الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العالم الحق يبدأ بنفسه

العالم الحق يبدأ بنفسه
16 يونيو 2011 22:35
حقاً أن العلماء هم أهل الخشية لله تعالى. نظروا فيما علموا فأورثهم ذلك مهابة لعزة الله وجلاله، ولا أقصد بالعلماء هنا علماء الشرع والدين فحسب، وإنما كافة العلماء في كافة المجالات، وإنما كان العلماء بهذه المثابة لأنهم رأوا الناس في الورع عن ما حرم الله على أصناف أربعة: الأول صنف يحترز عن الحرام الظاهر، والثانى صنف يتورع فيه الصالحون بالتوقى عن الشبهات، والثالث صنف من أهل التقوى قد يتركون الحلال المحض خشية أن يجره فعله إلى الحرام كما هو الحال في الإغراق في المباحات، ففى الأثر «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذراً مما به بأس»، وأما الصنف الرابع فهم قوم أعرضوا عما سوى الله تعالى خوفاً من صرف ساعة من العمر فيما لا يفيد زيادة في القرب من الله . وإذا كان الحق سبحانه لا يكلف الناس إلا وفق الوسع والطاقة فإن العلماء إنما يتعرضون للصنف الأول، أما سائر الصنوف والأنواع فالناس فيها إما ظالم لنفسه، وإما مقتصد، وإما سابق بالخيرات بإذن الله، وفى كل الأحوال «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» والعالم عندما يجول بخاطره في ملكوت ربه ومولاه يوقن أن للبارى سبحانه في كل وقت حقين: الأول حق الوقت، والثانى حق الوقت ذاته، فالحقوق التي هى في الأوقات يمكن قضاؤها، أما الحقوق المتعلقة بذات الوقت فهيهات أن يقضيها الإنسان، لأن الوقت متى فات لا يعود. ومن نافلة القول إن نقرر أن العلوم التي تتصل بالآخرة منها ما هو وجدانى يُصدق الإحساس به والتذوق له، ومنها ما يتصل بالمعرفة والمعاملة بعد الوقوف على أحوال القلب الذى يطلب صاحبه من ربه له الثبات والقرار فيدعو بما دعا به النبى صلى الله عليه وسلم بقوله»يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك ومحبتك» . ومعرفة الإنسان لذلك من نفسه فرض عين لأن من البديهى أن نقول إن من لا يعرف نفسه جدير بألا يعرف غيره، وصدق الله سبحانه إذ يقول «وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ». ومن ثم رأينا فقهاء الأمة على رأس العباد الزهاد العالمين بعلوم الآخرة، إضافة إلى ما رزقوا من فهم في مصالح الخلق في الدنيا، يريدون بعلمهم وما فقهوا وجه الله سبحانه، ومن ثم كان قول الإمام الشافعى «كتب حكيم إلى حكيم يقول: قد أوتيت علماً فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب فتبقى في ظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم، ولا أضر على العالم من فتنة العجب والرياء، تلك الفتنة التى عقدها الهوى حيال أبصار قلوب العلماء فنظروا إليها بسوء اختيار النفوس، فأحبطت أعمالهم، ولقد أدرك سلفنا ذلك حتى ورد عنهم قولهم «وددنا لو أن الناس اطلعوا على ما كتبناه ولم ينسوه لنا، لينتفعوا بما هو مسطور دون أن يشتغلوا بمن سطره»، من هذا المنطلق أيقن سلفنا الصالح أن العلم النافع عبادة للقلب، وصلاة السر، وقربة الباطن إلى ملكوت الله تعالى «ولأن يهدي الله بك إنساناً واحداً خير لك من حمر النعم» وأدركوا كذلك أن طلب الحجة والبرهان لا يقع إلا من لب يدرك، وقلب يعى. فقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه «قسم ظهري رجلان: عالم متهتك، وجاهل متنسك». وقال الخليل بن أحمد الرجال أربعة: رجل يدري، ويدري أنه يدري فذلك عالم فاتبعوه. ورجل يدري، ولا يدري أنه يدري فذلك نائم فأيقظوه. ورجل لا يدري، ويدري أنه لا يدري فذلك مسترشد فأرشدوه. ورجل لا يدري ، ولا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه. ومن ثم كان لزاماً على العالم الحق أن يبدأ بنفسه قبل أن يطالب غيره. فقد ورد في الأثر أن الله تعالى قال مخاطباً المسيح عليه السلام «يا ابن مريم عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني». من أجل ذلك كان القول والعمل وجهان لعملة واحدة في الإسلام، لا يتصور مسلم بدونهما، فكيف يكون الحال بالعلماء وهم أهل الخشية من الله. يقول سبحانه «يَأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ» (التوبة 119). ويقول سبحانه «يَأ يُهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ» (الصف 2-3). وما أجمل قول القائل: يا أيها الرجل المعــلم غيـــره هلا لنفسك كان ذا التعليــم تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا كي ما يصحون به وأنت سـقيم فابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهيت عنه وأنت حكيـم من أجل ذلك كان العالم العامل هو الذي ينظر إلى ملكوت الله فلا يلتفت إلى أحد سواه مراقباً إياه في القول والعمل، والسر والعلن. د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©