الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«عسل» الزوجة الثانية

«عسل» الزوجة الثانية
15 يونيو 2012
(القاهرة) - نعم بلغت الخامسة والخمسين من عمري، إلا أنني بحاجة إلى امرأة تؤنس وحدتي وتشاركني حياتي وتتحدث معي وتعد طعامي وتغسل ثيابي ونخرج معاً ونفكر ونتشاور ونتبادل الرأي مثل أي زوجين يكمل كل منهما الآخر، وقد لا يكون في هذا أي عيب، لكن العيب أنني متزوج وليّ ولد وبنت وزوجتي لا وجود لها في حياتي منذ سنوات طويلة. كُنت قد تخرجت في الجامعة والتحقت بوظيفة متميزة مرموقة تحتم علي التنقل بين المدن وأظل في المكان حوالي أربع سنوات تقريباً، ثم أنتقل إلى مكان آخر ولم يفاجئني ذلك، وإنما أعلمه قبل أن أتسلَّم عملي ولم أتوقف أمامه أو اعتبره عائقاً في حياتي ولا حتى ضد الاستقرار واتخذت الجانب الإيجابي منه بأنه نوع من الرحلات والسياحة المجانية ومع هذا، فهناك جانب إيجابي آخر، فأنا أقضي في العمل ثلاثة أيام فقط كل أسبوع وأربعة أيام إجازة فأصبح لديّ فسحة من الوقت لأفعل ما أريد. فكرت في الزواج ووقع اختياري على ابنة خالي التي أرتاح إليها، وأكن لها مشاعر الحب منذ سنوات، فهي تخرجت منذ عام في الجامعة وعملت معلمة للغة الإنجليزية ورحب الجميع بحسن اختياري ومنهم أبي وأمي وأخوتي وخالي والفتاة، فعائلة أبي وعائلة أمي متداخلتان وبينهما الكثير من علاقات المصاهرة الناجحة جداً لأن هُناك اتفاقات في الرؤى والمواقف، خاصة أن أسرة خالي غاية في الطيبة والتواضع والخلق والالتزام ولا يطلبون أي مطالب من أي عريس ويتركون له التصرف في زيجته، كما يريد ووفق إمكاناته، ويتحملون أكبر قدر من تكاليف الزواج، وكنت سعيداً لأنني سأحظى بالفتاة التي اخترتها ولم أصرح لأحد بما أكنه لها فصلة القرابة والشهامة والمروءة تمنعني أن أخوض في حديث عنها مهما كان. نحن أسرة ميسورة الحال ونعيش في رغد وقام أبي بشراء شقة تمليك في منطقة راقية وساهم خالي بقدر كبير في التكاليف التي لم أتحمل منها أي شيء فهو يعتبرني ابنه وتولى أبي تأثيث الشقة بأحدث أثاث وأجهزة ومفروشات بما يتناسب مع وضعي الاجتماعي وكل تلك نعم أحمد الله عليها وانتقلت إلى بيت الزوجة وزوجتي تعلم كل صغيرة وكبيرة عن حياتي بفعل القرابة وأصلاً لم يكن عندي أي نوع من الأسرار وتعرف ظروف عملي ولا يوجد أي شيء خفي أو حاول أحدنا إخفاءه. وافقت على طلب زوجتي بأن تستمر في عملها مع أننا لسنا في حاجة إلى المال، وإنما من أجل استغلال الوقت، خاصة في الأيام التي لا أكون فيها بالمنزل ولم يكن لديّ مانع من عملها، لكن لا أريد أن تجهد نفسها وتعاني في المواصلات والزحام ومجهود العمل المضني وإن وجدت في رأيها أيضاً ميزة بأن تخرج وترى النور حتى لا تصاب بالاكتئاب من الوحدة وسارت بنا الحياة في أمان واستقرار حتى رزقنا بالولد والابنتين الذين كانوا مثل القناديل التي تضيء حياتنا والزهور المتفتحة التي تسر الناظرين ويشع البيت بهجة وسروراً. كان أول اختبار قاس أن أصيبت الابنة الكبرى بعد