الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إندونيسيا.. وأعباء الذاكرة الصعبة

2 أكتوبر 2017 23:03
خرجت جماعة مسلحة ليلاً تستهدف فض تجمع اعتقدت أنه لمتعاطفين مع الشيوعيين في ضاحية راقية في العاصمة الإندونيسية جاكرتا. ولكن حين وصلت الجماعة المسلحة إلى المكان المستهدف، علم أعضاؤها أن الحدث الذي عقد يوم 17 سبتمبر في مقر مؤسسة إندونيسية بارزة للمساعدات القانونية لم يكن إلا عرضاً فنياً. ولم يصدق أفراد الجماعة المسلحة هذا، أو ربما لم يكترثوا. وفي الساعات القليلة التالية، كانت جماعة الغوغاء المؤلفة من خليط يضم بضع مئات من الإسلاميين المتشددين وأعضاء ميليشيات قومية و«بلطجية» مأجورين مسلحين بالحجارة والهراوات تحاصر المقر، ثم حطم أفرادها النوافذ بالحجارة وهددوا الأشخاص في الداخل بالموت. واضطر أفراد الشرطة إلى تفريق الجمع بطلقات تحذيرية وقنابل مسيلة للدموع. وتعين نقل المشاركين في الحدث، ومن بينهم عدد كبير من نشطاء حقوق الإنسان إلى مكان آمن. ولم يكن ذلك الهجوم إلا واحداً من أمثلة كثيرة لتصاعد مفاجئ في العداء الهستيري للشيوعيين في إندونيسيا قبيل الذكرى السنوية، يوم 30 سبتمبر، لبداية ما يصفه مؤرخون بأنه واحدة من أسوأ العمليات الوحشية الجماعية في القرن العشرين، وهي عملية تطهير برعاية الدولة لمن اشتبه في أنهم شيوعيون أو متعاطفون معهم في عامي 1965 و1966. وقتل في عملية التطهير تلك نحو نصف مليون إندونيسي أو أكثر، كثيرون منهم لا علاقة لهم بالشيوعية أصلاً. ولكن بعد نصف قرن، فشلت الحكومة الإندونيسية وجيشها وقوات أمنها في معالجة أعباء واحد من أحلك الفصول في تاريخ البلاد. ويرى حارس أزهار، المنسق السابق لـ«لجنة المفقودين وضحايا العنف»، وهي منظمة إندونيسية غير حكومية ترصد انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الجيش والشرطة، أنه «لا يوجد قرارات أو انفراجة أو أفكار» تتعلق بكيفية معالجة المشكلة. وأضاف أن المذابح ما زالت جرحاً قديماً في وجدان الأمة و«يتعين علينا أن نمضي قدماً إلى الأمام، ولكن علينا أيضاً التخفيف من العبء بأن تكون لدينا رواية كاملة رسمية لما حدث حتى يمكننا أن نستخلص منها الدروس ثم نمضي في طريقنا». ولكن محللين يعتقدون أن الطريق إلى الأمام غير مؤكد، لأن المشرفين الرئيسيين على ما حدث ماتوا على الأرجح، وما زال عملية التصفية تلك من المحرمات، لأن الجيش والأحزاب السياسية والجماعات الإسلامية المتورطة في العنف جزء من الصفوة السياسية الحاكمة. ونفذ المذابح جنود ومدنيون مدعومون من الجيش وجماعات دينية وأخرى شبه عسكرية. وجاءت المذابح في أعقاب انتفاضة فاشلة داخل القوات المسلحة الإندونيسية. فقد خطفت جماعة يقودها ضابط ستة من جنرالات الجيش وأعدمتهم يوم 30 سبتمبر عام 1965. وفي غضون أيام سحق كبار القادة العسكريين الانتفاضة التي رأوا أنها محاولة انقلاب دبرها الحزب الشيوعي الإندونيسي صاحب النفوذ في ذلك الوقت بالعمل مع أفراد متمردين من الجيش. وفي عمليات التطهير التي تلت ذلك، وُصف الضحايا بأنهم شيوعيون يسعون إلى قلب الحكومة، ولكن كان بينهم أيضاً مثقفون وإندونيسيون من أصول صينية وأعضاء من اتحادات الطلبة ومعلمون وفنانون وغيرهم. وقد أشرف على عمليات القتل سوهارتو، جنرال الجيش الذي أصبح فيما بعد رئيساً للبلاد وقاد حكومة سلطوية مدعومة من الجيش لمدة 32 عاماً. وقد اضطر سوهارتو إلى الاستقالة عام 1998 بعد احتجاجات حاشدة مؤيدة للديمقراطية، وتوفي في عام 2008. ولكن الحزب الشيوعي ما زال محظوراً في إندونيسيا، ومازالت مناقشة مذابح عامي 1965 و1966 من المحرمات. وتعهد جوكو ويدودو، أول رئيس إندونيسي يأتي من خارج الجيش والصفوة السياسية التقليدية، في حملته الانتخابية الرئاسية عام 2014 بأن يحسم الأمر في عملية التطهير المناهضة للشيوعيين من خلال إجراء تحقيق في تلك الأحداث. ولكن بخلاف منتدى عام بشأن القضية، عُقد العام الماضي، لم تحرك حكومة «جوكو» ساكناً بشأن التحقيق في عمليات القتل الجماعية تلك. وفي هذا السياق قال «فيليم كاين»، نائب الرئيس الإقليمي في آسيا لمنظمة «هيومن رايتش ووتش» المعنية بحقوق الإنسان والتابعة للأمم المتحدة، في إشارة إلى محاصرة المعرض الفني في جاكرتا، إن «هذا الحدث وأمثاله يرسخ في الذهن حقيقة أن الحكومة الإندونيسية والعناصر القوية داخل وخارج الحكومة يعارضون بلا هوادة أي نوع من المحاسبة فيما يتعلق بوفاة مئات الآلاف». وفي إشارة إلى أنه من المتوقع أن يسعى «جوكو» إلى إعادة انتخابه في عام 2019، قال «فيليم كاين»: «إن حكومة جوكو ترى في حساباتها السياسية أن الدفاع عن ضرورة المحاسبة على أحداث عامي 1965 و1966 ربما يفتح صندوق شرور مدمراً لا يفيد اللاعبين السياسيين أصحاب النفوذ في إندونيسيا. والوقت ينفد في الأساس». وقد رفض جوهان بودي، المتحدث باسم الرئيس الإندونيسي، التعليق على الخطوات التي تتخذها الحكومة لتقدم رواية كاملة عما حدث في المذابح. والمكالمات الهاتفية والرسائل النصية لم تلق أيضاً رداً من مسؤولين في وزارة التنسيق للشؤون السياسية والقانونية والأمنية المكلفة منذ أكثر من عام بأن تقدم توصيات بشأن كيفية المحاسبة على ما ارتكب من ممارسات في تلك الأحداث الدامية. * صحفي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©