الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«مأساة جارنشيا» شبح يطارد نجوم «السامبا»

«مأساة جارنشيا» شبح يطارد نجوم «السامبا»
1 يوليو 2014 02:17
لا يزال البرازيليون يتذكرون مأساة اللاعب السابق مانويل فرانسيسكو دوس سانتوس، ومن الصعب أن يعرف أي شخص مهماً كان متابعاً لكرة القدم هوية هذا اللاعب ومتى ظهر، ولكن عندما نقول إنه ليس سوى «العصفور الصغير»، ليس سوى جارنشيا، عندها يتذكر الناس ذلك الجناح البرازيلي الذي ابتكر أسلوباً خاصاً به في مركزه، وعرف عنه انطلاقاته ومراوغاته بسرعة فائقة تصيب المدافعين بالحيرة. مأساة جارنشيا هي الهاجس الذي يشغل البرازيليين، منذ أن غادر هذا اللاعب الملاعب ليغرق في بحر من المشاكل، حيث ترك زوجته وأطفاله الثمانية، وتزوج من مغنية برازيلية لينفق عليها كل ما ادخره أثناء مسيرته في الملاعب، وبعد عمر قصير قضاه في اللهو واللعب، وارتكاب حوادث السيارات الخطيرة، إضافة إلى المشكلة الأكبر، بإدمانه للكحول، وكذلك الأزمة المالية التي تعرض لها بعد اعتزال، وانفضاض الناس من حوله، توفي جارنشيا عام 1983، في الـ 49 عاماً، وحضر جنازته الآلاف من المشيعين، وكتب على قبره «هنا يرقد بسلام» أحد صناع الفرح للشعب البرازيلي، ماني جارنشيا». لا تزال هذه القصة يتناقلها البرازيليون جيلاً بعد جيل، ويعتبرونها «العظة» الأهم التي يجب أن يضعها أي لاعب برازيلي في عين الاعتبار، وقصص مثل قصة جارنشيا الذي عاش لحظات المجد مدافعاً عن قميص بوتو فاجو والمنتخب البرازيلي، ولكن بعد ذلك مات فقيراً معدماً، هي عبرة للواقع الحالي للاعبي كرة القدم وجميع الرياضيين. ويدرك البرازيليون الحياة التي يعيشها نجومهم في الخارج، فقد أصبحت أوروبا بالنسبة للمواهب البرازيلية حلماً جميلاً، والذي تسنح له الفرصة في الاحتراف أوروبياً كأنه دخل بقدميه مغارة علي بابا، ويودع بالتالي حياة الفقر والعوز وضيق ذات اليد ليصبح فجأة من أصحاب الملايين، والمداخيل العالية، والتي يرافقها إنفاق خيالي وثقافة اقتصادية متدنية، والتفكير في السعادة خلال الآونة الحالية، وعدم الاكتراث بما يحمله المستقبل، كل هذه العوامل المجتمعة تشكل الصورة القاتمة لواقع اللاعبين البرازيليين، والخوف من تكرار مأساة جارنشيا. وربما يحاول اللاعب البرازيلي تعويض سنوات الحرمان التي عاشها في السابق والتمرد على الذكريات الأليمة من خلال الصرف بلا حساب، ودون مراعاة لما ينتظره من سنوات صعبة في أعقاب الاعتزال، عندما تنقطع مصادر الدخل، وعندما تبدأ الحسابات البنكية في التناقص التدريجي، والانتقال من قمة الهرم في الحياة الاجتماعية الباذخة والمترفة والشعبية الكبرى ليصبح الوقت حان لحياة مختلفة وسقوط أكبر. سوء الإدارة المالية التي عانى منها جارنشيا في السابق، ليست جزءاً من الماضي ولكنها تشكل ظاهرة في الحاضر أيضاً وكأن اللاعبين البرازيليين لا يجيدون قراءة التاريخ، والاستفادة من تجارب السابقين، ولعل النجم السابق روماريو يشكل مثالاً لهذه الحالة فقد عانى من الإفلاس خلال فترة سابقة وتم بيع ممتلكاته في المزاد العلني بقرار من المحكمة لتسوية ديونه. هذه المشاكل لا تحدث في البرازيل فقط، ولكنها تعتبر ظاهرة سلبية تشمل اللاعبين والرياضيين في الكثير من دول العالم، في ظل غيابة الثقافة والوعي، وللحصول على فكرة أشمل، فقد قالت إحدى الدراسات التي أجريت في عام 2009 من قبل إحدى الشركات الأميركية أن 78% من اللاعبين في الدوري الأميركي لكرة القدم يعلنون إفلاسهم، أو يجدون نفسهم في مشاكل مالية عويصة بعد مرور سنتين من نهاية مشوارهم الاحترافي. ووسط هذا السيناريو المخيف تبرز العديد من النماذج الإيجابية في البرازيل، وأمثلة تعتبر جيدة تعلمت الدرس جيداً وأدركت تقلبات الزمان وهؤلاء النجوم خالفوا تلك القاعدة الثابتة. ولا تزال هناك نماذج اتخذوا طرقاً مكلفة مادياً، ولكنها حفظت لهم الحالة المادية والوضع الاجتماعي الذي كانوا يعيشونه قبل الاعتزال، من خلال الاعتماد على فرق إدارية مساعدة ومحترفة لإدارة المستقبل، والذي يدار عن طريق شركات حقيقية تحقق نتائج رابحة واستثمارات طويلة المدى عن طريق رؤية واضحة. وشيئاً فشيئاً يبدأ اللاعب البرازيلي في معرفة الفرق بين إنقاق الأموال على السيارات الفارهة واليخت باهظة الثمن، والهوايات المكلفة، وبين