الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رؤية «بريطانيا العالمية».. والمآل الفاشل

29 يناير 2017 20:43
كان الجميع تقريباً يتحدثون عن الاقتصاد، لكني، وطيلة حملة الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، بل وحتى في الشهور التي تلت التصويت، كنت قلقة بشأن الجغرافيا السياسية لبريطانيا، وبشأن تحالفات بريطانيا، وقلقة أيضاً من أن تؤدي مفاوضات الطلاق المطولة بين بريطانيا وأقرب شركائها الاقتصاديين والسياسيين، إلى أشكال من سوء الفهم. والحقيقة، أن كل ما كنتُ قلقةً بشأنه بدأ يتبلور أمامنا الآن. كنت أيضاً قلقة من أن تبدأ بريطانيا، على نحو بطيء، في تعريف نفسها كدولة خارج التحالف الغربي، وأن تضطر، بعد أن تصبح معزولة، للبحث عن شركاء تجاريين وسياسيين لها، لتنجرف بعيداً عن المؤسسات عبر الأطلسية، ولا يكون أمامها عندئذ سوى توثيق علاقاتها بروسيا والصين، وهما بلدان يمتلكان وجوداً قوياً في الاقتصاد البريطاني حالياً. لكني، ورغم ذلك القلق، أخفقت في تخيل ما يحدث في الواقع الآن، وتبدو ملامحه جلية، وهو أن بريطانيا المعزولة، والباحثة بلهفة عن شركاء تجاريين وسياسيين، تلقي بنفسها في أحضان دونالد ترامب الذي ينجرف بدوره بعيداً عن المؤسسات الأوروبية والأطلسية. هذا هو الوضع الذي نجد أنفسنا فيه الآن، والذي لم يكن يمثل احتمالاً وارداً لدى الكثيرين. فتريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية، وصلت إلى الولايات المتحدة هذا الأسبوع، في أول زيارة لها للبيت للأبيض تحت رئاسة ترامب، وهي مناسبة تعيد إلى الأذهان ما كان فريق ترامب الانتقالي قد قاله من أن الرئيس الأميركي يريد إبرام «صفقة» مع بريطانيا لمكافأتها على مغادرة الاتحاد الأوروبي، المغادرة التي يراها معادلاً لفوزه بالانتخابات. وسوء أكان ترامب لا يفهم السبب الذي دعا بريطانيا لمغادرة الاتحاد الأوروبي، أم لا، وسواء أكان يعرف أي شيء عن بريطانيا باستثناء امتلاكها ملاعب تنس رائعة، فذلك ليس أمراً مهماً الآن. فماي المنتشية، والتي كانت تعلم بنية ترامب، أخبرت الصحافة البريطانية بما ستقوله للحكومة الأميركية الجديدة: «بينما نحن نعيد اكتشاف ثقتنا في بعضنا بعضاً، وبينما تجددون أمتكم، ونجدد أمتنا، نجد أنه أمامنا فرصة، بل مسؤولية كبيرة، لكي نجدد علاقتنا الخاصة بهذا العصر الجديد. لدينا الفرصة لكي نقود معاً، مرة أخرى». والسؤال هنا هو: من الذين ستقودهم الولايات المتحدة وبريطانيا؟ وفي أي اتجاه؟ من المعروف أن ماي، وبعد أن أجبرها الراديكاليون في حزبها، على التخلي عن أي أمل في إقامة علاقات أوثق مع أوروبا، حاولت جاهدة من جانبها، وعلى مدى شهور، إعادة تدشين رؤية إيجابية عن بريطانيا «البريكست». وفي النهاية، عثرت على كلمة رأتها مناسبة، وهي كلمة «عالمية». ففي الأسبوع الماضي، قالت رئيسة الوزراء البريطانية، أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، إنها تؤمن بـ«بريطانيا العالمية حقاً». وهذه العبارة، حتى في السياق البريطاني، تبدو نشازاً: فإذا كانت بريطانيا حريصة حقاً على التجارة الحرة، فلماذا تترك السوق الأوروبية الواحدة؟ وإذا كانت معجبة حقاً بالنظام الدولي القائم على القواعد، فلماذا تنأى بنفسها عن الأمم التي تهتم بذلك النظام أقصى اهتمام؟ في إطار«العلاقة الخاصة» النامية حديثاً، بين الولايات المتحدة وبريطانيا، تبدو فكرة «بريطانيا العالمية» غريبة للغاية. فالرئيس الأميركي الجديد حول كلمة «العولمي» في حملته إلى إهانة. وفي خطابه الافتتاحي، تحدث ترامب عن «أميركا أولا» ووعد باتباع قاعدتين بسيطتين: شراء البضائع الأميركية، وتعيين الأميركيين. ولم يعبر ترامب عن أي اهتمام بـ«النظام العالمي القائم على القواعد»، كما أن قوله إن الولايات المتحدة كان عليها أن تسرق نفط العراق باعتباره «غنائم حرب»، يظهر بجلاء أنه لا يعرف حتى ما الذي يعنيه ذلك. بالطبع، قد تستطيع «ماي» بعد سنوات من المساومة، الحصول على صفقة في نهاية المطاف. وربما تجعل حقيقة أن بريطانيا صغيرة نسبياً، وبيضاء نسبياً، هذه الصفقة، تبدو جيدة، حتى وإن كان كثيرون يخشون من أن المحاميين التجاريين للدولة الكبيرة (الولايات المتحدة) سوف يجبرون دائماً المحاميين التجاريين للدولة الصغيرة (بريطانيا) على تقديم تنازلات مؤلمة. لكن، وبصرف النظر عما تبدو عليه هذه الصفقة، وبصرف النظر عن الوقت الذي ستتحقق فيه، فالشيء المؤكد هو أن رؤية ماي «العالمية» الأوسع نطاق، مآلها الفشل، طالما ظلت مقيدة بالرئيس الأميركي المؤيد للانعزالية والحمائية. لكن تبقى إشكالية مع ذلك: ففي كل مجال من المجالات التي يمكن تخيلها في حقلي السياسة الخارجية والاقتصاد، نجد أن آراء ماي تصطف مع بقية أوروبا على نحو أوثق من اصطفافها مع أميركا ترامب. والشيء السيئ أيضاً في هذا الصدد أنها مقيدة بحزب وسياسة يحولا بينها وبين التصرف وفقاً لهذه الحقيقة الواضحة. * كاتبة عمود في «واشنطن بوست» ومديرة برنامج التحولات الدولية في معهد ليجاتوم - لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©