الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رحلة السقوط

رحلة السقوط
15 يونيو 2012
(القاهرة) - الطمَّاع ضحية النصَّاب، وإذا كان هذا النصَّاب من النساء، فلا تحتاج المرأة إلى جهد أو عناء لإقناع أي رجل بوجهة نظرها حتى لو كانت خطأ فكثير منهم يسيل لعابهم أمام أي واحدة منهن حتى لو كانت قبيحة ولا تملك أي مميزات أو أي جانب من الجمال، فما بالك أن «وفاء» على قدر كبير من اللباقة وتجيد التحدث مع أي شخص في أي مستوى تعليمي وقد أتقنت ذلك أكثر من خلال عملها كسكرتيرة لأحد كبار المسؤولين فتلتقي مع علية القوم وتعرف أسلوبهم واستفادت من هذه الظروف المحيطة. أما الاستفادة الأكبر، فقد كان الجميع يتعاملون معها، كما يتعاملون مع الرجل الذي تعمل معه وكأنهما شخص واحد فاستغلت هذا الاهتمام، وتلك الميزة حتى مع جيرانها الذين قد يلجأون إليها أحياناً لإنجاز بعض المصالح المعقدة لمجرد أن تشفع طلبها بتوصية باسم المسؤول فتفتح لها الأبواب المغلقة في أي مكان فكسبت ثقتهم ولم يخل الأمر من بعض التعالي عليهم لتكون بينهم حدود لا يتخطونها. وفاء من أسرة بسيطة فقيرة بالكاد استطاعت أن تحصل على مؤهل متوسط إلا أنها فتاة طموحة لا تحب الاستسلام، وتبحث كثيراً وتجادل ولديها جرأة غير عادية في الحوار، وقد ذاقت الأمرين في البحث عن وظيفة لكن كل أبواب المصالح الحكومية كانت مغلقة أمامها اعتمدت على طريقة أخرى وهي متابعة الإعلانات في الصحف عن الوظائف الخالية إلاّ أن غالبيتها العظمى لا تناسبها أو أنها لا ترضي طموحها أو أن عائدها قليل الوظيفة الوحيدة التي وجدت فيها عرضاً مغرياً كانت مندوبة مبيعات لشركة عطور، لكنها عجزت عن الالتحاق بها لأنها اشترطت أن يكون لديها سيارة ومبلغ كبير كتأمين لثمن البضائع التي ستحصل عليها وعادت خالية الوفاض تندب حظها. منذ ذلك الموقف فقدت الأمل في الوصول إلى ضالتها، لكنها لم تتوقف وواصلت البحث ولو من قبيل الفضول حتى وجدت إعلاناً يطلب سكرتيرة توجهت إلى العنوان المدون في ذيل الإعلان، وهناك دارت رأسها من فخامة المكان والسجاد الفاخر المفروش على الأرض لا تعرف إن كان مسموحاً السير عليه أم أنها يجب أن تخلع نعليها وتسير حافية عليه وانتشلها من هذا الموقف المحرج تلك الفتاة التي نادتها وصرحت لها بالدخول ولحسن حظها فإنها هذه المرة لا شروط للتعيين بهذه الوظيفة كسكرتيرة للمسؤول الكبير في هذا المكان فقط يجب أن تكون لبقة في الحديث وتجيد أعمال السكرتارية والكمبيوتر وحسنة المظهر وهذا كله متوفر فيها واستطاعت أن تنتزع تلك الفرصة وخلال أسابيع تم تسليمها الوظيفة. ولأنها كانت لديها الاستعدادات نجحت بتفوق من اليوم الأول، ونالت ثقة المسؤول فأسند إليها الكثير من المهام وأصبحت خلال أشهر قليلة الشخصية الثانية المهمة هنا، فلا شيء يتم إلا بإذنها، بل وأصبح الكل يخشاها ويخطب ودها ويحسب لها ألف حساب لأن رضاها من رضا الرجل الذي تعمل معه وشعرت بأهميتها