الاستثمار في الأعمال، وهي نظريات جديدة وأفكار مستحدثة لتوظيف المال الذي يأتي من المرتبات العالية، وأموال الرعاية والإعلانات، بغرض إيجاد مصادر أخرى للدخل لضمان حياة كريمة حتى بعد الاعتزال. مثال جيد لهؤلاء اللاعبين هو البرازيلي رونالدو والملقب بـ «الظاهرة»، وهو كذلك سواء عندما كان سابقاً داخل الملعب أو الآن وهو خارجه، والذي تمكن خلال أيامه في الملاعب من حسن إدارة أمواله وأوضاعه المادية، وبعد سنوات من النجاح والمجد الكروي، حقق خلاله كل ما يحلم به أي لاعب كرة قدم، ولعب في أكبر الأندية الأوربية، اعتزل رونالدو كرة القدم عام 2011 وبعد أن أمن نفسه ومستقبله بشكل جيد. الآن لا يحصل رونالدو على الأموال التي كان يحصدها عليها في السابق لاعباً لكرة قدم، وأحد أبرز من لمسوا كرة القدم، وكان من أعلى اللاعبين دخلاً في العالم، ولكنه لا يزال يحتفظ على عقوداً إعلانية بملايين الدولارات، والتي تمثل دخلاً جيداً للظاهرة، كما أنه يمارس التعليق على مباريات كرة القدم وسفيراً رياضياً لنادي كورنثيانز، كما أنه شريك في إحدى شركات التسويق الرياضي، وأكاديمية رياضية تضمن له غلة مادية ممتازة في نهاية المطاف. وبين الفينة والأخرى يعلن رونالدو عن استثمارات مادية متميزة ويقول إنه يوفر 80% من دخله، وهذا ما يفعله بمساعدة فريق من المستشارين الاقتصاديين يجنون الكثير من الأموال على حسابه، ولكنهم يحققون له الطريقة الأمثل للحفاظ على أمواله. ومثال آخر للاعبين البرازيليين المعتزلين الذين خططوا مسبقاً للعيش بطريقة جيدة، بعد اعتزالهم اللعب، ونجح في ذلك هو راي شقيق اللاعب الكبير سقراط، والذي اكتسب شهرته كلاعب في المنتخب البرازيلي وناديي ساو باولو وباريس سان جيرمان الفرنسي، وهو بلغة الأرقام لا يقترب مادياً من أرقام الظاهرة رونالدو، ولكنه يحقق نجاحاً ملحوظاً على كل حال. ويستثمر راي نصف دخله في سوق العقارات، ويحصل مقابل ذلك على دخل ثابت، كما يعرف عنه أنه محافظ ولا يتعامل مع الأمور التجارية التي تتضمن المخاطر، ومن هذا المنطلق، فهو يرفض الاستثمار في أسواق الأسهم. ويعتقد البرازيليون أن هذه الأمثلة والقصص يجب أن تكون دروساً حقيقية يستخلص منها النجوم البرازيليون الحاليون العظة والعبرة حتى يحسنون إدارة أموالهم وضمان مستقبلهم بعد الاعتزال حتى لا يحدث لهم ما لا يحمد عقباه ولا تتكرر مأساة جارنشيا لأي منهم. ويخصون بالذكر أبرز لاعب برازيلي في الفترة الحالية، والنجم الذي يعولون عليه لقيادة المنتخب البرازيلي إلى لقب كأس العالم الحالية، وهو الذي انتقل إلى صفوف برشلونة الإسباني مقابل صفقة مالية ضخمة، نقلت اللاعب إلى حياة مختلفة وشكلت له نقلة نوعية على صعيد الثروة التي بدأت تتسلل في حساباته البنكية. ولاعب مثل نيمار يستطيع، وهو في هذه السن الصغيرة الاعتزال والعيش بطريقة مريحة على الثروة الضخمة التي تحصل عليها خلال هذه السنوات وحتى نهاية حياته، ولكن حتى يتحقق هذا فيجب عليه أن يتعلم الكثير من الدروس. وفي العقد الحالي الذي يرتبط به نيمار مع برشلونة فهو يحصل على 15 مليون دولار سنوياً، إضافة إلى ذلك لا يجب أن ننسى عقود الرعاية والدخل الذي يحصل عليه من الحملات الإعلانية التي أبرمها مع عدة شركات، لتسويق منتجاتها الرياضية. ومع ذلك لا يبدو نيمار من اللاعبين الذين يجيدون استثمار الأموال التي يحصلون عليها، كما لا يجيد التخطيط للمستقبل، في ظل الحياة المترفة التي يعيشها بعد انتقاله إلى إقليم كتالونيا في إسبانيا، فهو يملك أسطولاً كبيراً من السيارات الفارهة غالية الثمن، ومن ضمنها سيارة بورش بانميرا محدودة كلفته قرابة نصف مليون دولار، وكذلك قام بشراء يخت يحتاج من أجل صيانته والعناية به إلى إنفاق أكثر من 150 ألف دولار سنوياً. ولا يتأخر البرازيليون عن توجيه النصائح إلى نجمهم الذهبي في الفترة الحالية، والذي يرونه مثل رونالدو في الملعب ولكنهم يريدون أن يتمتع بشيء من الحكمة في إدارة شؤونه المالية، حتى لا يكرر «مأساة جارنشيا التراجيدية»، وحتى يصنع مجداً كروياً كما فعل قبله الكثير من النجوم البرازيليين الذين يشار اليهم بالبنان وكذلك، حتى يؤمن لنفسه وضعاً مادياً يمكنه من العيش بسلام وأمان في المستقبل. (ريو دي جانيرو - الاتحاد)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©