السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أيديولوجية التهميش

أيديولوجية التهميش
14 يونيو 2012
هناك تساؤلات متكررة ومنذ عقود بعيدة، عن أصول الحجاب في التاريخ، متى بدأ، ولماذا، وماهي الشروط الاجتماعية والسياسية والثقافية والتاريخية التي حكمت على المرأة ارتداء الحجاب؟ مع اشتداد أهمية مسألة الحجاب في أوروبا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، انطلق مؤلف كتاب “الحجاب في التاريخ” الدكتور أيوب أبو ديّة في إعادة النظر في مسألة الحجاب، مبتدئا من المجتمعات البدائية صعوداً تاريخياً حتى وصل الى بلاد ما بين النهرين خلال الألفية الرابعة قبل الميلاد، وما تبعها من حضارات أشورية وبابلية. يقول المؤلف أنه بحث في أصل الحجاب في حضارة مصر القديمة منذ الألفية الثالثة، وما كان يقابلها في تلك الفترة من حضارات آسيوية، وصولاً الى الحضارة الإغريقية ابتداء من القرن الخامس ق. م. ولغاية هيمنة الحضارة الرومانية ودخولها في المسيحية فيما بعد في زمن الملك قسطنطين. سومر والآشوريين فإنطلاقاً من المجتمعات البدائية صعوداً حتى بلاد ما بين النهرين خلال الألفية الرابعة ق. م. بحث المؤلف عن جذور الحجاب في حضارة سومر، حيث وجد شعر النساء لديهم متموجاً ومزيناً بعمامة مدورة تشبه العصبة السميكة. تشق طريقها صوب تاريخ المرأة بارتباطها مع الحجاب، ولكن العصبة كانت تعبيراً مختلفاً عما يراد بها اليوم، فآلهة الشمس البابلية تبدو وشعر رأسها منسق تطوقه العصبة، ولقد استعملت لتجميل الشعر في تلك الفترة من التاريخ القديم. هنا اعتبر المؤلف انه قد اقترب من غطاء الرأس حيث كانت البداية في إحكام الغطاء حول الشعر. ثم جاء سرجون الأول وقهر السومريين ولكنه أبقى على أخلاقيات الشعوب المغلوبة وممارستها الطقوسية، وأخيراً جاء حمورابي وسن الشرائع التي اعطت حقوقاً كثيرة للمرأة. وقد تطور فن تصفيف الشعر مع سيطرة الأكديين وتميز لباس رأس المرأة البابلية بكونه غير معقد الزينة، كما تمتعت بحرية اجتماعية تامة في تلك الفترة الذهبية من تاريخها القديم. ومن اللافت عند الآشوريين ان ظهور المرأة كان نادراً، فإذا خرجت كان حجابها يصنّف الطبقة التي تنتمي اليها، فالملكة تلبس التاج، أما الوصيفات وحاشية الملكات فكن يبدين مجردات من زينة الشعر ويكتفين بتصفيفة مألوفة لشعرهن. أما النسوة الأحرار فكن يرتدين عباءة تسفر عن الوجه فقط. وذلك عند الخروج، فيما فرض على الإماء السفور، لتمييزهن عن النسوة من الحرائر. لذلك يمكن القول إن وظيفة الحجاب كانت بغرض التصنيف الطبقي للنساء. ويقول المؤلف ايضاً بأن الاحتلال الأشوري فرض في مناطق شاسعة من بلاد ما بين النهرين والهلال الخصيب على النساء البقاء أسيرات في بيوتهن، فلم يسمح لهن بالخروج بغير حجاب. وهذه الحقبة بحسب بحث المؤلف من التاريخ قريبة من دخول بلاد الإغريق في عهد أشعار هومر بداية حقبة الحضارة الانسانية وسيادة النظام الأبوي. كان الحجاب إلزاماً على النساء الحرائر في آشور حوالي القرن الثاني عشر قبل الميلاد، أما النساء الآخريات من الإماء والسيئات الصيت فكنّ يمنعهن من ارتداء الحجاب تحت طائلة عقوبات شديدة. ويقول ايضاً ان ليس هناك علم الى اي مدى كان للعبرانيين تأثير على مجرى الأحداث فيما بعد؛ فهناك رواية في التوراة عن لبس المومسات غطاء على الوجه. البابليون والفراعنة أما عند البابليين فقد أصبحت الأمور أكثر وضوحاً؛ فآلهة الأمومة (مامي)، هي الأرض والتربة الخصبة، وما يعادلها عند الكنعانيين (عشيرة). كانت الأرض هي الأم ومركز الحياة الروحية والعبادة، وهذه الاعتقادات كانت سائدة عند حضارات الهنود