الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإبداع.. ينتصر لنفسه

18 يناير 2012
عندما نتحدث عن الإبداع، فإننا نبحر في عوالم مختلفة من الفنون التي ترتقي بذائقة الشعوب، وتشكل ثقافاتها وعقولها، فهو يحلق بلا أجنحة في فضاء الفكر، ويجنح بأشرعته لوجهة تمنح الإنسان قدرة على اكتشاف غير المرئي في عالمنا غير الافتراضي. عندما نتحدث عن الإبداع، نلمس مناطق مجهولة خلف أسوار غير متناهية، ونغوص في وجدان الواقع، لننهل منه بعض همساته ونترجمها إلى مشاعر محسوسة ترتقي بنا بعيداً عن كل ما هو جامد وبغيض. فمن يستطيع أن يمنع شاعراً من المعاناة، حتى تولد القصيدة، أو يمنع عالماً من التوصل إلى ابتكار يدهش العالم، أو يمنع فناناً على خشبة المسرح من تشكيل وعي وثقافة جمهور، أو يمنع ممثلاً على شاشة سينما أو تلفزيون من علاج أمراض مجتمعه عبر قصة تكشف المستور وتفضح الواقع، أو يمنع كاتباً من إنجاز روايات تحمل حلولاً لأمراضنا وانكساراتنا الحياتية، أو يمنع رساماً من الإبحار فوق لوحاته البيضاء بألوانه وفرشاته، حاملاً رسالة إحساس، أو يمنع صوتاً عذباً يأخذنا إلى حيث يسكن الخيال؟. كل هذا يدفعنا إلى الاعتراف بالإبداع وأهميته لنهضة الشعوب، ويجبرنا على احترام المبدع الذي يقدح زناد فكره، ليمنحنا جرعات من المتعة الجاهزة، التي تدغدغ مشاعرنا ونحن جالسين، من دون تعب أو مشقة على كرسي أمام أحد ألوان الفنون. فلا يجب أن يدخل الإبداع في مزاد أو مزايدة، فهو يغرد وحيداً خارج السرب، ويسكن أعشاشاً دافئة فوق أغصان الروح.. لينمو وينمو حتى ينضج ويتساقط علينا في صورة أفكار تحرضنا على التأمل. فكيف نرى بيننا أناساً، يسبحون ضد تيار الواقع، ويحاولون النيل من الإبداع، ويواجهونه بأساليب قمعية وكأنهم يريدون قتله، رغم أنه من الجهل أن يحاول شخص ما أن يسجن الإبداع، لما له من قدرة خارقة على تجاوز حدود الممكن، وتخطي قيود المستحيل، والسبب أنه خارج نطاق السيطرة! كل هذه الأمور، تدفعنا للوقوف مع الفنانين المصريين، الذين خرجوا منذ أيام في تظاهرة ثقافية فنية، ليعبروا عن ذاتهم، وينتصرون للإبداع الذي يُسهم في تشكيل وعي ونهضة وحضارة شعوب الأرض.. نعم، خرجوا من أجل الدفاع عن حرية الفكر، بدلاً من اللجوء إلى دفن الرؤوس في الرمال، وغض الطرف عن أمراض مزمنة تؤرق وتهدد المجتمع. خرجوا لتوجيه ضربة استباقية لبعض التيارات، خوفاً منها أن تحجر على الفكر، وتطمس العقول في نكسة حضارية. هذا الإحساس الذي سيطر على أهل الفن في مصر، يشعر به كل فنان عربي، يحاول أن يتخذ من الإبداع وسيلة ونهجاً لمسيرته الفنية، طالما أنه يسهم في تقويم الإنسان بفنه، والارتقاء بذائقته الروحية، والغوص في همومه لإيجاد حلول يتم تقديمها في ثوب من المتعة الفنية. ورغم ذلك، فإن هناك من يفهم الإبداع بصورة خاطئة، ويشطح بخياله بعيداً، ليخرج علينا بأعمال لا تمت للفن بصلة، فكم من مخرج أو مؤلف أو فنان، قدم للجمهور أعمالاً مشبوهة تخدش الحياء، ولا تنتمي بصلة إلى أي من ألوان الفنون، وهذه النوعية من الأعمال يلفظها المشاهد خارج عقله، ولا يستسيغ طعمها، نتيجة أنها خالفت قواعد الإبداع، وخرجت عبر منابر منحرفة تسلَّقت جدران الإبداع بأقدام الابتذال والإسفاف. سلطان الحجار | soltan.mohamed@admedia.ae?
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©