الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرية والتنمية: أيهما أولاً؟

17 يونيو 2011 21:32
تشكل الزيادة في النمو الاقتصادي والتنمية هدفاً سامياً تسعى كل البلدان إلى تحقيقه، لما في ذلك من أثر في تخفيض معدلات الفقر والتخلف في العالم حيث المشكلة الاقتصادية (الندرة)، هي التي تتحكم في مصائر العديد من الأفراد إضافة إلى التوزيع غير العادل للثروة والدخل. وتشكل نظرية التغيير السياسي المقدمة من قبل هنتينجتون تقييداً لدور الديمقراطية في التنمية الاقتصادية، فالعلاقة بين التنمية السياسية والديمقراطية السياسية تجعل النمو أولاً والديمقراطية ثانياً. في حين عبر Lipset عن أن الديمقراطية لا تتحقق إلا بعد تحقيق الإنجاز الاقتصادي، أي أن التنمية هي المطلب الأساس للديمقراطية. هذا الاستعراض الموجز لبعض الأفكار يُبرز المشاكل الأساسية المتعلقة بالممارسة الثنائية للديمقراطية والحرية الاقتصادية وعلاقتهما بالتنمية الاقتصادية، فكيف ستتحقق الحرية الاقتصادية في النظام الديكتاتوري حيث لا توجد الضمانات الكافية للتطبيق الفعلي للحرية الاقتصادية. وكيف ستحقق التنمية في ظل عدم وجود الديمقراطية؟ وبالعودة إلى تجارب بعض البلدان التي نجحت فيها الديكتاتورية بالاقتران مع الحرية الاقتصادية مثل كوريا الجنوبية وبعض دول الشرق الأدنى بعد الحرب العالمية الثانية، فإن النمو الاقتصادي الكبير الذي حدث في هذه الدول يرجع أكثر إلى مجموعة القيم الآسيوية التي تقدس العمل والحكم الديكتاتوري الرشيد (نوعاً ما)، الذي يضع أهدافاً للأمة أكثر من خدمة مجموعة أشخاص، وهذه حالة نادرة لا يقاس عليها في البحث التجريبي، بينما ذهبت الأنظمة الديكتاتورية العتيدة في العالم الثالث إلى شن الحروب واضطهاد الشعوب ومصادرة الحريات المدنية في سبيل البقاء في السلطة رغم الثمن القاسي الذي دفعته هذه الشعوب دون أن تصل إلى المستوى الذي حلمت به في تحقيق التنمية والرفاهية. لذا فإن الاعتقاد بأن الحرية الاقتصادية قد توجد في نظم ديكتاتورية هي مقولة بعيدة عن النهج العلمي المنطقي، الذي يفترض وجود أسس لمؤسسات حرة لا تعيش إلا في مناخ صحي بعيداً عن الفساد ومصادرة الحريات ومن ضمنها الحرية الاقتصادية. فالنظم الديكتاتورية تسّهل عمليات مصادرة حقوق الملكية، وعمل السخرة وتصّعب دخول الأسواق، إضافة إلى إمكانية حدوث الانتفاضات السياسية والانقلابات العسكرية، وبالتالي كل الحريات معرضة للمصادرة. دور الحرية الاقتصادية، (والتي تتضمن صيانة وحماية حقوق الملكية والمنافسة وحرية الدخول للأسواق) في التأثير الإيجابي على النمو الاقتصادي، يتطلب توافر عناصر أخرى مكملة تضمن هذه الحرية من التشوهات، التي من الممكن أن تؤثر سلباً على أداء الحرية الاقتصادية، وأهم هذه العناصر هو سيادة القانون الذي يمنع من حدوث التشوهات مثل الفساد والسرقة. وضمان سيادة القانون هي من أولى مهام الديمقراطية، حيث وجود المؤسسات مثل السلطة التشريعية المنتخبة والصحافة الحرة وتداول السلطة تكفل هذه السيادة للقانون، وذلك لا يتحقق إلا في وجود الديمقراطية. إن ممارسة الحرية الاقتصادية في ظل الديمقراطية التي تحمي هذا النوع من الحرية هو أمر منطقي، حيث لا يمكن تصور وجود الديمقراطية من دون حرية اقتصادية، فكلتا الحريتين السياسية والاقتصادية تحفزان النمو الاقتصادي بشكل تكاملي والتوسع في أي منهما يعني التوسع في الآخر. وبالعودة إلى فرضية Lipset، التي اشترطت وجود التنمية للانطلاق إلى الديمقراطية، فإن هذه الفرضية أهملت العوامل المحفزة للتنمية، والتي تنشأ فقط في ظل الديمقراطية، مثل تعزيز الحرية الاقتصادية وحقوق الملكية الفردية وزيادة قدرة الأفراد على الابتكار والتنظيم والادخار والاستثمار في ظل الديمقراطية. فيما أشار عدد من الباحثين إلى أن التعددية الاقتصادية، هو أمر جوهري بالنسبة للنمو الاقتصادي، فالمتطلب الضروري للنمو الاقتصادي هو وجود شرط كون الأفراد أحراراً في زيادة وتراكم مواردهم من خلال الأسواق، وفقط تحت شرط التعددية الاقتصادية فإنه تنبثق التكنولوجيا المبدعة والمتنافسة. والأمر الضروري الآخر هو التعددية السياسية الحاسمة لبقاء وحيوية التعددية الاقتصادية. التنمية الاقتصادية لا تتحقق في ظل النظم الديكتاتورية سواء التي وجدت بها حرية اقتصادية ناقصة، أو التي لم توجد فيها هذه الحرية على الإطلاق مثل منظومة الدول الاشتراكية التي انهارت في بداية عقد التسعينات من القرن العشرين. فالقول إن كلتا الحريتين (الحرية الاقتصادية و الحرية السياسية) تعززان نفسيهما بصورة تبادلية هي الأصح، وغياب أحدهما يجعل التنمية مشوهة وناقصة في الأمد الطويل. أكرم أسود كاتب وأكاديمي عراقي ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©