الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أحمد أبو سليم: اقتحمت الواقع بجلافة

أحمد أبو سليم: اقتحمت الواقع بجلافة
14 يونيو 2012
يثير الروائي الفلسطيني أحمد أبو سليم في روايته الجديدة “الحاسة صفر” حزمة من الأسئلة أغلبها نابع من تجربته الذاتية في لبنان، واستخلاصه الكثير من العبر من أحداث كان شاهدا عليها ليقدمها في قالب روائي جميل يغلب عليه الصراحة والمكاشفة، يضعه أمام الأجيال المقبلة في مرحلة انهيار الثوابت والقيم الأصيلة وانقلاب المفاهيم. وقد وصف أبو سليم نصه بأنه “مجنون جداً.. واقعي جداً، وكأنه كلمات متقاطعة، فوراء النص هناك نص آخر غير مباشر هو المقصود، حيث احتار النقّاد والقراء في تفسير شخصية عيسى ومن يكون، فهل هي أم الفدائي الذي استشهد في أغوار الأردن أم نبينا يوسف؟، أما كان يمكن أن يعود ويرمي بقميصه المسكون برائحته على وجهها ليرتد إليها البصر الذي فقدته وهي تبكيه”. في حواره مع “الاتحاد الثقافي”، يفرج أحمد أبو سليم عن بوح شاعر مقاتل خاض غمار معارك حقيقية وليس على الشاشة الفضية، أو عبر تزويق إعلامي شرب النفاق حتى الثمالة، ومن هنا يقول “سأقول الحقيقة ولن أخاف ولن أتردد في توثيق الأحداث كما وقعت واقدمها بدون ماكياج وأضعها أمام الأجيال”. وفيما يلي تفاصيل الحوار مع أحمد أبو سليم الذي صدرت له سابقاً أربعة دواوين شعرية هي “دم غريب” و”مذكرات فارس في زمن السقوط” و”البوم على بقايا سدوم” و”آنست دارا”. ? في روايتك “الحاسة صفر” الكثير من الصراحة والوضوح.. ما الذي أردت قوله؟ ? إنها رواية تحاول أن تكسر كل التابوهات الجاهزة وتلغي عملية تأليه للأشخاص وتنظر إلى النتائج بناء على معطيات الخروج الفلسطيني المتكرر الذي كان ابتعادا عن أرض فلسطين وتدعو الناس لإعادة النظر في كل المفاهيم السائدة والبدء من جديد دائماً. وحاولت قدر المستطاع أن أضع نصا خلف النص ومن هنا جاءت لعبة الكلمات المتقاطعة بقراءة ما خلف النص الذي يعطي معنى مباشراً في بعض المواقع، وإعادة قراءتها تعطي معنى مختلفاً أو داعماً للنص من خلال إسقاطات ليست فقط سياسية بل ثقافية ودينية. هناك دعوة تكون أحياناً مباشرة وأحياناً أخرى غير مباشرة للعودة إلى جذور التاريخ بقصد إسقاط مقولة حق الصهيوني في امتلاك أرض فلسطين. ومن خلال التناول حاولت كروائي ألا انظر للفلسطيني من الشرفة بل أعيش الواقع، كما هو وأقدم المخيم والثورة كما كانت بالتفاصيل اليومية لأنني بصراحة أكره البطولات الكاذبة التي تتغنى بشيء غير موجود. لا أنكر البطولات الفلسطينية أو التضحيات التي قدمها شعب فلسطين، ولكن يجب أن نضع النقاط دائما على الحروف كي نعرف حجم الحقيقة، وقد حاولت أن أظهر المخيم ليس مصنعا للأبطال الفدائيين فقط ولكن هناك المسحوق والفقير والمظلوم والخائن والبطل سيما أن الحياة اليومية التي يعيشها الفلسطينيون عبر أربعة وستين عاما في الشتات أنتجت نمطاً جديداً من الحياة المملة، ولذلك قدمت شخصيات كما يجب أن تكون في بعدها الإنساني وليس ببعدها الأسطوري. انهيار عظيم ? ربما تريد تقديم بوح ثقافي للأجيال؟ ? المثقف حارس الحقيقة وبطل الرواية شاعر، وهذا ليس عبثاً لكن أن يترك السياسي ليتحكم بمصائر البشر فهذه مشكلة كبيرة فالمثقف هو الحارس الذي يجب أن يرى الأمور على حقيقتها ويكون بمستوى الوعي الذي يؤهله لأن يوجه السياسي. ومن هذا المنطلق وردت على لسان بطل الرواية مقولة إن الشاعر حتى لو وضع في الجنة فيجب عليه أن يبحث عن عيوب حتى لو تغنى في بعض الجوانب؛ لأن وظيفة المثقف أن يرى ما لا يرى وأن يرى الأشياء على حقيقتها من جميع الزوايا، فهو يشكل الضمير في هذه الحالة فيما السياسي الذي يشكل العمل اليومي يستبيح الكثير من المسلمات من أجل الوصول لهدف معين وقد يخطئ أما المثقف فقلما يتعرض للخطأ؛ لأنه يعتمد على الاستراتيجيات والنظريات. ? كمثقف طليعي ماذا اكتشفت في رحلتك نحو الحقيقة؟ ? اكتشفت وجود انهيار عظيم وأخطاء قاتلة أدت بالشعب الفلسطيني إلى ما هو عليه الآن، والحاضر هو إفرازات لقرارات أخذت في السابق وفي مراحل مفصلية لهذا المنطلق بدأت الرواية بخروج المقاومة من عمان 1970 ولبنان 1982من بيروت وكان هذا الخطأ الأكبر الذي أدى إلى تعريب نظام كامب ديفيد. ? تقول أحمل في داخلي شاعراً متمرداً، فلماذا اتجهت صوب الرواية هل تريد هدنة من القصيدة؟ ? أعتقد أن من يتابع نشاطي الشعري يرى أنني لم اهدأ في يوم من الأيام ولم استسلم للواقع المر أو زمن الهزيمة، ودائماً هناك فئة قليلة تحاول أن تسير عكس التيار أو كما سميت في الرواية “الحرس القديم” الذي يحاول أن يحرس الأحلام التي قد تبدو للبعض في مرحلة من المراحل تفاهات، وكنت من القابضين على الجمرة، وحاولت في أمسياتي الشعرية ونشاطاتي الثقافية دائما أن أبشر بأن الثورة الفلسطينية ما زالت بخير رغم كل هذا السقوط.. دائما هناك نقطة أمل ما في مكان بعيد.. علينا الوصول إليها كي تنجلي الحقيقة. جحا والسلطان ? وردت في روايتك جملة “الدنيا فتنة سلطان” هل من إضاءة؟ ? الجملة مقتبسة من قصيدة “حوارية حجا والسلطان” لم تنشر بعد، وتستند إلى قصة جحا عندما وعده السلطان بزواج ابنته مقابل أن يقضي ليلة باردة في العراء وعندما يأتي الصباح يسأله: هل تدفأت على شيء؟ فيجيبه لا. ويسأله: القمر.. كيف أتدفأ عليه إنه بعيد.. فلا يعطيه شيئاً فيكون جحا أمام خيارين، إما أن يقول للسلطان أنت كاذب فيقطعوا رأسه أو يصادق على كلام السلطان حتى ينجو بجلده فاضطر أن يعترف بأنه تدفأ على القمر!. من هنا، جاءت كذبة السلطان فهو لا يعطي شيئاً ولا تستطيع أن تأخذ منه شيئاً؛ لأنه يرى الأمور بمنظار مختلف.. هذه خديعة كثير من المقاتلين الذين أعطوا حياتهم للثورة الفلسطينية منذ السبعينيات وعايشوا الثورة وضحوا بدمائهم، لكنهم وجدوا أنفسهم بعد أوسلو مهمشين ماديا ومعنويا وإنسانياً في الوقت الذي وصلوا لمرحلة أنهم غير قادرين على تقديم شيء، ويحتاجون لآخرين للوفاء باحتياجاتهم اليومية لمجرد أنهم معارضين لعملية السلام. ? الرواية اقتحمت الواقع الفلسطيني كما تقول، فإلى أي حد كنت موضوعيا ومحايدا؟ ? الرواية اقتحمت الواقع الفلسطيني بجلافة ووضوح وصراحة، ولم تخف شيئاً، فقد عاهدت نفسي في بداية الكتابة على ألا أتردد في كتابة أي شيء أدرك أنه حقيقة سواء عايشته أو قرأته أو من خلال تجارب الآخرين.. ولن أخاف في تقديم الحقائق كما هي وأعتقد أنه من هذا الباب أخذت الرواية الصدى الواسع في الواقع الفلسطيني خاصة بين الشباب كونها قدمت كل شيء بكل فجاجته ولم تحاول إجراء أية عمليات تجميل لأي شيء. ? شخصياتك تتكسر ونهايتها مفجعة أليست هذه صورة سوداوية على حساب الإيجابيات؟. ? إن المتتبع للمسودات الأولى يجد أن كثيراً من الشخصيات تمردت وقبل فترة قصيرة جداً كنا نناقش في ورشة عمل حول الرواية قضية إلى أي مدى استطعت السيطرة على مسار الشخصيات، واعترف هنا أنني وضعت مسارات معينة لشخصيات لم تلتزم بشيء بل في منتصف الطريق “فلتت”؛ لأنها أرادت أن تعبر عن نفسها وتخرج من الإطار وتذهب في اتجاه مغاير.. اعتقد أن جزءاً كبيراً من الأحداث كان مقرراً في ذهني ولكن قررته نفس الشخصية أثناء حركتها. وبالرغم من الأحداث ونهاية الشخصيات المفجعة، كان هناك دائماً بصيص أمل والدلالة على ذلك ان بعض الشخصيات لم تنته وان كانت غير رئيسية، لكن الواقع الآن لا يحتمل حركتها لأنها تحركت ضمن واقع الثورة الفلسطينية ونهاية الكفاح المسلح، ولكنها صمدت أو هدأت حركتها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©