الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السودان: خلفيات قتال... ما قبل الانفصال!

17 يونيو 2011 21:32
بدأت التخوفات من حرب أهلية أخرى تخيم على السودان بعد قيام قوات الشمال باجتياح بلدات ومهاجمة رجال القبائل الموالين للجنوب في محيط منطقة حدودية متنازع عليها تزخر باحتياطيات نفطية، وتنتشر فيها مليشيات جيدة التسليح. غير أن إراقة الدماء وتقاطر اللاجئين يشكلان في الواقع تمهيداً خطيراً للتاسع من يوليو المقبل، وهو اليوم الذي سيعلن فيه جنوب السودان عن الانفصال رسميّاً بعد عقود من الحرب التي خلفت مقتل أزيد من مليوني شخص. ومن المعروف أن الجنوب سيرث الجزء الأعظم من الاحتياطيات النفطية في البلاد، ويبدو أن التوغلات التي تقوم بها القوات الشمالية هي جزء من استراتيجية الحكومة للضغط على الجنوب من أجل تقديم تنازلات في اللحظة الأخيرة. ذلك أن اقتصاد الشمال يواجه أوقاتاً عصيبة؛ والرئيس، المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور السوداني، لا يحبذ فكرة ترك مليارات الدولارات من عائدات النفط تفلت من بين يدي نظامه. غير أن مسؤولين أميركيين وغربيين آخرين يخشون أن تدفع الهجمات على طول الحدود وفي ولاية شمالية مجاورة للجنوب البلاد إلى حرب جديدة، وتقلب الأوضاع في منطقة مضطربة أخرى من شرق إفريقيا. وكانت القوات والدبابات الشمالية قد استولت في الشهر الماضي على منطقة "أبيي" الحدودية المتنازع عليها، ما أرغم عشرات الآلاف من المدنيين على الفرار من منازلهم. ومن شأن السيطرة على "أبيي" أن تمنح الشمال حصة أكبر من النفط، أو تسمح له بالحصول على قدر من المال من الجنوب مقابل سحب جنوده، ولاسيما أن الشمال والجنوب لم يتفقا بعد على الحدود، أو على صيغة محددة لتقاسم عائدات النفط. وقد امتدت الاضطرابات إلى ولاية جنوب كردفان النفطية التي يسيطر عليها الشمال، وهي ولاية تغص بالمقاتلين الذين حاربوا الشمال خلال الحرب الأهلية التي انتهت باتفاق سلام في 2005، حيث قام النظام في الشمال بإرسال جيشه إلى المنطقة الأسبوع الماضي عندما ازداد التوتر بعد انتخاب مرشح مدعوم من قبل الخرطوم حاكماً للولاية، وهو مطلوب أيضاً من قبل المحكمة الجنائية الدولية. وتقول الأمم المتحدة إن القتال بين العناصر الشمالية والجنوبية أرغم حوالي 40 ألف شخص على الأقل على الفرار من عاصمة جنوب كردفان، كادوجلي. ويقول الشمال إن "الحركة الشعبية" التي تدير الحكومة الجنوبية تقوم بالتحريض على الشغب والاضطرابات، هذا في حين يقول الجنوب إن الشمال إنما اختلق هذه الذريعة من أجل إحكام قبضته على جبال النوبة وزيادة الضغط على الحدود. وفي هذا السياق، قال المبعوث الأميركي إلى السودان "برينستون ليمان" في مقابلة مع "صوت أميركا": "يبدو أن الحكومة في الخرطوم تتبنى مقاربة عسكرية مبادِرة وشرسة تجاه الوضع، ربما اعتقاداً منها بأن ذلك سيمنحها بعض الامتياز في المفاوضات، أولاً بالسيطرة العسكرية على «أبيي» ثم بإرسال قوات إلى جنوب كردفان"، مضيفاً "إنني لا أعرف لماذا اختارت الحكومة في الأسابيع القليلة الماضية اللجوء إلى هذا النوع من السياسات، ولكنه خيار يمثل، على كل حال، تهديداً كبيراً لعملية المفاوضات برمتها". وكان الرئيس البشير ورئيس الحركة الشعبية سيلفاكير قد التقيا يوم الأحد الماضي من أجل إجراء محادثات في إثيوبيا، حيث أعلنت وسائل الإعلام السودانية أن البشير وافق على سحب قواته من "أبيي" قبل التاسع من يوليو واستبدالها بجنود إثيوبيين لحفظ السلام تحت لواء الأمم المتحدة، إلا أنه لم يتسن التحقق من هذا التقرير بشكل مستقل. وفي جنوب كردفان، نفت حكومة البشير تقارير صدرت عن المتحدث باسم "الحركة الشعبية" الجنوبية، تفيد بأن الجنوب قد أسقط طائرتين حربيتين شماليتين وسط قتال كثيف، مشيرة إلى أنها لن تتراجع حتى تجريد المقاتلين الموالين للجنوب من أسلحتهم وهزيمتهم. وفي هذا الإطار، يقول عبدالله رزق، وهو محلل سياسي سوداني، إن المقاتلين المدعومين من الجنوب في جنوب كردفان "ليسوا بتلك القوة"، مضيفاً: "ولكن إذا حصلوا على المال والسلاح، فإنهم يمكن أن يسببوا إزعاجاً كبيراً للحكومة المركزية إذ سيكونون مثل المتمردين في دارفور: ليسوا أقوياء ولكن من الصعب التخلص منهم". وتمثل هذه الاضطرابات، في مجملها، نكسة بالنسبة لواشنطن. فقد سبق لإدارة أوباما أن عرضت على الخرطوم رفع العقوبات الاقتصادية وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب إذا سمح البشير بفصل سلمي بين الشمال ذي الأغلبية المسلمة والجنوب ذي الأغلبية المسيحية والوثنية. وكان البشير يرغب في مثل هذه الضمانات لتعزيز قوته في وقت كان يواجه فيه تهماً بارتكاب جرائم حرب مفترضة في إقليم دارفور بينما كان اقتصاده، الذي يعتمد كثيراً على النفط الجنوبي، بصدد الانهيار. وقد بدا أن الزعيم السوداني أوفى فعلاً بوعده في يناير الماضي عندما صوت الجنوب بأغلبية كبيرة لصالح الانفصال في الاستفتاء. ومع أنه كان ثمة قتال متفرق في منطقة "أبيي"، إلا أن الاستفتاء بشكل عام مر بدون إراقة دماء. غير أنه على بعد أسابيع معدودة من الاستقلال، يتجاهل البشير التنديدات الدولية لتحسين موقفه التفاوضي. وفي هذا الإطار، يقول رزق: "إن البشير يحاول أن يُظهر للآخرين أنه سيكون ممسكاً بزمام الأمور في بقية البلاد بعد انفصال الجنوب"، مضيفاً: "وكذلك حزب المؤتمر الوطني الحاكم يرغب في الهيمنة على الشمال برمته لأنه يخشى أن تدعو مناطق أخرى إلى تقرير المصير. كما قال البشير إنه سيقوم بفرض الشريعة في البلاد بعد انفصال الجنوب، وهذا يعني العودة إلى الأيام الأولى لوصول نظامه إلى السلطة". جيفري فلشمان - القاهرة السنوسي أحمد - الخرطوم ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©