فلم تفوت أي فرصة أمامها وأيضاً أصبحت تصنع الفرص. لكن حتى الآن لم تحقق شيئاً من أحلامها وطموحاتها، إلا القليل مثل الملابس الأنيقة التي ترتديها بعد أن تحسن دخلها وسيارة الشركة التي تعمل بها تقوم بتوصيلها إلى منزل والدها في الذهاب والإياب وهذه عندها من العوارض والمكاسب الجانبية التي لا تحسب ولا تقف عندها وتريد نقلة حقيقية في حياتها ترى أمامها من يلعبون بالأموال مثل الورق وهم ليسوا أفضل ولا أكثر ذكاء منها. البداية تمثل لها صعوبة بالغة وإذا انطلقت فستندفع مثل الصاروخ ولا يستطيع أحد أن يوقف مسيرتها أو يعترض طريقها هكذا كانت تحدث نفسها في أحلام اليقظة عندما تسرح بتفكيرها وإن كانت تتعب كثيراً في كل خطوة تخطوها وتعاني حتى تتجاوزها إلى ما بعدها، فقد كانت مثل المخترعين، بينما تبحث عن شيء فإنها تفاجأ باكتشاف شيء آخر لا يقل أهمية بل يزيد. وعندما جاء هذا المورد الذي يتعامل مع الشركة وله مشكلة في الحصول على حقوقه قامت بإنهاء معاملته بأفضل مما يحلم، لكن ما كان ذلك إلا فخاً له لتحقق من خلاله ما تريد وعرضت عليه الشراكة من ناحية هو يقوم باحتكار المواد الموردة إلى الشركة ومن ناحية أخرى تتولى هي تخليص مستحقاته بسرعة، فيحقق أرباحاً طائلة خاصة أنه سيرفع الأسعار لأنه سيكون المورد الوحيد ولم يتردد الرجل في قبول العرض المغري الذي سيدر عليه أموالاً طائلة. انطلقت رحلتها نحو المال، وكانت تحصل على حقها من المنبع قبل أن تصل مستحقات الرجل إلى يديه ولا يستطيع أن يعارض لأنه أيضا يربح الكثير لكن شراكتهما لم تدم طويلا بعد أن أرادت أن تقاسمه العائد لأنها ستساهم بمبلغ في رأس المال، وتم فض الاتفاق السري بينهما فاتجهت بأموالها إلى التجارة في الملابس الجاهزة التي تقوم بشرائها بكميات كبيرة وتوزيعها، لكن وضعها لا يسمح لها بالتنازل والبيع بالمفرق فاستدرجت زميلها في العمل الذي كان لا يخفي إعجابه بها ويحاول أن يتقرب إليها ويتمنى لو وافقت على الارتباط به إلا أنه يخشى صدها ورفضها وهي تعرف هذا كله، لكنها تتجاهله واستغلت عواطفه وعرضت عليه القيام بتلك المهمة في ترويج بضاعتها فقبل وهو في غاية السرور. كان عائد التجارة كبيراً ومغرياً لدرجة أنها أهملت عملها هذا وأعطت تجارتها معظم اهتمامها وأشاعت بين جيرانها وزملائها عمّا تكسبه ويتحقق لها ومن قبيل الشهامة تعرض عليهم المشاركة معها بأموالهم مقابل عائد شهري من الأرباح، فانهالوا عليها يقدمون لها كل ما يملكون خاصة بعد أن ذاع صيتها في الالتزام بالمواعيد والمبالغ الكبيرة التي يجنونها من ورائها وجاءها كل واحد بأهله وأقاربه وجيرانه، ففوجئت بأنها تدير بين يديها ملايين الدولارات فقررت أن توسع تجارتها إلى نطاق آخر أكثر ربحاً وأكبر في السوق واتجهت إلى تجارة الأجهزة الكهربائية وقدمت تسهيلات في البيع بالتقسيط، فكثر عملاؤها مما جعلها تستعين بمحاسب ومقر تمارس فيه عملها واستغلت وفاء اسم الرجل الكبير الذي ما زالت