الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ملحنو الكمبيوتر يدمّرون الموسيقى العربية

14 فبراير 2009 01:42
شهدت ندوة ''تأثير الكمبيوتر على الفنون الموسيقية'' في القاهرة هجوماً واسعاً على مُغنّي ومُلحّني الجيل الحالي، وذلك بسبب استغلالهم لتكنولوجيا الكمبيوتر ليحدثوا خراباً غير متعمد في الموسيقى الشرقية، فضلاً عن تأثير ودور الكمبيوتر في تقديم عدد كبير من الموسيقيين الذين يستسهلون تقديم أعمال تجارية تافهة غزت سوق الموسيقى في العالم العربي من دون أن يكون لدى هؤلاء إبداع أو مواهب حقيقية· وقال د· محمد الشيخ، الأستاذ في أكاديمية الفنون المصرية، إن الموسيقيين طوال عمرهم كانوا يستخدمون الآلات الحية، مثل التخت الشرقي والأوركسترا، وكانت طريقة تسجيل الألحان داخل الاستوديو تتمّ عبر شريط ربع بوصة، لكنّ هذا توقف مع بداية الثمانينيات من القرن العشرين عندما دخل الكمبيوتر إلى عالم الموسيقى الشرقية كعنصر من عناصر التطور، وبدأ التسجيل يتمّ بطريقة تعتمد على آلة تسمى ''الأسكونسر'' وهي آلة صغيرة توضع على ''تراك'' التسجيل وتحل محل الآلات الموسيقية الحية· وأضاف أن هذه الطريقة الجديدة أدّت الى ظهور جيل كامل من الملحنين والموسيقيين يهتمون بالمهارات التي يُقدّمها الكمبيوتر على حساب الآلات الموسيقية، وبدأت عملية النقل بالمسطرة من التراث الغربي والأغاني الاجنبية وسرقتها والاقتباس منها؛ ما أدّى إلى خراب الموسيقى العربية، بل إن الأخطر تمثل في دخول عشرات الوجوه الموسيقية الجديدة التي لها علاقة بالهوية الموسيقية العربية؛ فقدّم لنا هذا الجيل- الذي يعتمد على الكمبيوتر بشكل أساسي في أعماله- نوعاً من الموسيقى التجارية التي انتشرت في السينما والمسرح والأغاني· وأوضح د·محمد الشيخ أن كل ما أسهم فيه الكمبيوتر بالنسبة للمنطقة العربية أنه قدّم تسهيلات هائلة تمّ استغلالها بشكل خاطئ وأدّت الى شيوع موسيقى بلا هوية، وبدلاً من استغلال إمكانات الكمبيوتر على مستوى جودة الصوت وتوفير الوقت والجهد وجدنا سرقة فنية واقتباسات علنية أثرت على جيل كامل من المستمعين والمشاهدين وحلّت محل الأعمال العظيمة التي كنا نفتخر بها لعمالقة الغناء والموسيقى- مثل محمد عبدالوهاب ورياض السنباطي- وبعد أن كنا نفتخر بوجود عشرات المطربين والملحنين الموهوبين أصبحنا نتحدث عن عشرين مطرباً وملحناً جيدين فقط في العالم العربي كله، والباقي لا يصلح للغناء أصلاً! وقال منتقداً: إن الكمبيوتر- رغم إفادته للموسيقى بشكل عام- أصبح مثل السكين التي يمكنها أن تقطع رقاب الملحنين، ونحن في حاجة إلى وقت طويل حتى نستعيد جيل العمالقة في الموسيقى العربية خاصة أن هناك أشخاصاً دخلوا عالم الموسيقى بعد شيوع استخدام الكمبيوتر لم يكن لهم عمل من قبل إلا العزف في الملاهي الليلية! أما د· زين نصار، رئيس قسم النقد الموسيقى في الأكاديمية، إن المؤلف الموسيقي يحتاج إلى دراسة صعبة لا تقل عن 15 عاماً يقوم خلالها بمذاكرة العلوم الموسيقية والعزف على الآلات الموسيقية ومعرفة أدوارها، وذلك قبل أن يمارس مهنته، إلا أن ظهور الأجهزة الحديثة وانتشار استخدام الكمبيوتر في الموسيقى أوجد ملحنين ومؤلفين موسيقيين لديهم مهارة فائقة في التعامل مع الكمبيوتر وتكنيك العمل به؛ فيبدو