السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجارب الشرعيات

تجارب الشرعيات
14 يونيو 2012
يذكر المفكر رضوان السيد في مقدمته لكتاب “الأمة والجماعة والسلطة” الذي يعاد طبعه للمرة الخامسة، أنه أراد دراسة حوارية النص الإسلامي والتاريخ في مجال السياسة، والواقع أن الأحداث أو الواقعات المكونة للتاريخ الإسلامي كما نعرفه هي حدث النبوة وحدث الأمة وحدث الدولة، وفي حين سلم الجميع بأن هدف الحدث الأول كان إقامة الأمة فان اختلافا بارزا وقع بشأن الحدث الثالث فقد اعتبر المؤرخون أن النبوة هي التي انشأت الدولة كما أنشأت الأمة، بل إن البعض تصور أن الأمة ما كانت لتكتمل شروط قيامها وسوادها لولا قيام الدولة.. وفي بحثه الأول “من الشعوب والقبائل إلى الأمة” يكتفي المؤلف بقراءة هذا الجانب من رؤية القرآن الكريم للعالم ولوظائف ما يسميه: الجذر الإبراهيمي ـ المحمدي فيه، كما يقرأ البعد الاجتماعي السياسي للأمة والتي عهد إليها بإحقاق الرؤية العالمية للقرآن والنبوة، وهذا الفصل هو من أوحى له بعنوان الكتاب “الأمة والجماعة والسلطة”، ذلك لأنه أراد فيه الجمع بين ثلاثة أمور افترض أنها تتحاور وتتجاور في التاريخ: النص والبيئات المحيطة ثم تجربة الجماعة معها وبينها وفيها، وجاءت الدراسات الأخرى في الكتاب بمثابة ايضاحات وشروحات على هذه النقطة. جدليات الشرعية في المبحث الثاني من الكتاب يتحدث السيد عن جدليات العلاقة بين النوذجين السياسيين الفارسي القديم والإسلامي الوسيط والصراع الذي على النموذج ضمن نخب الدولة الإسلامية، فكان هناك أنصار للنموذج اليوناني القديم وآخرون نصروا النموذج الفارسي، وكانت الغلبة في التقليد السياسي الديواني والأخلاقي للنموذج الفارسي، ويوضح المفكر رضوان السيد في هذا الفصل ما تبين له بأنه رغم التداخل الشديد والتشابه في الخطابات وفي تسيير بعض المؤسسات فان افتراقا عميقا ظل قائما بين المنظومتين بدليل اختلاف مصائر كل منهما اختلافا شاسعا. وفي المبحث الثالث في الكتاب يقرأ المؤلف مسألة شديدة الخطورة هي الشرعية في الاجتماع السياسي والبشري، وقد استنتج من النصوص والخطابات في القرنين الأولين أن الشرعية التأسيسية كانت قائمة في الأمة وليس في النظام السياسي، وعمادها ثلاثة أمور: وحدة الجماعة ووحدة الدار ووحدة السلطة، وقد كان هناك عمل إيديولوجي كثيف لتحديد معنى الجماعة ووحدتها بين علماء الكلام، ولم يؤدِ ذلك إلى نتيجة بل أسهم في زيادة الخلاف والافتراق، ولذا توارى علماء الكلام غالبا لصالح الفقهاء الذين رأوا الأخذ بالإسلام الظاهر والرحابة العقدية، ومنذ مطلع القرن الثاني ظهرت مثلا منظومة الدارين دار الإسلام ودار الكفر أو الحرب، وقد حاول المتكلمون والفقهاء تحديد دار الإسلام بطريق السلب أي ما ليس كفرا وحربا، وهذا لم يستمر طويلا على كل حال فتغيرت المفاهيم وصارت دار الإسلام تلك هي التي تسود فيها أحكامه... أو إن أكثرية الناس فيها من المسلمين مهما تعددت السلطات. العقل والنقل وفي المبحث الرابع يناقش رضوان السيد ثلاثية العقل والنقل والتجربة التاريخية في الفكر السياسي العربي الإسلامي عبر أربع مسائل، منها مقولة واصل بن عطاء في نظرية المعرفة وأنها تقوم على الكتاب الناطق والخبر المجمع عليه وحجة العقل والإجماع، ومقولة الأمة التي تتجاوز مكوناتها من الشعوب والقبائل عن طريق التعارف، وأطروحة الدولة في مواجهة الأمة كما ظهرت أيام الأمويين، ولقد أراد السيد من خلال هذا التأمل قيادة الأمور إلى أقاصيها للتوصل إلى أهمية تأمل التجربة التاريخية من اجل الفهم وكيفية اجتراح الحلول لكبريات المسائل. وفي الفصل الخامس يستمر رضوان السيد وتحت عنوان “العقل والدولة في الإسلام” في دراسة مفاهيم الاجتماع البشري والعقل والتدبير لدى الفلاسفة والفقهاء، وكان الفلاسفة يعتبرون العقل جوهرا فردا آتيا من خارج الإنسان لتدبيره وإذا كان ذلك يحدث أيضا على مستوى الأفراد فانه يحدث أيضا على مستوى الدولة بماهي عقل الأمة ومناط تدبيرها، أما الفقهاء مثل احمد بن حنبل والمحاسبي فقد اعتبروا العقل غريزة شائعة في الناس وهم يتساوون فيها وهي آتية من داخلهم افرادا وجماعات، وهكذا فإن العقل التدبيري شائع في الأفراد والناس كما هو شائع في المجتمعات والدول، فالمجتمعات يدبرها الناس وكذلك الدول. ويلاحظ السيد من خلال قراءته في رسائل العقل لدى الفلاسفة لكتابة بحث العقل والدولة أن الفلاسفة الإسلاميين مثل الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد ليسوا بالأغراب عن البيئات الإسلامية التي ينبذهم فيها النقليون، وهكذا فقد أقبل على قراءة النموذج لهذا التشابك والاختلاط وهو نموذج ابن سينا الذي يقيم كتبه على نهج فلسفي كلاسيكي موروث يستعير كثيرا من الفقهاء ومن المتكلمين، فالإطار فلسفي لكن المضامين والتفاصيل فيها الكثير من تراث النقليين وأهل العقل العملي من الفقهاء، وهكذا فالحديث عن مناهج متباينة أو عقول ثلاثة سادت في الحضارة الإسلامية هو أمر تبسيطي وغير دقيق. ويريد السيد في الفصل الأخير تحت عنوان “السلطة والمعرفة” اختبار مقولة فوكو المشهورة في ضوء نصوص الفكر السياسي الإسلامي، وقد وجد بعد تأمل أن هذا المنهج في القراءة لا يصلح لدراسة علاقة الثقافة بالسلطة في المجال الإسلامي الوسيط. ويقول رضوان السيد في مقدمة الكتاب أن كتابه هذا “الأمة والجماعة والسلطة”: ليس أول كتاب له وحسب بل كان الكتاب الذي تأملت فيه مسألة الأمة من خلال حوارية المثلث المعروف العقل والنقل، والتجربة التاريخية. وقد اشتهر الكتاب كما يذكر رضوان السيد وسطا عليه العديدون، وظل هذا المنهج بالغ التأثير عليه بسبب تجربة النجاح التي لقيها. ويشير في آخر مقدمته إلى أن الكتب مثل الأفراد تجارب وحظوظ، وها هو الكتاب ينشر للمرة الخامسة إنما في زمن آخر له شروطه وظروفه واشكالياته. هذا الكتاب يطرح عموما فكرة التجربة الإسلامية الوسيطة من خلال تاريخ مفهومي أو تاريخ ثقافي أو الأمران معا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©