أن بلغت الرابعة من عمرها بمرض نادر في الأعصاب جعلها ضامرة لا تقوى على الحركة حملتها على كتفي وبين الدموع والدعاء توجهت بها إلى كل طبيب أو مكان يدلني عليه أي شخص، لكن بدون فائدة أو تقدم يذكر على مدى عامين وزاد الطين بلة أن أختها بعدما وصلت إلى نفس عمرها أصابها نفس المرض، فكنت أحمل الاثنتين وأجوب بهما على المستشفيات والمعالجين ولم أترك حتى الأدوية الشعبية والوصفات البدائية والعامة، فلا أريد أن أقصر نحوهما بأي شكل. هذه الظروف طردت السعادة من بيتنا ونحن نرى الصغيرتين لا تتحركان ولا نستطيع الخروج أو التنزه كثيراً لأن وزنهما زاد بسبب قلة الحركة ويصعب علينا حملهما والتحرك بهما في الغالب كل ما نفعله أنني اصطحب أسرتي في السيارة ونسير حول الحدائق والمولات التجارية وإذا أردنا أن نشتري شيئاً فإما أن أقوم أنا أو زوجتي بشرائه، بينما يبقى الآخر مع الأبناء ورضينا بقدر الله وصبرنا وتركنا له الأمر فهو صاحب المنع والمنح. رغم معاناتنا المستمرة التي لم تتوقف على مدى عشر سنوات إلا أن حزننا عليها كان كبيراً عندما رحلت ابنتي الكبرى توفاها الله وانتقلت إلى جواره لقد افتقدناها فعلاً وشاء القدر أيضاً أن يحدث لأختها ما حدث لها، كما جاءت إلى الدنيا بعدها بعامين وأصيبت بنفس المرض بعدها بعامين أيضاً لحقت بها ورحلت إليها بعد عامين. منذ أن أصيبت ابنتي الكبرى بهذا المرض تغيرت زوجتي تماماً وإن كانت تهتم بالأسرة وبأدوية البنتين ودروس الولد وأنا لا أطالبها بأكثر من ذلك إلا أنها رفضت الحصول على إجازة من عملها ونحن في تلك الظروف لم أمارس عليها أي ضغوط، فنحن لم نكن حينها في حاجة لمزيد من النكد أو التوتر، لكنها الآن وبعد أن تبدلت الظروف ما زالت في عزلة بعيداً عني ووجودي في البيت مثل عدمه لا تتأثر إن كنت غائباً أو حاضراً هي بطبيعتها قليلة الكلام والآن كما لو كانت أصابها الخرس لا ترد على الأسئلة إلا بكلمة نعم أو لا، ولا تشاركني الرأي أو النقاش فيما يهمنا ويخص حياتنا ومستقبل ابننا حتى مللت ذلك ولم أعد أسألها عن شيء وأتصرف بمفردي. تعددت الشكاوى التي أتتني ممن يعرفوني من زملائها وأولياء أمور التلاميذ بالمدرسة التي تعمل بها وأصبحت الناظرة تمل من قسوتها وسوء تعاملها وتعسفها في القرارات ولم أجد وسيلة لمحاولة التفاهم معها والمفترض أنها سيدة تربوية وتعي ذلك أكثر مني إلا أن الهوة تزداد بيننا يوماً بعد يوم إلى أن وصلت إلى حد القطيعة، فهي ترفض أن نخرج معاً في نزهة أو تسوق وأفعل هذا أنا وابني وحدنا ولم تعد لنا علاقة بالطعام المنزلي ونعتمد على الجاهز في معظم وجباتنا مع أنني أحضر لها كل المستلزمات واللحوم والدواجن والأسماك والخضروات. نغمة جديدة ترددها وتعيدها وتزيدها بأنني سوف أتزوج عليها وإن كان هذا في ظاهره صحيحاً، وتلك رغبتي، لكنه في الواقع لم يحدث على الإطلاق ولم أحدِّث به أحداً وإن كنت أعتزم فعل ذلك، لكن ما يمنعني هو ابني الوحيد ولا ذنب له فيما يحدث ومع أنه مضى على ظنها هذا أكثر من ثماني