الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا وحدود القوة «الناعمة»

16 يونيو 2013 23:55
بن باربير محرر رئيس سابق في وكالة المساعدات الأجنبية الأميركية لقد قدم أوباما مؤخراً اقتراحاً لتقليص الوجود العسكري للولايات المتحدة في العالم والتعامل بنية حسنة مع الجيران على هذا الكوكب. واقترح في خطاب ألقاه خلال الآونة الأخيرة أن تعتمد الولايات المتحدة على الدبلوماسية والمساعدة الخارجية أكثر من اعتمادها على عملياتها الخاصة، لكن انتهى المطاف بأوباما باقتراح سياسة خارجية لعالم لا وجود له. لا شك بأن سياستنا الودية كانت ناجحة بامتياز في بضع دول مجاورة استفادت من الدعم الأميركي لرفع المستوى الثقافي والصحي والأمني وتعزيز النمو الاقتصادي. ومن هذه الدول:كوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند وكوستاريكا وتشيلي وغانا وبولندا وجمهورية التشيك وغيرها. ولقد استفادت هذه الدول من المعونات الأميركية للقضاء على الفقر وتحسين ما يسميه الخبراء المتخصصون في شؤون المساعدات الخارجية «الحوكمة الطيّبة» good governance. ولكن ماذا عن الدول التي ما زالت في أسفل الكومة، والتي تعيش تحت وطأة الفقر المدقع والجفاف والمجاعة وحركات التمرد والعنف المجتمعي والإرهاب والعزلة والفساد والإدارة السيئة للبلاد مثل بنجلاديش وغينيا والنيجر وسيريلانكا ومدغشقر وهندوراس، والتي تلقت مساعدات تجاوزت مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية، ولا تزال شعوبها تعاني من الفقر والمرض والجوع وغياب دور المحاكم العادلة والأجهزة الأمنية والشرطية. وأقول لأوباما: أنت تستطيع أحياناً أن تعلم الناس كيف يصنعون شراب «الليمونادة» من الليمون. إلا أن ذلك لا ينفع أبداً حين تكون معرضاً للنهب والتفخيخ بالقنابل الموقوتة والقنص. وحتى عندما تحاول الفرار لتنجو بنفسك فإن بساتين الليمون ستدمرها شظايا الألغام. كما أن أية أرباح تجنيها ستجذب قطّاع الطرق والسفاحين المحليين المتنكرين بلباس رجال الأمن والشرطة. وأنا لا أنفك أستعيد بذاكرتي تلك الرحلة التي قمت بها إلى عدة دول أفريقية لتدريب مجموعة من الصحفيين تحت رعاية البرنامج التدريبي للوكالة الأميركية للمعلومات، حيث أخبرني المراسلون المحليون بأنهم عندما يقدمون تقارير استقصائية أو يقومون بتغطية متوازنة لعالم الأعمال أو نشاطات المعارضين أو الحكومة، فإنهم يتلقون تهديدات بفقدان وظائفهم وتهديدهم جسدياً ويمكن أن يتعرضوا لما هو أسوأ من ذلك. وفي طريق عودتي إلى الوطن توقفت طائرتي في لندن فانتهزت الفرصة واقتنصت من وقتي يوماً لزيارة المتحف البريطاني حيث قرأت من معروضاته الترجمة الإنجليزية «للميثاق العظيم» Magna Carta عن اللاتينية بحروف مائلة. وهذه بضع جمل من تلك الوثيقة قفزت خارج الصفحة: - لن يأخذ أي شرطي أو مسؤول أمني أو حاجب أية حبة قمح أو أية مؤونة من أحد دون أن يسدد ثمنها فوراً إلا إذا كانت هناك موافقة من البائع على تأجيل الدفع. سنوظّف ممثلي العدالة والأمن والشرطة على أساس أن