الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكونجرس... ومسلسل لجان التحقيق

الكونجرس... ومسلسل لجان التحقيق
10 سبتمبر 2010 23:03
لم يعان الكونجرس من نقص حالات الجلد العلني هذا العام، بدءاً من حالة "توني هايوارد" رئيس شركة "بي. بي" الذي واجه استجواباً صارماً بشأن مسؤولية شركته عن أكبر كارثة بيئية في تاريخ الولايات المتحدة، وحالة "أكيو تويدوا" مسؤول شركة "تويوتا"، الذي استجوبه الكونجرس بشأن الخلل في نظام دواسات البترول في سيارات تويوتا، وحالة "لويد بلانكفاين" مسؤول "جولدمان ساكس" الذي شواه الكونجرس على الجنبين بسبب الدور الذي لعبته شركته في الكارثة المالية الأخيرة التي ضربت العالم والذي لا يزال يعاني من آثارها حتى هذه اللحظة. على الرغم من ذلك، سيكون من قبيل الخطأ الفادح الاستنتاج -من واقع هذه المشاهد العلنية- أن الكونجرس يقبض على زمام سلطاته التحقيقية والإشرافية بإحكام، بل ربما يكون العكس تماماً هو الصحيح.. فالجلسات الأكثر بروزاً التي نظمتها اللجان المهمة في الكونجرس، كانت تخلق فحسب نوعاً من الإيهام بأن الكونجرس يقوم بالدور المنوط به على الوجه الأكمل على الرغم من أن الأمر لم يكن كذلك. والحال أنه من دون متابعة جادة تلي تلك الجلسات وتقود إلى إصلاح حقيقي، فإن العديد من المشكلات الأكثر إلحاحاً بالنسبة للأمة سوف تظل بدون حل. لقد كان الكونجرس يعرف فيما مضي، كيف يحقق في حالات تتراوح ما بين التربح من وراء الحرب، إلى تجاوزات "وول ستريت" إلى تعديات الجاسوسية. وكان الكونجرس، يشكل لكل حالة من تلك الحالات، لجاناً خاصة يديرها مشرّعو قانون أكفاء، ويعمل بها عدد كاف من الموظفين، وتزود عادة بصلاحيات لاستدعاء من تريد التحقيق معهم. وقد نجحت تلك اللجان في وقتها نجاحا باهرا، في تزويد الجمهور بمعلومات قيمة، حول أنشطة الحكومة، كما كانت حافزا لإصدار تشريعات مهمة. ولكن ما يحدث الآن، وعلى نحو مطرد، أن الكونجرس قد بات أكثر ميلا لتفويض مثل تلك المهام للجان مستقلة، يتكاثر عددها على الدوام، وذلك منذ "لجنة وارين" التي كلفت بالتحقيق في مصرع الرئيس جون كنيدي في بدايات ستينيات القرن الماضي وحتى وقتنا هذا. فما يحدث اليوم هو أن الرئيس أو الكونجرس، عندما يجد كل منهما نفسه مواجها بمشكلة عويصة، فإنه عادة ما يعمل على تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق فيها، ثم ينتظر التقرير الذي تصدره اللجنة عقب الانتهاء من تلك التحقيقات، وبعد ذلك ينتهي الأمر في غالبية الأحيان بهذا التقرير إلى الحفظ في الملفات قبل أن يجد طريقه لعالم النسيان. ومما يزيد الأمر سوءاً أن المشرفين على تلك اللجان، لا يحظون بذلك القدر من الاحترام والتوقير الذي يحظى به عادة أعضاء الكونجرس، وهو ما يجعل من إمكانية الحصول على المعلومات والأدلة المطلوبة أصعب بكثير، بسبب عدم التعاون الكافي من جانب الأجهزة الفيدرالية. فمما يشار إليه في هذا المجال ما كتبه"لي هاميلتون" نائب رئيس اللجنة المكلفة بالتحقيق في وقائع الحادي عشر من سبتمبر، حول المعوقات التي اكتنفت عمل اللجنة ومنه:" لقد عانينا الأمرين في الوصول