الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

لون الأغنية بين درويش وعهد التميمي

لون الأغنية بين درويش وعهد التميمي
12 أغسطس 2018 21:53

الوطن ودٌّ وورد وطين، نونُ النشأة والتكوين، ونبضٌ متوارث مثل ألوان السماء الشفيفة وهي تتعانق مع الماء، وتتحول نصوصاً شعرية وقصصية وفنية وتشكيلية وموسيقية متجذرة في التربة، وفرعها غيوم ممطرة بالمحبة والأحلام والقادم.
ولوهلة متأملة، نستطيع الإصغاء للغات السماء بحواسنا وحدوسنا، فنعبر من بوابات البصيرة إلى عالم يظل يشفّ ويتكاثف، ويتعاكس من مرايانا الداخلية، وقلوبنا، وملامحنا، وعيوننا، وسلوكاتنا، ولأن العيون نوافذ الالتقاء بين الأنا والآخر، فإن العلوم أولتها أهمية خاصة، كونها تحكي عن النفس الإنسانية بلغة فصيحة وإشارية، تكشف الأعماق، وتظل بصمة مميزة فيزيولوجياً وروحياً، ولأنها تحتمل أكثر من هذه التأويلات، فما رأيكم أن نستقرئ لون أغنية محمود درويش الذي مرت ذكرى وفاته السنوية، مع لهجة عينيّ عهد التميمي؟
نلاحظ أن الوطن بلونه البحري يتماوج بتدرجات الأزرق وإيقاعاته وأناشيده الأبدية، ومنها قصيدة (أحمد الزعتر)، التي تجمع بفنية شعرية تشكيلية وتصويرية دلالات متشابكة من الحجر والزعتر والفراشات والجبال ونحلة الجرح والوحدة والاغتراب والقطارات والمشهد البحري والزنزانات والوطن والحرية والخيمة والبلاد والجبال والذاكرة والنسيان والبراكين والصفيح، لتكون القصيدة بلون (أزرق) ينعكس من (الزعتر) ودواخل الشاعر وكينونة وجوده، وإمكانية إسقاط هذه (القصيدة الزرقاء) التي تذكرنا بالمرحلة الزرقاء للفنان العالمي بابلو بيكاسو، على عيني عهد التميمي، كرمز معاصر للتشبث بالوطن والحرية، تنبع من إشراقاتهما أحلام الفلسطينيين، في الداخل والخارج، كما تلمع أحلام الشهداء المتحدية لكل ما يحترق في هذا الكون، وهنا، يصبح الأزرق متدرجاً ليس إلى الأخضر وحسب، بل أيضاً، يصبح ألوان نشيد الاحتراق الحمراء والبرتقالية والصفراء والبيضاء، كنايةً عن ألوان الألم العميق الذي يرفض أن يصير رماداً، بل يتحول من رماده، ليس كما أراد له الكاتب العالمي «كافكا»، بل كما أراد له محمود درويش (الزعتر، الياسمين، الندى، العندليب، الخيول، البنفسجة الرصاصية) وغيرها من مفردات القصيدة دائمة التحوّل والتجدد لدرجة الكونية، وهو ما يرسو في تشكيلية هذه الصورة الشعرية «لم تأت أغنيتي لترسم أحمد المحروق بالأزرق»، وهو ما يبدو واضحاً في عينيّ التميمي، التي رسمها العديد من الفنانين، وليس آخرهم رسام الشوارع الإيطالي يوريت أغوش، الذي رسم وجه التميمي كلوحة جدارية عملاقة في الضفة الغربية المحتلة، تبعاً للخبر، والتي تعكس شفافية الإصرار الزرقاء، ونصوصَ الانتصار الخضراء، وغنائية الضوء البيضاء، رغم الخلفية السوداء، وآثار الظلم والظلام، بما في ذلك من تأكيد على انتصار السماء، ونشيد الأعماق، ولون الأغنية التي تشرق بين الألوان الأخرى الترابية وتدرجاتها الشقراء والكستنائية، وظلال خصلات الشعر على الوجه والرقبة، واسترسال مكوناتها في عودتها إلى العينين «الزمرديتين» لتكمل مع درويش: «وللصور الجميلة فوق جدران الشوارع والجنائز والتمني، كتبت مراثيها الطيور وشردتني، ورمت معاطفها الحقول وجمعتني، فاذهب بعيداً في دمي، واذهب بعيداً في الطحين، لتصاب بالوطن البسيط وباحتمال الياسمين».

غالية خوجة (دبي)

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©