يكونوا ممن يعرفون قوانين المملكة ويسهرون على تطبيقها والحفاظ عليها. ولكن معظم أنحاء العالم الآن تعيش حالة «ما قبل الميثاق العظيم»، من الصين إلى كوريا الشمالية وأريتريا والسودان وصولاً إلى غينيا، حيث لا تساوي حقوق الفرد أكثر من حفنة فاصولياء. إن وعد الديموقراطية الذي قطعه كل من أوباما وبوش والعديد من رؤساء الولايات المتحدة السابقين على أنفسهم لإنصاف المظلومين في العالم يبقى حلماً مجرداً من أية قوة حقيقية للتدخل لحماية المستضعفين في الأرض. ولقد ارتكب الألمان المجازر بحق اليهود دون تدخل أميركا العسكري، وقتل الروس المجريين، كما قتل أتباع قبيلة الهوتو منافسيهم من قبيلة التوتسي في جنوب أفريقيا، وقتل الصرب البوسنيين. ويدرك أوباما أن بلاده قد أرهقتها تقارير القتل المتواصلة في أفغانستان، والتقارير الأسبوعية المتعلقة بمعاناة آلاف الجرحى من المحاربين القدماء في العراق، هذا عدا عن إمطار أميركا بالنقد اللاذع جراء تدخلها التقليدي لقتال الإرهابيين، الذي يتسبب بقتل المدنيين نتيجة الإهمال أو الخطأ. وهناك بعض الأسئلة التي يطرحها ميل أوباما للدبلوماسية وبرامج المساعدة: كيف نتصرف إذا شنت كوريا الشمالية هجمة نووية؟ هل سنقوم بهجمة نووية مماثلة ضد مدنها؟ أم نقدم لها المساعدات والدبلوماسية بدلاً من ذلك؟ ما نوع التدخل السلمي الذي يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة إذا دخل سنة وشيعة العراق في أتون مذابح طائفية واسعة النطاق مدمرين كل ذرة ديمقراطية ومحطمين الأسس التي تقوم عليها التجارة ويسود بموجبها القانون الذي خلفه الأميركيون وراءهم بعد خروجهم من العراق؟ إذا اخترقت الصين شبكاتنا الصناعية والعسكرية وأبقت على سياسة سجن نبلائها الحائزين على جوائز نوبل وصحفييها ونخبها الدينية والذكية، وكيف يمكن للدبلوماسية وبرامج المساعدة أن تحل المشكلة؟ وماذا لو ترجمت الصين مطالبتها بمناطق نفوذ في بحر الصين الجنوبي إلى صدامات عسكرية مع الفلبين أو حتى مع اليابان، فهل ستجعل الدبلوماسية وبرامج المساعدة الصين تتوقف عن مطالبها؟ عندما يحبط مؤيدو أميركا من قادة بعض الدول مفهوم الديمقراطية كأوغندا ورواندا وكينيا وإثيوبيا وفيتنام عن طريق انتخابات مزورة أو سجن معارضيهم، هل سنفرض عليهم عقوبات حقيقية؟ ألن تؤدي هذه العقوبات إلى مزيد من الفقر والعجز؟ هذه القضايا المقلقة لا تعني أن سياسات أوباما الناعمة الرامية إلى تأمين الصمود الغذائي والمساعدات الأخرى بوحي من ممارسات دبلوماسية خاطئة، بل يمكن أن تقدم الولايات المتحدة مساعدات قيمة في بعض أماكن الصراع الأساسية بكلفة أقل بكثير من تكلفة إرسال قواتنا وحاملات طائراتنا. ويجب علينا أن نتقبل الحقيقة التي تفيد بأن هناك حدوداً للقوة الناعمة، كما أن هناك حدوداً للقوة الضاربة. قراءة التاريخ العسكري القديم والوثائق القديمة الأخرى تدفع المرء للاعتقاد بأنه لا يوجد شيء جديد تحت الشمس. ينشر بترتيب مع خدمة «إم.سي. تي. انترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©