سنوات، فإنها لا تريد أن تصدق أنه غير صحيح ولم يحدث لأنها ترى ذلك في منامها كل ليلة وأحلامها - حسب زعمها - لا تخيب. انتهى ابني من دراسته واطمأن قلبي على مستقبله والتحق بعمله وزوجتي على ما هي عليه والعمر يسير ويمر بسرعة، وهي كما هي ولا أعرف إن كانت مجنونة أم تدعي الجنون تغلق الباب على نفسها كل الوقت الذي نكون فيه بالبيت واعتزلتنا تماماً حتى ضقت ذرعاً بكل تصرفاتها التي يعرفها جميع من حولنا حتى أن أخاها وأمها وبعض أفراد أسرتي هم الذين دفعوني للزواج بعد أن باءت جهودهم معها بالفشل ورأوا أنها تتجنى عليّ وعلى ابننا وعلى نفسها. استشرت ابني حتى لا أسبب له أي جرح في مشاعره، وقد كبر وبلغ سن الرشد ويستطيع أن يتفهم الموقف ووافق على أن أتزوج وبدأت أبحث عن عروس مناسبة فدائرة الاختيار ضيقة جداً لأنني في الغالب أبحث عن واحدة تناسب سني وتتقبل ظروفي لأنني متزوج وان كان الزواج شكلياً وبحثت كثيراً فلم أجد إلا الأرامل والمطلقات ولسن كلهن مناسبات أو يقبلن الزواج من مثلي وأخيراً جمعتني الصدفة بأرملة فقدت زوجها منذ ثلاثة أعوام، لكنها في الأربعين من عمرها وأنا أكبرها بما يصل إلى خمسة عشر عاماً، وحدث بيننا تقارب وتفاهم بسرعة وفاتحتها في موضوع الارتباط، فإذا بها تمط شفتيها بأنها لا تستطيع أن تتخلى عن ابنها وابنتها الطفلين اليتيمين، فقلت ومن الذي طلب منها التخلي عنهما؟ وقالت إذاً أنت توافق على الزواج مني وأن يقيما معنا؟ قلت وماذا يضير في ذلك، بل على العكس وتم الاتفاق على أن نتزوج، وتم ذلك بعد أن اشتريت شقة وأثثتها بالقرب من المنطقة التي تقيم فيها. تلقيت بعض اللوم من أخوتي وأخواتي على هذا الاختيار لأنهم يرفضون أن أربي أبناء غيري، لكن تأكدت الآن أنني لم أكن متزوجاً من قبل على الإطلاق ولا لحظة، فالعروس الجديدة أعادتني إلى الحياة فهي امرأة لمّاحة تقرأ لغة عيني وتفهم كل حركة وإيماءة وفهمت كل ما يرضيني وأحب وتفعله وتبالغ فيه وكل ما لا أريد، فلا تفعله حتى لو كانت تحبه وتريده، ولم يكن ذلك من قبيل المبالغة، فيشهد بذلك ابني الذي وجد عندها الأمومة التي افتقدها عند أمه التي ولدته وعرفت أنا وهو الطعام المنزلي من جديد وأشهى الوجبات التي كانت تجيد صنعها وتتفنن فيها من أجل إرضائنا وتلبية رغباتنا ونعيش جميعاً معظم الوقت إلا ما أكون فيه غائباً في عملي وكل ذلك لم يحرك ساكناً عند زوجتي الأولى. لقد كانت نعم الأم لابني وكنت أحاول أن أعوض ابنها وابنتها عن فقد أبيهما، وكانت تثمن لي ذلك وتعتبره جميلاً من جانبي أو ديناً عليها أن ترده وشاءت إرادة الله أن تحمل زوجتي، ولكنني خشيت أن تتكرر مأساة ابنتي الراحلتين، وكنت قلقاً من ذلك إلى أن تمت الولادة بخير وأكد الأطباء أنها سليمة تماماً وأن سبب الحالتين السابقتين هو زواج الأقارب. حتى الآن أرى أنني أحسنت الاختيار في المرتين، لكن هُناك فوارق بين المرأتين صدقوني ليس الزواج الثاني كله شراً أو نزوات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©