الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العرب وثقافة «الحريات الرقمية»

10 سبتمبر 2010 23:05
يدافع عدد من الشخصيات العامة وقادة الرأي في العالم العربي عن ضرورة تطبيق تشريعات معينة لتنظيم مضمون واستخدامات الإعلام الرقمي. وهذه الرؤية تريد بشكل محدد تطبيق نظام يتوجب فيه على أصحاب المدونات والمواقع الإلكترونية "الإعلان" عن رغبتهم بإيجاد مدوّنة أو موقع إلكتروني قبل القيام بذلك، وإنشاء نظام جزائي معين للانتهاكات المرتكبة في الفضاء الافتراضي. وتكمن وراء هذه الإجراءات نيّة فرض الضوابط والقيود على ما يسمى بـ"الحريات الرقمية"، وخاصة أن بعض الناشطين يستفيدون من سمات العمل الناشط عبر الإنترنت لعرض آرائهم في القضايا السياسية والتغيير. وليس هناك شك في أن التدوين ساعد على ظهور صحافة المواطن في أنحاء مختلفة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي صحافة يقول أنصارها إنها نجحت في الالتفاف حول الضغوط الاجتماعية والمعوقات التي فرضتها بعض الأنظمة السياسية في المنطقة على وسائل الإعلام التقليدي من التيار الرئيس. وقد لعبت وسائل الإعلام الاجتماعي عبر السنوات الأخيرة دوراً رئيسيّاً في توسيع آفاق التعبير لدى الفرد العادي وتقديم مصادر بديلة للمعلومات لما يسمى بالإعلام "التقليدي". وقد حصل هذا التبني التدريجي لتكنولوجيا المعلومات من قبل أفراد ومجموعات على مستوى المجتمع المدني عبر سنوات قليلة، ويعود الفضل في ذلك إلى النمو المستدام في سبل الوصول إلى الإنترنت والتحسينات في البنية الأساسية للمعلومات. وإضافة إلى ذلك يمتد التعبير الحرّ والتعددي الآن إلى ما وراء المدونات ليصل إلى الشبكات الاجتماعية مثل "الفيسبوك" ومنابر المدونات بالغة الصغر مثل "التويتر" وغيرها. وأرى شخصياً أنه ليس هناك معنى منطقي أو فاعلية مضمونة للأنظمة القانونية الموجّهة فقط نحو الإعلام الرقمي، لأن التعبير على شبكة الإنترنت لا يختلف عن الأساليب التقليدية الأخرى. ولا يتطلب النشر على الإنترنت أحكاماً قانونية جديدة معينة لتعريف حدود التعبير المكتوب أو المنشور على الوسائط المتعددة. ويكفي تطبيق نفس المدونة الأخلاقية التي تنطبق على الإعلام المطبوع أو المسموع، مثل الابتعاد عن القدح والذم والتجريح. وقد يُنظَر إلى أية محاولة لتنظيم هذا النشاط على أنها هجمة ضد طيف واسع من الحريات، وخاصة حرية التعبير، في العالم الرقمي. إلا أن هذا بالضبط هو ما يفعله عدد من دول المنطقة من خلال إغلاق وحجب مواقع الإنترنت ومراقبتها، بشكل حثيث. ويعتمد التبنّي الأوسع لتكنولوجيا المعلومات والإبداع في الفضاء الرقمي على وجود فضاء حر غير مقيّد لمستخدمي الإنترنت في المنطقة. ولذا يتعين على حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن ترعى وتدعم المزيد من التبني لتكنولوجيا المعلومات والمزيد من تطوير المضمون من قبل مجال واسع من مستخدمي شبكة الإنترنت العرب. وإضافة إلى ذلك فإن مستقبل المدونات ووسائط التشبيك الاجتماعي يعتمد بشدة على نوعية المضمون الموجود على الإنترنت نفسها. ومما يؤسَف له أن مناطق الشرق الأوسط والمغرب العربي تعاني من عجز تحريري، حيث إن كمّاً قليلاً جدّاً من المضمون الأصلي من دول هذه المناطق متوافر على الشبكة العنكبوتية. وحتى يتسنى ملء هذا الفراغ ينبغي تشجيع الفنانين والكُتّاب والعلماء على نشر أعمالهم على مختلف المنتديات الرقمية مثل المدونات والمدونات بالغة الصغر والشبكات الاجتماعية. وينبغي ألا يكون العمل الناشط الرقمي أفضلية محجوزة لأصحاب المصالح والاهتمامات السياسية وناشطي المجتمع المدني. ويتعين بذل الجهود لتمكين العاملين في المجتمع المدني من النفاذ إلى الإنترنت بأعداد كبيرة. وسيشجّع تسهيل واسع النطاق لمساحات الإعلام الرقمي للمستخدمين، مع احتمالات التعبير عن أنفسهم ونشر أعمالهم، على التشارك في المضمون العلمي والأدبي والفني ونشره على نطاق واسع. ويمكن للنظام التربوي أن يلعب دوراً محرّكاً أيضاً في الترويج الدينامي لمجتمع المعلومات بدلاً من إصدار أنظمة جديدة. والخيار الأفضل هنا هو تشجيع تعليم "التعبير الرقمي" للصغار وتعليم أفضل الممارسات للنشر على الإنترنت. وبشكل موازٍ يستطيع النظام المدرسي كذلك أن يبحث في النواحي الإيجابية للمدونات والشبكات الاجتماعية لتشجيع الشباب على الاستفادة من المنتديات المتنوعة على الإنترنت وإمكاناتها في رعاية التفاعل. ويشكل تحدي إشراك مجال واسع متنوع من مستخدمي الإنترنت في نشر المعرفة على الشبكة أولوية أكبر وأهم من إعداد إطار قانوني، ستتعين، في نهاية المطاف، إعادة مراجعته على أية حال لمواكبة الاكتشافات التكنولوجيّة وظهور وسيلة جديدة للتواصل. وبكلمة أكثر إيجازاً وأوضح معنى فإن المشهد العربي على الإنترنت ليس في حاجة إلى مزيد من الأنظمة والقوانين، بل هو في حاجة إلى مزيد من الحريات والشراكة بين نسيج واسع من المستخدمين والمدوّنين المتنوعين، ممتد إلى ما وراء مجموعات الناشطين في المجتمع المدني، وبعيد عن أية محاولات توظيف أو تشويش غوغائية من قبل السياسيين المتشددين. ولا يمكن لذلك أن يحصل إلا إذا توفرت سبل الوصول إلى عدد أكبر من المساهمين والقراء بدلاً من التعامل فقط مع قلّة من المهتمين. رشيد جنكاري صحفي متخصص في تكنولوجيات المعلومات والإعلام الجديد ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©