إلى الوثائق والأشخاص. لقد كنا نعرف طبيعة عمل اللجان المستقلة، وكيف تعمل وكيف تعاني، وكيف لا تجد الاهتمام الكافي... لقد كانت هناك أسباب عديدة تجعلنا ندرك أننا سنواجه أوضاعا تجعلنا نفشل حتما في تحقيق الهدف المنشود". على الرغم من ذلك، وحالات أخرى مماثلة، لا يزال الكونجرس يعهد ببعض مهامه إلى اللجان المستقلة، وآخرها اللجنة التي كلفها بالتحقيق في بقعة الزيت المتسربة من حقل"ديب ووتر" البحري، واللجنة المكلفة بالتحقيق في عمليات الحفر في أعماق البحار. هناك سوابق تاريخية عديدة، تثبت قدرة الكونجرس على تحقيق إنجازات باهرة إذا استخدم نفوذه المؤسسي والتشريعي في تشكيل لجان كفؤة قادرة على مواجهة المهمة التي يكلف بها منها على سبيل المثال لا الحصر: أولًا "لجنة ترومان"، التي كلفت بالتحقيق في شبهات أحاطت بعقود شراء الأسلحة والمعدات العسكرية في السنوات التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الثانية، والتي اكتشفت فعلا من خلال تحقيقاتها، وجود تجاوزات خطيرة بالفعل، هددت من قدرة أميركا على الحشد والتعبئة في تلك السنوات الحرجة. ثانياً، "لجنة تشيرتش" التي تم تشكيلها من قبل الكونجرس تحت رئاسة السيناتور" فرانك تشيرتش"( ديمقراطي من إيداهو) عام 1975، لإجراء تحقيق حول تجاوزات العديد من وكالات الاستخبارات الفيدرالية، واستخدامها لأنواع محرمة من الأسلحة والسموم لقتل أعدائها على الرغم من الأمر الرئاسي الصادر عام 1970 بتحريم استخدام الوسائل البيولوجية في أعمال تلك الوكالات. ثالثا: لجنة"بيكورا": في عام 1932 استعانت لجنة المصارف والعملات في الكونجرس بالنائب العام السابق لمدينة نيويورك، وهو" فيرديناند بيكورا" لإجراء تحقيق شامل حول نواحي القصور والخلل في النظام المالي الأميركي، الذي أدى إلى الكساد العظيم في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، ونجحت اللجنة التي شكلت لهذا الغرض تحت رئاسة "بيكورا" في اكتشافات تجاوزات وانتهاكات مالية خطيرة، شارك فيها بعض من كبار رجال البنوك، وكبار الموظفين الحكوميين، مما أدى لاستقالة البعض وتقديم البعض الآخر للمحاكمة. وحققت اللجنة إنجازات أخرى منها أن عملها كان هو الذي مهد الطريق لصدور قانون الأوراق المالية لعام 1933، وقانون تبادل الأوراق المالية لعام 1934 اللذين وفرا المزيد من الإشراف والحماية ضد الانتهاكات المصرفية، كما كانت أيضاً سبباً في إصدار قانون"جلاس - سيجال" الذي تم بمقتضاه الفصل بين البنوك الاستثمارية والبنوك التجارية المضمونة من قبل الحكومة. خلال العامين الماضيين، استدعت المقالات الافتتاحية لكبريات الصحف الأميركية، والبرامج الخبرية التلفازية، وأعضاء من الكونجرس، اسم "بيكورا" مرات عديدة للدعوة من أجل تشكيل لجنة تضطلع بتحقيقات جادة في الأسباب التي أدت إلى الأزمة المالية الأخيرة، ولكن تلك الدعوات لم تجد - للأسف الشديد، آذانا صاغية. ريموند سموك - المؤرخ السابق لمجلس النواب الأميركي روجر برنز - مؤرخ ونائب المدير التنفيذي لمفوضية المطبوعات التاريخية والسجلات الوطنية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©