الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المكسيك: أفضل الخيارات في حرب «العصابات»

14 سبتمبر 2010 07:32
جون أكرمان أستاذ في جامعة «ناشيونال أوتونوماسف» المكسيكية ارتكبت هيلاري كلينتون خطأً جسيماً الأربعاء الماضي عندما تحدثت عن "كارتيلات" المخدرات المكسيكية باعتبارها "حركات تمرد"، واقترحت إعادة إحياء "خطة كولومبيا" التي كان زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون قد تبناها لمعالجة هذا الموضوع إبان فترة حكمه. وبموجب تلك الخطة أقيمت قواعد عسكرية للولايات المتحدة في كولومبيا، وضُخَّتْ مليارات الدولارات لمساعدة هذه الدولة على محاربة التمرد اليساري الذي يلجأ إلى تهريب المخدرات لتمويل نشاطه. بيد أن آخر شيء تحتاج إليه الولايات المتحدة في الوقت الراهن هو التورط في مستنقع جديد إلى الجنوب مباشرة من حدودها. فالمكسيك تختلف عن كولومبيا من حيث إن الأخيرة كانت تتصدى لمنظمة متمردة عاقدة النية على الاستيلاء على الحكم، كما أن مهربي المخدرات المكسيكيين -على عكس نظرائهم الكولومبيين- في الأساس مهتمون في المقام الأول بزيادة أرباحهم، ويفضلون استخدام "الفضة" أو الرشاوى على "الرصاص" أو الطلقات النارية، وهو السبب في أن المسؤولين الحكوميين يشكلون نسبة صغيرة من المقتولين 3000 تقريباً من إجمالي 28 ألفاً، وفقاً للأرقام الرسمية. وعلاوة على ذلك، فإن نشر قوات مقاتلة أميركية على التراب الوطني المكسيكي يمكن أن ينظر إليه على أنه غزو أجنبي، وخصوصاً أن هناك حساسية تاريخية لدى المكسيكيين من الغزو الأميركي لبلادهم الذي تكرر عدة مرات -وهو ما لا ينطبق على الكولومبيين. ومن المؤكد أن هذه الحساسية ستزداد في العام الحالي الذي يحتفل فيه المكسيكيون بالذكرى المئوية الثانية لاستقلالهم عن إسبانيا. ويضاف إلى ذلك أن التجربة الأميركية في كولومبيا كانت إشكالية إلى حد كبير: فعلى رغم أن القواعد العسكرية قد ساعدت على تقليص العنف في ذلك الوقت، إلا أن الكوكايين الكولومبي لازال يتدفق بحرية إلى الأسواق الأميركية، كما أن الدعم العسكري الأميركي لكولومبيا كان سبباً في حدوث ارتفاع هائل في حالات انتهاك حقوق الإنسان، وحالات اختفاء المواطنين، وهو ما أثر بشكل كبير على النسيج الاجتماعي هناك، كما أن جزءاً كبيراً من المساعدات تسرب إلى جماعات شبه عسكرية، وساعد الوجود العسكري الأميركي القوات الكولومبية على التصرف بقسوة ضد مواطنيها دون أن تخشى المساءلة. ومع هذا فإن إدارة أوباما على صواب عندما تفكر في تعزيز المساعدات المالية للمكسيك، كما أن وزيرة الخارجية أيضاً كانت على صواب عندما حثت على تعزيز "الإرادة السياسية" جنوب الحدود (أي في المكسيك). كما مثل القرار الذي اتخذته الإدارة الأميركية الأسبوع الماضي بتخصيص 26 مليون دولار من أموال المساعدات لجماعات حقوق الإنسان في المكسيك نفحة جديدة من الأمل لتلك الجماعات. وفي السياق نفسه قوبلت التصريحات الأخيرة من قبل كبار المسؤولين الحكوميين في المكسيك عن الفساد في بلادهم بترحيب باعتبارها تمثل قطيعة مع الماضي. وزيادة على هذا فإن المساعدات العسكرية للمكسيك ليست حلًا كافيّاً في رأي "آلونزو آر بينا" نائب مدير الهجرة والجمارك في الولايات المتحدة، الذي قال في حديث له هذا الأسبوع لـ "لوس أنجلوس تايمز": "ما المعنى من إعطاء الحكومة المكسيكية 12 طائرة عمودية «بلاك هوك» لمحاربة كرتيلات المخدرات، إذا كان المسؤولون الحكوميون الفاسدون يقومون بتنبيه تلك العصابات قبل أن تقوم الطائرات بهجماتها... إن المكسيك في رأيي بحاجة إلى مواجهة مشكلة الفساد مواجهة مباشرة وفي الصميم". والراهن أن هناك بعض الأدلة على حدوث تقدم على هذه الجبهة من بينها أن الحكومة المكسيكية أعلنت أنها قد قامت بالفعل بفصل 10 في المئة من رجال الشرطة الفيدراليين، الذين لم يجتازوا اختبار الثقة الذي يتضمن استخدام جهاز كشف الكذب واختبارات المخدرات، كما أن هناك 5 في المئة قيد التحقيق معهم في الوقت الراهن وقد يلحقون بسابقيهم. بيد أنه سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن ذلك كافٍ في حد ذاته: فالحقيقة هي أن المكسيك في حاجة إلى حل مؤسسي يتمثل في إنشاء مفوضية جديدة، مستقلة تماماً، وتتوافر لها إمكانيات مادية جيدة لمكافحة الفساد، وتتبنى استراتيجية تقوم على العمل بشكل وثيق مع المجتمع المدني بشأن مراقبة، والإشراف على، والتحقيق في، أية تجاوزات وانتهاكات من قبل الموظفين الحكوميين. ومن ضمن الخطوات الاستراتيجية المهمة التي يتعين اتخاذها توفير مخصصات مالية كافية، ودعم الصحافة الاستقصائية المستقلة. ولكن مما يؤسف له أن إنشاء منظمات، ومفوضيات لمقاومة الفساد، وتوفير الدعم للصحفيين، لم يشكل -للأسف- جزءاً من بؤرة اهتمام البرامج الاجتماعية المقترحة، علاوة على أن المحادثات التي تجري مع الولايات المتحدة تركزت -بتأثير من حكومة "كالديرون"، على مبادرات أكثر ليناً مثل التوعية بأضرار المخدرات، وتجديد المناطق الحضرية، وزيادة المنح الدراسية، وبرامج تطوير المجتمعات المحلية. وعلى رغم أن هذه الإجراءات جيدة في حد ذاتها، إلا أن أيّاً منها لا يعالج جذور الفشل الحالي في كبح جماح كارتيلات المخدرات في المكسيك. لقد حان الوقت لعبور المنحنى الحرج في سياسة الولايات المتحدة تجاه المكسيك. فبدلا من إرسال المزيد من الأموال، والمزيد من طائرات الهليكوبتر، وإقامة القواعد العسكرية، يمكن لواشنطن أن تقوم بتحقيق مساهمة ذات شأن في تحقيق الاستقرار في أميركا اللاتينية، من خلال تقديم المساعدات التي تمكن دول القارة من التصدي بقوة للفساد، ودعم حرية التعبير. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي.تي إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©