مبهراً لمن يستمع إليه، في حين أن الموسيقى كفن تحتاج إلى العنصر الإنساني المفقود في تعامل الشخص مع الكمبيوتر، لهذا فإن الأعمال الموسيقية التي نراها الآن تتشابه كثيراً لأن مصدر تنفيذها واحد وهو الكمبيوتر· وأضاف أن الكمبيوتر به إمكانات رهيبة من الممكن أن تُقدّم إسهامات مهمة في مجال الموسيقى بشرط توظيفها بشكل صحيح ووجود من يحسن التعامل معها، فالكمبيوتر دقيق في حساباته ولكن المشكلة أن هناك سوء استخدام له في الإبداع؛ فنجد أناساً عديمي الموهبة والصوت يحتلون الساحة الموسيقية الآن إذ إن الكمبيوتر يتعامل مع الصوت النشاز والأصوات القبيحة ويُحوّلها إلى أصوات معقولة،3 لهذا فهو وسيلة رائعة للفنان الموهوب القادر على الابتكار· وأكد د· زين نصار أن الإعلام في كافة صوره أسهم في إفساد الذوق العام حينما ساند أنصاف وأشباه الموهوبين وركّز على أعمالهم ولم يلتفت إلى الفنانين الجادين، في حين أن الإعلام يتمكن من مساندة الفنانين الجادين ولن يقوم بدور في إضعاف المستوى الفني والذوق العام إذا كان في مقدوره أن يخلق رأياً عاماً مستنيراً، ووقتها سيحدث توازن على الساحة الموسيقية والغنائية بين الجيد والرديء وسيتمكن الجمهور من الاختيار والمفاضلة· وقال د· راجح داوود، أستاذ التأليف الموسيقي في معهد ''الكونسرفتوار''، إن الكمبيوتر سلاح ذو حدين؛ بمعنى له وجهٌ مفيد وآخر ضار، ومن منافعه التي لا يمكن إنكارها استخدامه في مجال الموسيقى بشكل موسع؛ بل أتاح للهواة فرصة اقتناء أجهزة كمبيوتر وممارسة هواياتهم في صناعة الألحان أو تقديم الأصوات الموسيقية الجديدة، وهذا أمر مهم على مستوى ممارسة الهواية ومسايرة التطور بغض النظر عن قيمة ما يقدم أو محتواه· وأضاف أن المشكلة الحقيقية التي حدثت بسبب ذيوع استخدام الكمبيوتر في الموسيقى هي أن أكثر من 75 في المئة من الأغاني المقدمة ذات طابع تجاري بحت، وهذه ليست مشكلة الكمبيوتر وإنما مشكلة المبدعين الحقيقيين، وربما المسؤول عن ذلك هم المنتجون الذين حوّلوا الفنون إلى صناعة وتجارة فأشاعوا مناخاً فنياً يُواكب ثقافة تجارية واستهلاكية رائجة· وأكد د· راجح داوود أننا لا يمكن أن نُصادر ما يتمّ تقديمه من أعمال وألحان موسيقية حالياً، ولا يمكن أن نقول إنها سيئة وإن ما كان يقدم في الماضي أفضل مما يُقدّم في الوقت الراهن لأن التاريخ يتحرك وشكل الحياة ونمطها وأذواق الناس تتغير، وبالتالي كان ينبغي أن تتغيّر الموسيقى وشكلها، وهذه ظاهرة جيدة، وحتى ظاهرة الأغنية الشعبية مهمة وصحية وتؤكد التطور وليس المطلوب منعها وإنما العمل على إيجاد مطربين وملحنين جيدين لأن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة! أخيراً، عقب د· أحمد سخسوخ، أستاذ المسرح في الأكاديمية، قائلاً إن أي فن هو تعبير حقيقي عن المجتمع الموجود به، وحتى عام 1967 كان الفن يُعبّر عن الطبقة المتوسطة، وفي السبعينيات تغيرت الأمور ولم يعد الفن يعبر عن هذه الطبقة الواعية بل أصبح يعبر عن الطبقات التي خرجت من قاع المجتمع- وهي طبقات غير مثقفة وغير مستنيرة ولا تقود المجتمع- لكنه الفن عبّر عن ذوقها الفن؛ وهو ما يتّضح في الإسفاف والعري والسفالة التي تملأ الفضائيات الغنائية الآن
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©