الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما عند الله لا يضيع

ما عند الله لا يضيع
16 يونيو 2011 22:33
أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (قال رجلٌ: لأتَصدَّقنَّ بصدقة، فخرجَ بصدقتِه فوضعَها في يدِ سارقٍ، فأصبحوا يتحدَّثونَ: تُصُدِّقَ على سارقٍ، فقال: اللهم لكَ الحمدُ، لأتَصدَّقنَّ بصدقةٍ، فخرج بصدَقتهِ فوضَعَها في يدِ زانيةٍ، فأصبحوا يتحدَّثون: تُصُدِّقَ الليلةَ على زانية، فقال: اللهم لكَ الحمدُ، على زانيةٍ، لأتَصدَّقنَّ بصدقةٍ، فخرَج بصدقتهِ فوضَعها في يدَىْ غَنيٍّ، فأصبحوا يتحدَّثون: تُصُدِّقَ على غنيٍّ، فقال: اللهم لكَ الحمدُ، على سارقٍ، وعلى زانيةٍ، وعلى غنيٍّ، فأُتَى فقيلَ له: أما صدقتُك على سارق فلعلَّهُ أن يستَعِفَّ عن سرِقتِه، وأما الزانيةُ فلعلَّها أن تستِعفَّ عن زِناها، وأما الغنيُّ فلعلَّه أن يَعتبِر، فيُنفقُ مما أعطاهُ الله)، (أخرجه البخاري). هذا الحديث حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الزكاة، باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم. ونستفيد من هذا الحديث ثبوت الثواب في الصدقة وإن كان الآخذ فاسقًا أو غنياً ما دامت النية خالصة لوجه الله، وهذا في صدقة التطوع، وأما الزكاة فلا يجزي دفعها إلى غني. لقد حثَّ القرآن الكريم على الصدقة ووعد بالثواب الجزيل على فعلها، وضاعف الجزاء للمنفقين حتى تتحرك نفوس الأغنياء بالصدقة على الفقراء، لقوله- صلى الله عليه وسلم-: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفا)، (أخرجه مسلم)، فعندئذ يتلاحم المجتمع وتسود المودة بين أبنائه وتعم العدالة والمحبة، لأن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضها، حيث رغّب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ذلك فقال: (من نفَّس عن مؤمن كربة نفَّس الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن أطعم جائعاً أطعمه الله من ثمار الجنة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه)، (أخرجه البخاري). ومن المعلوم أن أصحاب الرسول- صلى الله عليه وسلم- كانوا يتحرون أفضل أنواع الطاعات وأعظمها عند الله أجرًا، ولا يأبون أن يسألوا الرسول عنها ليتقربوا بها إلى الله، وينالوا الدرجات العلا، فسأله أحدهم عن أكثر الصدقات أجرًا، فقال له- عليه الصلاة والسلام-: (أن تصدق وأنت صحيح، حريص (وفي رواية شحيح)، تأمل الغنى، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان)، (أخرجه البخاري). إن الصدقة ثمرة نافعة وتجارة رابحة يضاعفها الله وينميها ويباركها، قال تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، (سورة البقرة، الآية 261). إنَّ الصدقات والزكوات ليست سبباً في قلة المال، ولا تنقصه، إنّما هي سبب في وجود خلف لها بعد خروجها كما جاء في الحديث (ما نقص مال من صدقة)، (أخرجه أحمد)، وفي ذلك يقول عليه السلام: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: «اللهم أعط ممسكاً تلفاً»)، (أخرجه البخاري). ولو ألقينا نظرة إلى الواقع لرأينا أنَّ أهل الصدقات والجود يبارك الله لهم في أهلهم وأموالهم، فالمسلمون يخرجون زكاة أموالهم طهرة لها ولأنفسهم، كما في قول الله تعالى لنبيه- صلى الله عليه وسلم-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بها} (سورة التوبة، الآية 103)، فالصدقة طهرة ونماء وبركة، {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، (سورة سبأ، الآية 39)، بينما نرى العكس عند مانعي الزكاة حيث الكساد التجاري والأمراض والأوبئة في أنفسهم وأموالهم، ولو أنَّه سبحانه وتعالى يمتِّعهم إلى حين ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، فهل أَمِنَ أولئك وعيد ربهم؟ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}، (سورة التوبة، الآيتان (34 - 35)، وهل نسي أولئك قول نبينا- صلى الله عليه وسلم-؟: (من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته، مُثّل له مالُه يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان، يطوّقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه- يعني شدقيه- ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلا قول الله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، (سورة آل عمران، الآية 180)، (أخرجه البخاري). إن الصدقة عمل جميل، وفيه تقرُّب إلى الله عزَّ وجلَّ، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}، (سورة التوبة، الآية 103)، كما أنها فريضة فرضها الله على القادرين، حيث قال- صلى الله عليه وسلم- لمعاذ حين أرسله إلى اليمن: (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وتردُّ على فقرائهم)، (أخرجه مسلم)، كما وورد أن الرّسول- صلّى الله عليه وسلم- قال: (حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع)، (ذكره السيوطي في الجامع الصغير)، فجميل أن يخصِّص الأغنياء شيئاً من أموالهم للفقراء لرعاية أسر الأيتام، وذلك بتقديم مساعدات شهرية للمساكين والمعوزين، لطلاب المدارس والمعاهد والجامعات بدفع أقساط مدرسية عنهم، وللمرضى بدفع التأمين الصحي، ودفع ثمن الكهرباء والماء عمن لا عائل لهم: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} (سورة الطلاق، الآيتان 2 - 3). ونحن هنا نرى من الواجب علينا أن نشيد بالدور الإنساني الكبير لدولة الإمارات العربية المتحدة قيادة وحكومة وشعباً في دعمها اللامحدود لأعمال الخير والبر في دول العالم أجمع، فعلى صعيد دولة الإمارات نرى المشاريع الخيرية والنهضة الحضارية في شتى المجالات، حيث يعيش المواطنون والمقيمون حياة كريمة آمنة مطمئنة، لأن الاضطراب الاقتصادي يورث الأخلاق اضطراباً شنيعاً، بل يجعل الأجيال المتعاقبة تتوارث أنواعاً شتى، من أخبث الأمراض النفسية، والآفات العقلية الوخيمة النتائج، البعيدة الأخطار، بل إن الاضطراب الاقتصادي في أحوال كثيرة جداً قد يكون السبب الأوحد في نشوء الرذيلة وشيوعها. لذلك فإن القيادة الرشيدة في الدولة حريصة على إقامة كل ما يخدم المواطن من مشاريع إسكانية واقتصادية وتعليمية وصحية وثقافية، فمن جامعات شامخة، إلى مستشفيات راقية، إلى مؤسسات اقتصادية رائدة، إلى مشاريع إسكانية ناجحة، تخدم جميع شرائح المجتمع، إلى مؤسسات تُعنى بالمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، إلى دعم للموهوبين، إلى تكريم للناجحين والمتفوقين، وقبل ذلك كله الاهتمام بالإنسان ديناً وعلماً وخُلُقاً، وما مسابقات القرآن الكريم والسنة النبوية والنهضة الدينية والعلمية إلا دليل واضح على ذلك، فجزاهم الله خير الجزاء. وعلى المستوى الفلسطيني نرى المشاريع الخيرية التي تقوم بها دولة الإمارات ومؤسساتها مثل هيئة الهلال الأحمر، ومؤسسة زايد للأعمال الخيرية، ومؤسسة خليفة للأعمال الخيرية، ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية، وجمعية دار البر ومئات الجمعيات، والعشرات من الخيّرين من أبناء الدولة الأكارم الذين يقيمون المشاريع الخيرية والإسكانية، والتعليمية والصحية، ورعاية الأيتام وأبناء الشهداء والفقراء، وما مدينة الشيخ زايد ومدينة الشيخ خليفة عنا ببعيد، وما إعمار مخيم جنين عنا ببعيد، وما مستشفى زايد في رام الله عنا ببعيد، وما إقامة المساكن والمساجد في القدس وضواحيها عنا ببعيد، وهذا الخير ممتد في العالم العربي والإسلامي، بل وإلى كل محتاج في العالم أجمع فجزاهم الله خير الجزاء. إن هذا يدل دلالة واضحة على أن الخير موجود في هذه الأمة المجيدة إلى يوم القيامة، لن تهزه عواصف هوجاء ولا رياح عاتية. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©