الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غياب الصين عن الساحة العراقية

غياب الصين عن الساحة العراقية
1 يوليو 2014 01:03
بيتر فورد بكين عندما حل «لي تشانجرونج» بالعراق في شهر فبراير الماضي للعمل بإحدى محطات توليد الطاقة التي شيدتها الصين، كان كل مراده الحصول على وظيفة براتب مجز دون مشاكل، فإذا به يجد نفسه عالقاً في صراع داخلي يهدد بالانفجار والتحول إلى حرب أهلية! ومن مكانه الذي يحتمي فيه من القتال المندلع بين المتمردين المتشددين والقوات العراقية بالقرب من المحطة في ضواحي سامراء، يقول إنه يستطيع سماع صوت إطلاق النار «ليل نهار»، مضيفاً في حوار عبر الهاتف: «أنا وباقي زملائي نشعر بالكثير من القلق والتوجس بشأن سلامتنا». ولكن «لي» ليس سوى واحد فقط مما يقارب عشرة آلاف عامل صيني توافدوا على العراق في السنوات الأخيرة، حيث يعمل أغلبهم بموجب عقود مع شركات نفط صينية استثمرت كثيراً في القطاع النفطي العراقي، بل لقد أصبحت أكبر مستثمر أجنبي على أرض العراق في البلاد. ومع أن أغلب الرعايا الصينيين المتواجدين بالعراق يعملون في الجنوب ذي الغالبية الشيعية والبعيد عن أعمال العنف والقتال الجارية حالياً في المناطق التي يسيطر عليها المسلحون السُّنة، إلا أنه مع ذلك وجد «لي» نفسه، ومعه أكثر من 1200 مواطن صيني آخر عالقين في الصراع بعد التقدم السريع للمسلحين واقترابهم من محطة توليد الطاقة التي تبعد بحوالي 75 ميلاً شمال العاصمة بغداد. وأكد «لي» أن السفارة الصينية أرسلت طائرة مروحية مرتين إلى موقع المحطة، وقامت بإجلاء 35 عاملاً ونقلهم إلى مطار بغداد، كما أن حافلات جاءت لنقل العمال، غير أنه في المرة التي كانت فيها الحافلة تقل «لي» إلى المطار اعتُرض سبيلها من قبل مسلحين مجهولين وطلب منهم العودة إلى المحطة. وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، «هوا تشونينج» قد أعلنت خلال الأسبوع الماضي أن بكين «ستراقب الوضع في العراق عن كثب، وستأخذ الإجراءات اللازمة لحماية الشركات والمؤسسات والرعايا الصينيين»، ولكن حتى هذه اللحظة لم تنظم الصين أية عملية إجلاء واسعة النطاق لرعاياها، وإن كانت وسائل الإعلام الرسمية أفادت يوم الجمعة الماضي بأنها ستبدأ تلك العملية في الجو والبر معاً. بيد أن الصين، في جميع الأحوال، لا تملك قدرة كبيرة على الحركة في الساحة العراقية، ولا توجد أمامها بدائل للتدخل، وهو ما عبر عنه «ينج جانج»، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بأكاديمية العلوم الاجتماعية ببكين، قائلاً «لا تستطيع الصين حماية مصالحها في العراق»، عازياً السبب في ذلك إلى النفوذ السياسي الضعيف الذي تملكه في بلاد الرافدين وقدرتها المحدودة جداً على الضغط السياسي على الحكومة. كما أنه لا نية لها، طبعاً، في إرسال قوات مسلحة لمساعدة السلطات العراقية، ويضيف «ما شيالونج»، الصحفي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط: «على رغم المصالح الصينية القوية في العراق، ليست الصين باللاعب التقليدي في الشرق الأوسط، كما أن لديها جذور علاقة تاريخية محدودة للغاية في العراق. هذا ناهيك عن أنها الأقل تأثيراً بين جميع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن فيما يتعلق بالتطورات العراقية، ولا قدرة لها على حل المشاكل المستعصية هناك». وهذا النفوذ الغائب في العراق يجعل الصين في حِل من المطالب الدولية التي ما فتئت تحثها على لعب دور أكثر فاعلية على الساحة الدولية تماشياً مع وضعها الحالي كقوة صاعدة عالمياً. ويوضح العلاقة الصينية العراقية «هي وينبينج»، المحلل بمعهد دراسات آسيا الغربية وإفريقيا، قائلاً: «ليست الصين سوى شريك اقتصادي وتجاري، فنحن غير منخرطين في سياسة العراق، ولا علاقة لنا بشؤونه العسكرية، ما يعني أن الفوضى الحالية لا تعني كثيراً المسؤولين الصينيين». وقد اكتفت الحكومة الصينية في معرض تعليقها على الأحداث الجارية في العراق وتفاعلها معها بالتعبير عن «أملها» في أن تجري حكومة المالكي «محادثات سياسية» مع القادة السنة «للبحث عن حل سياسي». وهو الموقف ذاته الذي عبرت عنه الولايات المتحدة، وإن كانت الصين لا تتوفر على آليات تحقيق هذا الأمل وترجمته إلى واقع على الأرض. غير أن الأهم، وما يفسر عدم الانخراط الكبير للصين في الشأن العراقي، على رغم التطورات الأخيرة، أنها لا تشعر بالضغط للقيام بذلك، فشركة النفط الوطنية التابعة للدولة الصينية التي استثمرت أكثر من 5,6 مليار دولار لتطوير حقل الرميلة، وحقول أخرى، ما يجعلها أكبر مستثمر أجنبي في قطاع النفط العراقي، لا تعمل إلا في جنوب البلاد البعيد حالياً عن بؤرة الاضطرابات في شمال العراق وغربه. وحتى في حال تحقق السيناريو الأسوأ وهو تقسيم العراق فإن نطاق عمل الشركة يظل في الجنوب ذي الغالبية الشيعية، والذي من غير المتوقع أن يصله العنف، أو أن تمتد إليه أيدي مسلحي تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف باسم «داعش»، الذي يقاتل الحكومة المركزية. وعلى رغم وجود شركة صينية أخرى، هي «سينوبيك»، في منطقة كردستان، حيث انخرطت في تطوير حقول نفط هناك، إلا أن المنطقة التي تتمتع باستقلال ذاتي تحميها الميلشيات الكردية ومن المستبعد وصول المسلحين إليها. وكانت شركة الصين الوطنية قد استخرجت في العام الماضي ما يمثل ثلث إنتاجها العالمي. كما أن الصين تعتزم شراء 25 في المئة من صادرات النفط العراقي خلال السنة الجارية. ولكن على رغم كل ذلك لا يمثل النفط العراقي مصدراً أساسياً للطاقة في الصين، وحتى باعتبار العراق خامس مورد للصين في العالم، إلا أن نفطه لا يمثل سوى 10 في المئة من إجمالي واردات بكين. وهـذه النسبـة لا تشكل بدورهـا أكثـر مـن 1 في المئة من إجمالي استهلاك الصين الداخلي للطاقة الذي ما زال يعتمد اعتماداً كبيراً على الفحم الحجري. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©