الحمر في جنوب أميركا. لقد استردت النسوة أهميتهن التاريخية من جديد مع انهيار الحكم العسكري الأشوري. ايضاً وفي حضارة مصر القديمة يذكر المؤلف عندما قام هيرودوت، المؤرخ والرحالة اليوناني، بزيارة مصر في القرن الخامس ق. م. اندهش من حياة المرأة العصرية وتحررها واختلاطها بالناس. ومن يقرأ المنقوشات الفرعونية التي كتبت عام 2800 ق. م. يندهش من الحقوق التي كانت تتمتع بها المرأة المصرية، عن تقلص دور المرأة وانحسار نفوذها والتعصب ضدها إلا عندما غزا الهكسوس مصر وأدخلوا التقاليد الأبوية إليها، فيما أشاعوا الرعب والخوف وعدم الاستقرار في ارجاء مصر كافة. فعندما شاع الغزو والحرب في المجتمعات البشرية حدث تغير جوهري على صعيد الدور الاجتماعي للمرأة. فقد كان الغزو يوفر الغنائم الضخمة بأقل جهد ممكن، وبالمقابل صار على المجتمعات المسالمة أن تدافع عن نفسها، فأصبح كل المجتمع الذي يتعرض للغزو في حاجة ماسة الى التكاثر السريع، في صراع من أجل البقاء، من جهة، وتطوير أسلحته المادية والمعنوية من ناحية أخرى، وقد دفعه ذلك للاهتمام بتكاثر جنسه، من صنف الذكور تحديداً، فبدأ دور المرأة يضمحل منذ ذلك التاريخ. وفي ظل وجود الهكسوس في مصر، والخوف منهم، بدأت المرأة تتحجب خوفاً من الاعتداء عليها. وعندما انتصر رمسيس الثالث افتخر بانتصاره، وباستتباب الأمن، فأصبح بإمكان المرأة أن ترفع قناعها بلا خوف ولا وجل. آسيا واليونان أما في الحضارات الآسيوية لم يكن للمرأة الصينية حقوق، ولم تكن المرأة الهندوسية أفضل حظاً، فلقد عرفت المرأة الهندوسية الحجاب حوالي القرن الرابع ق. م. ويأتي الدليل من أحد النصوص الأدبية التي يأمر فيها الملك “راما” زوجته “سيا” أن ترفع حجابها حتى تراها الحشود المجتمعة أمام قصره. فلا مشكلة من رؤية وجه النسوة عند التضحية (أثناء العبادة)، وفي أثناء حفلات الزفاف، أو أثناء وقوع المصيبة أو عندما يكن في الغابات، وذلك حفاظاً على حياتهن وطلباً لوضوح الرؤية. ويشير المؤلف الى أن الكثيرين من الذين كتبوا عن الحجاب نجدهم يستشهدون بأثينا التي انتجت الفكر الانساني العظيم وظلت تحبس المرأة وتحجبها لفترة طويلة. ولكن الحقيقة هي أن ذلك الاضطهاد كان في الفترة المتأخرة التي لا تمثل مثالاً على نضوج أثينا. ولكن مع تدهور الحضارة عند الاغريق ظل الحجاب مفروضاً على النساء الحرائر، ورفع فقط عن الإماء والبغايا. خلاصة القول إن المرأة الأثينية كانت تخرج إلى الشارع العام محجبة تعلن للناس أنها أملاك خاصة لا يجوز التحرش بها أو الاعتداء عليها. وفي الحضارة الرومانية حصلت المرأة على بعض حريتها، وهو تطور طبيعي رأينا إرهاصاته في فكر أفلاطون الذي عبر عن قمة الابداع الاغريقي في الفكر الانساني. ..والعهد المسيحي أما في المسيحية فقد كان هناك عقاب لمن لا تغطي شعر رأسها أثناء الصلاة ومنعت من التكلم في الكنيسة، فإن ابتغين أن يتعلمن شيئاً فليسألن رجالهن في البيت فإنه عار على النساء أن يتكلمن في الكنيسة. وهذا دليل على أن الرجل كان الطريق الى المعرفة بالناموس وطريقها الى الخلاص. من هنا نرى ان المؤلف عرض في كتابه هذا أبعاد ايديولوجية استعرضها في مواقف الحضارات المختلفة من مسألة الحجاب خلال مراحل تطورها التاريخي في الألفيات الخمس السابقة على ظهور الاسلام. وذلك للكشف عن جذور فكرة غطاء رأس المرأة ومنطوياته الفكرية في الحضارات التاريخية العظيمة التي سبقت ظهور الاسلام عند مطلع القرن السابع للميلاد، ليعطي الشأن في تأسيس لقاعدة معرفية هي مقدمة لبحث مستقبلي عن ظاهرة الحجاب في الحضارة الاسلامية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©