السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا... هل اجتازت الأزمة؟

14 يونيو 2013 22:00
طمأن الرئيس فرانسوا أولاند مضيفه خلال الزيارة التي قام بها إلى اليابان في عطلة نهاية الأسبوع الماضي بأن أوروبا مكان آمن للاستثمار. وقال أولاند: «ما عليكم أن تفهموه هنا في اليابان هو أن الأزمة في أوروبا قد ولت». وبالفعل، فالدراما التي بدأت في عام 2009، مع أزمة ديون تطلبت حزمات إنقاذ مالي لعدد من البلدان، وأثارت شكوكاً حول ما إن كانت اليونان ستبقى في منطقة اليورو، ثم ثار مزيد من الشكوك بشأن ما إن كان المشروع بأكمله سينهار، يبدو أن هذه الدراما قد تراجعت الآن. غير أنها لم تنته بعد، وافتقارها للتشويق اليوم هو الذي ينذر، حسب العديد من المراقبين، بالمتاعب ربما في فرنسا نفسها أولاً وقبل كل شيء. فقد دخلت فرنسا في ركود خلال الربع الأول من العام؛ والبطالة تناهز 11 في المئة، في وقت لا يوجد في الأفق ما يؤشر على انخفاض قريب في معدلاتها، على رغم تعهد أولاند بخفضها بنهاية العام. وفي هذه الأثناء، تلقت فرنسا تحذيرات قوية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي يحثانها فيها على إصلاح نظامها الخاص بالمعاشات وقوانين العمل بهدف زيادة تنافسيتها الضعيفة. والأكيد أن فرنسا تعتبر أفضل حالاً بكثير من جيرانها الجنوبيين. فعلى رغم أن بطالتها ترفض التزحزح، إلا أنها ما زالت تمثل نصف المعدل الإسباني الذي يصل إلى حدود 27 في المئة. غير أن بعض المراقبين يرون أن ذلك تحديداً هو مكمن المشكلة، وأن فرنسا باتت اليوم أمام مفترق طرق. وفي هذا السياق، يقول نيكولا بوزو، وهو عالم اقتصاد ورئيس مؤسسة أستيريس الاستشارية في باريس: «ليست لدينا أزمة مثل البلدان المتوسطية، ولكن التوقعات بخصوص العام أو العامين المقبلين تشير إلى أن فرنسا يمكن أن تصبح مثل إسبانيا أو البرتغال». ولكن أولاند لم يتحدث عن طابع استعجالي -وهو ما أبرزته تصريحاته خلال عطلة نهاية الأسبوع. وتعليقاً على هذه النقطة يقول بوزو: «إن الأزمة في فرنسا ليست قوية يما يكفي. فالناس هنا يعيشون على نحو مريح إلى حد ما ولا يفهمون ضرورة التغيير»، مضيفاً، «إن نمط الحياة الفرنسية لا يمثل دافعاً للتغيير». وحسب الإحصائيات الوطنية، فإن معدل البطالة في فرنسا ارتفع إلى 10,8 في المئة خلال الربع الأول من العام، مواصلاً ارتفاعاً امتد لعامين متتاليين تقريباً. والواقع أن معدل البطالة في فرنسا يعتبر أفضل من المعدل الأوروبي في بلدان الاتحاد الأوروبي، والذي بلغ مستوى قياسياً هو 12,2 في المئة. غير أنه يوجد في الوسط بين الاقتصادات الشمالية القوية، مثل الاقتصاد الألماني، واقتصادات أوروبا الجنوبية العليلة، وقد يذهب اقتصادها في أي من الاتجاهين. وفي هذه الأثناء، حذر صندوق النقد الدولي في تقييمه السنوي الأخير من أنه بدون إصلاح اقتصادي، فإن الهوة بين فرنسا والبلدان الأوروبية الأخرى يمكن أن تزداد. وفي هذا الإطار، قال إدوارد جاردنر، مدير بعثة صندوق النقد الدولي في فرنسا: «إننا نرى مشاكل بنيوية عميقة تؤثر على إمكانية النمو في فرنسا بسبب فقدان