الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الناتو» والدفاع عن أوروبا

14 يونيو 2015 23:03
تنظر الحكومات الغربية إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أنه يشكل تهديداً كبيراً، وينبغي عليها أن تفعل شيئاً ما لناخبيها الذين لا يبدو أنهم ميالون لمساعدة الحلفاء إذا وقعوا في المشاكل. وهذا تعبير عن الافتقار إلى الروح التضامنية التي تنطوي على خطر أكبر بالنسبة للغرب أكثر من الغزو الخارجي. وتنص المادة الخامسة من معاهدة واشنطن التي تأسس بموجبها حلف شمالي الأطلسي «الناتو»، على أن الدول الأعضاء في الحلف اتفقت على أن «أي هجوم مسلح على واحدة أو أكثر منها في أوروبا أو أميركا الشمالية يعتبر هجوماً عليها جميعاً، وينبغي على كل دولة أن تعتبر أن مثل هذا العمل العدواني يعنيها هي، ومن الضروري أن تعمل على التصدي له». ولكن هذا لا يقتضي من تلك الدول استخدام القوات العسكرية بالضرورة حسب فهم كثيرين، بحسب ما بيّن استطلاع للرأي أنجزه «مركز بيو للدراسات» نشر يوم الأربعاء الماضي أن الناس في العديد من دول الحلف لا يحبذون استخدام القوة. وقد سُئل المشاركون في الاستطلاع عما إذا كانت بلدانهم ستلجأ إلى استخدام القوة لو دخلت روسيا في صراع مسلح مع إحدى الدول الأعضاء في «الناتو». وفي دولتين فقط هما الولايات المتحدة وكندا أجابت غالبية المشتركين بالإيجاب. وفي ثلاث دول، هي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، عارضت الغالبية استخدام القوة. وتعتبر الدرجة العالية من الالتزام الأميركي بمقررات «الناتو» من الأخبار الجيدة لشعوب بعض الدول مثل اللاتيفيين والليتوانيين والأستونيين والبولنديين. وعندما يتعلق الأمر بالإنفاق العسكري على حلف «الناتو»، تتفوق الولايات المتحدة بعشر مرات على بريطانيا التي تعد الدولة الثانية من حيث الإنفاق على الحلف. ولا يبدو من المنطقي أن تكون لدى الأميركيين الذين يعيشون على بعد بضعة آلاف الأميال عن المناطق المهددة بالحروب مواقف مشابهة لتلك التي يتبناها البولنديون مثلاً. وربما كان من الأسهل لشعبي الولايات المتحدة وكندا أن يقولا أنهما سيحاربان في ساحات معارك بعيدة على رغم أنها لا تشكل خطراً عليهم بالقدر الذي تشكله على الأوروبيين. وخلال استطلاع رأي أجراه «مركز بيو»، قال 70 في المئة من البولنديين إن روسيا تشكل الخطر العسكري الأكبر عليهم، بالمقارنة مع 49 في المئة من بقية المشاركين في الاستطلاع، في بقية شعوب دول حلف «الناتو». والتفسير المعقول لهذا الموقف هو أن الشعوب التي تعيش في الدول الأوروبية الأعضاء في «الناتو» تتملكها القناعة بأن الولايات المتحدة ستتدخل عسكرياً لو تعرض أي عضو في الحلف لهجوم. فلماذا اختار الأميركيون لأنفسهم اتخاذ هذا الموقف؟ ربما كان المقصود من هذا تعزيز التصور السائد في العالم بأن الولايات المتحدة تلعب دور الشرطي العالمي الذي يحشر أنفه في أي صراع مهما كانت طبيعته. وعلى سبيل المثال، هناك دلائل تشير إلى أن روسيا، لو أطلقت العنان لنسخة مشابهة للحرب التي أشعلتها في شرق أوكرانيا، في إحدى دول البلطيق، فليس من المؤكد أن يكون الأوروبيون مستعدين لتوبيخ موسكو. وقد قال 42 في المئة ممن شاركوا في الاستطلاع في الولايات المتحدة إنهم يعتقدون أن روسيا هي الطرف الذي يتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية انفجار العنف في أوكرانيا. وبلغت نسبة من أيدوا هذا الرأي في كل من ألمانيا وإيطاليا، 29 في المئة. وينظر معظم الأميركيين إلى حلف «الناتو» باعتباره يمثل الامتداد الطبيعي للنفوذ الأميركي داخل مجموعة من الدول التابعة لأميركا. وقد أظهر استطلاع رأي أجري العام الماضي أن معظم الأميركيين يعتقدون أن من واجب التحالف أن يقوم بحملات عسكرية خارج أوروبا والولايات المتحدة. وهناك الكثير من القرائن التي تشير إلى أن الأوروبيين لا يقيمون اهتماماً لمسألة حسن الجوار. وعندما برزت عندهم أحزاب اليمين المتطرف، وتضاءلت قدرتهم على الاتفاق على رؤى مشتركة لمشكلة الهجرة، وطفت على السطح المشاكل المالية التي زادت حدة التوتر بين ألمانيا واليونان، اتضح من كل ذلك أنه على رغم عقود من التكامل، فإن عدداً كبيراً من الأوروبيين حافظوا على مواقفهم كدعاة للانفصال. كما أن زعماء القارة الأوروبية وعلى رأسهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أصبحوا يتخوفون من هذه المواقف والتوجهات. وعلى رغم أن روسيا لا يبدو وكأنها عازمة على توسيع نطاق تدخلها، إلا أنها خلقت لدى الأوروبيين الشعور بضرورة الظهور كجبهة موحدة. ويبدو عدم تحقيق هذا الهدف وكأنه دعوة للآخرين للاستفادة من الانقسام في صفوف الدول والشعوب الأوروبية. ليونيد بيرشيدسكي * *محلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©