تعمل معه وأشاعت أنه يحميها ويشاركها في تجارتها ونشاطها، لذلك فهي لا تسدد الضرائب والرسوم عن نشاطها وهي تعلم أن تلك جريمة يعاقب عليها القانون. لم تقف مخالفاتها عند هذا الحد واقتحمت مناطق الخطر ودخلت عالم النصب والاحتيال، فبمجرد أن عرض عليها صديقها المحامي الفكرة الشيطانية لم ترفض ولم تعارض خاصة بعدما أكد لها أن تلك لعبته وأنها مجربة كثيراً وستخرج من ورائها بمبالغ خيالية وتصبح مليونيرة حقيقة، وهي أن تستغل ذلك الشاب الذي يحبها في أن يدعي أنه يضع يده على قطع من الأراضي الخاصة بالأفراد أو من أملاك الدولة ويقوم المحامي بإقامة دعوى ضده باسمها بأنها مالكة الأرض أو أنه باعها لها وتحصل في النهاية على أحكام قضائية ويكون من حقها بعد ذلك أن تتصرّف في تلك الأراضي بطريقة لا تشوبها شائبة مثل عمليات غسيل الأموال. انشغلت وفاء بهذه العمليات القذرة والتصرفات الخارجة عن القانون والأخلاق وكشرت عن أنيابها في وجه ضحاياها الذين استطاعت أن تخوفهم باسم المسؤول وتدعي أنه هو الذي وراء ذلك والرجل لا يعرف أي شيء وهو نفسه ضحية من ضحاياها بحسن ظنه فيها ولم يصل إليه ما تفعله فهو في الحقيقة بعيد عنه وبريء منه ولم تستجب حتى الآن إلى أي واحد من الرجال الكثيرين الذين يتعاملون معها ويبدون رغبتهم في الارتباط بها ومنهم متزوجون، وهي تعلم أنها لن تقع في قبضة رجل إلا إذا كان تحت سيطرتها ولن تكون لقمة سائغة لأي منهم وتفهم أن معظم هؤلاء ما يريدونها إلا لمالها وجمالها معاً ولمالها أكثر ومع ذلك لم تصد أياً منهم أو تقطع عليه الطريق، وإنما تمسك بالعصا من المنتصف حتى تستفيد منه بقدر المستطاع. لم تسر الأحوال معها كما كانت وأرادت أن تتوسع أكثر دخلت مجالات أوسع وسمعت لنصائح لا تعرف مداها وإخلاصها واقتحمت عالم البورصة والمضاربات التي لا تجيدها والاستثمار في العقارات فخسرت مبالغ ضخمة قصمت ظهرها وعرقلت مسيرتها مما جعلها تتوقف عن سداد العائد المتفق عليه مع المودعين لديها الذين يتجمعون كل يوم مطالبين بحقوقهم، لكنها تسوف وتماطل ولم يعد لديها حجة جديدة تسوقها أو تتذرع بها وطالت معاناتهم وانتظارهم وفقدوا الأمل فلجأوا إلى الشرطة وحرروا ضدها محاضر يتهمونها بالنصب والاحتيال مما اضطرها لعدم الذهاب إلى مكتبها. ألقى ذلك بتوابعه على كل نشاطها وبدأ الناس يتحدثون عنها على أنها متهمة، وزادت الشكوك أكثر بعدما اختفت تماما عن الأنظار، إذاً فإن ما يقال عنها صحيح وليس مجرد ظنون وأظهر البحث والنبش وراءها كل ألاعيبها وانهالت الدعاوى القضائية والأحكام الغيابية ضدها وزادت على المئة والخمسين سنة سجناً إلا أن ذلك لا قيمة له لأنه لن يعيد الحقوق والمتهمة هاربة ولم تنل عقابها. خمس سنوات مضت على تلك الأحداث إلى أن أُلقي القبض عليها وهي تتسول في منطقة بعيدة بحثاً عن لقمة عيش بعدما فقدت الملايين التي جاءت سهلة وراحت هباءً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©