التنافسية». كما كتبت المفوضية الأوروبية مؤخراً، في التوصيات التي توجهها إلى كل دولة، أن تكاليف العمل المرتفعة ونظام المعاشات السخي يحتاجان إلى إصلاحات عاجلة. وكتبت المفوضية تقول: «إن تنافسية فرنسا ما زالت تمثل تحدياً مهماً، مثلما يُظهر ذلك التراجع القوي لحصص أسواقها وصادراتها خلال السنوات الأخيرة». يشار هنا إلى أنه في فرنسا، حيث سن التقاعد هو الثانية والستون وحيث يبلغ أسبوع العمل 35 ساعة، من الصعب على الشركات أن تقوم بتسريح العمال، حيث غالباً ما يؤدي تسريحهم إلى دعاوى قضائية طويلة. كما أن الإنفاق الاجتماعي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الخام هو الأعلى مقارنة مع أي بلد آخر في منطقة اليورو. ومؤخراً، منحت المفوضية الأوروبية فرنسا، إلى جانب بلدان أخرى، مهلة عامين إضافيين لخفض العجز إلى ما دون 3 في المئة من الناتج المحلي الخام. وقال رئيس المفوضية الأوروبية في هذا الصدد: «إن الوقت الإضافي ينبغي أن يستعمل بحكمة لمعالجة مشكلة تنافسية فرنسا الضعيفة، بعد أن عانت الشركات الفرنسية من خسارة مقلقة لتنافسيتها خلال العقد الأخير». ولكن أولاند قال إن المفوضية لا يمكنها أن «تملي» على فرنسا ما ينبغي عليها أن تفعله، على رغم أن حكومته تتطلع إلى إصلاح نظام المعاشات من أجل خفض الإنفاق، حيث من المرتقب أن تقوم لجنة ببحث هذا الموضوع خلال بضعة أيام. وقال أولاند في هذا الصدد: «في ما يتعلق بالإصلاحات الهيكلية، وخاصة إصلاحات نظام المعاشات، فإن الأمر منوط بنا نحن وحدنا -وحدنا فقط - لتحديد الطريق الأفضل لتحقيق هذا الهدف». يذكر أن النموذج الاجتماعي لفرنسا يعود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، غير أن التغيرات الديموغرافية أثقلته. فخلال عقدي الستينيات والسبعينيات، كان عدد العمال أكبر من عدد المتقاعدين. ولكن «بحلول التسعينيات، انقلب الوضع كلياً»، كما يقول ألكسندر كاتب، أستاذ العلوم الاقتصادية بمعهد الدراسات السياسية في باريس. غير أن الفرنسيين يخافون من تغير كبير لنظامهم، يقول كاتب. وعلى سبيل المثال، فعندما حاول رؤساء الدفع ببعض الإصلاحات الاجتماعية في الماضي، خرج الفرنسيون إلى الشوارع للاحتجاج. وعندما رفع سلف أولاند، الرئيس السابق ساركوزي، سن التقاعد من 60 إلى 62 في عام 2010، احتج مئات الآلاف من الفرنسيين على هذا القرار. ويقول كاتب: «إن الناس ما زالت لديهم ذكريات العصر الذهبي، عندما كانت المزايا تزداد سنة بعد أخرى وكان الأطفال يعيشون على نحو أفضل»، مضيفاً «أما اليوم، فإن الناس يرون أطفالهم يعيشون حياة أسوأ مما عاشوه هم أنفسهم». ومن جانبه، يقول جان تيشو، مدير مركز كارنيجي أوروبا في بروكسل إن «الزعماء الفرنسيين على اليسار وعلى اليمين، وفي كل من القطاعين الاقتصادي والحكومي، يدركون أن فرنسا في حاجة إلى إصلاح جذري». ويضيف: «غير أن هذا النوع من القناعات لا يجد له مقابلاً بين الجمهور الواسع»، وأكثر من هذا أن «الرئيس أضعف من أن يقوم بتعبئة القوى المطلوبة». سارة ميلر لانا باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©