قوية زائدة من النوع الذي يؤدي إلى حالات حرجة، من قبيل فشل الكبد». وفي دراسة نشرت في دورية الطب الباطني العام العام الماضي، قام وولف وآخرون بعرض تشكيلة من مسكنات الألم المندرجة ضمن الأدوية غير الموصوفة على 500 راشد، وطلبوا منهم محاولة تقدير الجرعة اليومية القصوى منها. كما سألوهم جميعهم عما إذا كان تناول دواء ثان إلى جانب الدواء الأول يُعتبر آمناً أم لا. فكانت النتيجة هي تجاوز 24% من المشاركين للجرعة القصوى، إما عن طريق اعتبار تناول أقراص متعددة في كل جرعة أمراً لا بأس به، أو بتناول الجرعات في أوقات متقاربة جداً. كما تعدى نحو 45% من المشاركين الحد الأقصى من الجرعات عبر اعتقادهم أنه لا ضرر في تناول أكثر من منتج دوائي واحد في اليوم، وذلك باختيار أكثر من دواء واحد يحتوي على الأسيتامينوفين. ويقول وولف إن ميل الناس إلى اعتبار أن الأدوية غير الموصوفة آمنة الاستخدام هو جزء لا يتجزأ من المشكلة. فهذا الأمر يبقى صحيحاً ما دامت هذه الأدوية تُؤخذ حسب الأصول وبالجرعات المحددة. غير أن معظم الناس يميلون عند الشعور بالألم إلى عدم الالتزام بتعليمات استخدام الدواء، فتجدهم يتساهلون في إضافة جرعة، أو تقصير المدة المفروضة الفاصلة بين كل جرعة وأخرى اعتقاداً منهم أن ذلك يساعدهم على تسريع التخلص من الألم، في حين أن ذلك قد يأتي بنتائج عكسية تصل إلى التسمم، أو ما هو أخطر منه. ويقول عالم الوبائيات من كلية الصحة بجامعة بوسطن ديفيد كاوفمان وأحد معدي دراسة واسعة عن الأسيتامينوفين في العام الماضي «إن المشكلات الصحية وعلى رأسها الآلام المزمنة تُعد على رأس الدوافع التي تقود الناس إلى تناول جرعات زائدة». وكانت هذه الدراسة قد وجدت أن تناول الجرعات المفرطة تنتشر أكثر لدى الأشخاص المصابين بأمراض تجعلهم يشعرون بآلام مزمنة متواصلة، أو المصابين بعاهات مستديمة. مسؤولية الصيادلة يعتقد وولف أن على الأطباء والصيدلانيين أن يحاولوا زيادة نشر الوعي حول الجرعات الزائدة والمفرطة، ويجعلوا الناس أكثر وعياً بمكونات الأدوية غير الموصوفة خصوصاً، والتنبيه إلى آثار التفاعلات الدوائية على زيادة الجرعة في غفلة من المريض. ويضيف «للأسف، لاصقات مكونات الدواء التي تركز عليها حملات التسويق والترويج تركز على الفوائد العلاجية التي يقدمها الدواء غير الموصوف، وتهمل الحديث عن مكوناته». وعلى الأطباء أن يعلموا أي نوع من الأدوية غير الموصوفة يستخدم مرضاهم ومراجعوهم قبل توصيف أي دواء. كما عليهم أن ينصحوهم بشأن أفضل الخيارات. وعلى الصيدلانيين بدورهم أن يتخلوا عن هاجسهم الربحي ويعطوا الأولوية لصحة المريض وسلامته، وذلك عبر رفض بيعه ما قد يضر بسلامته، وأن يشرحوا له الآثار المحتملة لأي تفاعلات دوائية قد تنتج عن تناوله حزمة أدوية في وقت واحد، وألا يترددوا في التواصل مع الجهات الصحية المعنية في حال صادفوا وصفات دوائية خاطئة، أو من النوع الذي يندرج ضمن الممارسات الطبية الخاطئة أو غير السليمة. ويقول الصيدلاني ديف توث من نورثويست واشنطن إن عملاءه يسألونه أحياناً حول الأدوية غير الموصوفة. ويضيف «إن أكثر دواء يسألون عنه هو التيلينول، فكل واحد يعتقد أنه يعرفه جيداً». هشام أحناش عن «واشنطن بوست» قراءة تعليمات الاستخدام والجرعات بعناية تبقى النصيحة الأفضل التي يمكن إسداؤها لمراجعي الصيدليات هي «اقرأ لاصق المحتويات لكل دواء غير موصوف حتى تتعرف تماماً إلى كل مكونات ما سيدخل جوفك». واقرأ أيضاً وبعناية المعلومات الخاصة بالجرعة الدنيا والقصوى، واحرص على إيلاء الاهتمام الكافي بالعدد الأقصى من الحبوب أو الأقراص المنصوص على عدم تجاوزها كل 24 ساعة. وينصح الأطباء كذلك بأن يعمل كل مريض على تسجيل تاريخ بدئه بتناول أي دواء وتوثيق ساعة تناوله، وذلك حتى لا يستعجل خطأً أو سهواً تناول الجرعة التالية. وإذا استمر الألم بعد استنفاد عبوة الدواء، لا تواصل تناوله بشراء عبوة أخرى، بل يتوجه مباشرة إلى الطبيب، لأن لهذه الأدوية غير الموصوفة والمهدئات والمسكنات وظيفة مؤقتة وظرفية، واستعمالها يصبح لاغياً بمجرد معرفة سبب الألم وعلاجه. ومن المهم دوماً قراءة تعليمات الاستخدام والجرعات بعناية، سواء كان مستخدمها شخصاً راشداً أو طفلاً. مع الحرص طبعاً على عدم إعطاء الطفل الجرعات نفسها التي يتناولها الراشد، ناهيك عن تطبيق الوصية الشهيرة القديمة الجديدة بجعل الدواء بعيداً عن متناول الأطفال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©