الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المواظبة على الطاعات بعد رمضان

المواظبة على الطاعات بعد رمضان
9 سبتمبر 2010 23:48
تقبل الله منا ومنكم الطاعات أيها الأخوة والأخوات، وكل عام وأنتم بخير، وشعبنا وأمتنا العربية والإسلامية بخير، وإن شاء الله يأتي العيد القادم وقد تحررت بلادنا، وطهرت مقدساتنا إنه سميع قريب. نعم جاء العيد، ليفرح فيه المؤمنون الصائمون، ونحن أبناء الشعب الفلسطيني نفرح رغم الدمار، والقتل والتشريد، نفرح شكراً لله على نعمه كما جاء في الحديث الشريف: (وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه) (أخرجه البخاري)، والله عز وجل يقدم لعباده المؤمنين الذين صاموا حق الصيام، وقاموا حق القيام، جائزة التوفيق في أعمالهم، كما جاء في الحديث الشريف أن رسول الله – صلي الله عليه وسلم- قال: ( إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم، يمن بالخير، ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا نادي مناد: ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويُسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة) (أخرجه الطبراني في الكبير). لقد انقضى رمضان، ككل شيء في هذه الدنيا ينقضي ويزول، كل جمع إلى شتات، وكل حي إلى ممات، وكل شيء في هذه الدنيا إلى زوال، «كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون» (سورة القصص الآية 88). لقد ودعت الأمة الإسلامية شهر رمضان المبارك، والله أعلم من منا يمتد به الأجل حتى يشهد رمضان القادم، فأعمارنا عبارة عن أنفاس معدودة في أماكن محدودة، وأعمار الأمة الإسلامية ما بين الستين والسبعين والقليل من يتجاوز. هناك بعض الناس يُقبلون على الله في رمضان، فإذا ما انتهى رمضان انتهى ما بينهم وبين الله، قطعوا الحبال التي بينهم وبين الله، لا تراهم يعمرون المساجد، لا تراهم يفتحون المصاحف، لا تراهم يرطبون ألسنتهم بالذكر والتسبيح، كأنما يُعبد الله في رمضان ولا يعبد في شوال وسائر الشهور. من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، فقد كان بعض السلف يقولون: بئس القوم قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، كُن ربانياً ولا تكن رمضانياً. لقد مضى رمضان إما شاهداً لنا أو شاهداً علينا، ونسأل الله أن يكون شاهداً لنا، وأن يكون شفيعاً لنا، فقد ورد في الحديث الشريف أن: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان» (أخرجه أحمد) . إنّ من المؤسف أن يحصل عقب رمضان لكثير من المسلمين ضعف في الخير، وشغل عن الطاعة، وانصراف للَّعب والراحة، فلقد وهنت الهمم وفترت العزائم وقلّ رُوّاد المساجد. ليعلم ذوو الألباب أن الطاعات والمسارعة فيها ليست مقصورة على رمضان ومواسم الخير فحسب، بل عامة لجميع حياة العبد، وإنما كانت تلك منحًا إلهية، وهبات ربانية، امتن الله بها على عباده ليستكثروا من الخيرات، وليتداركوا بعض ما فاتهم وحصل التقصير فيه. لقد ودع المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها شهر الخير والبركة، شهر رمضان المبارك بعد قيامهم بالصيام والقيام خلال هذا الشهر الفضيل، حيث حزنوا على فراقه. واعتاد كثير من المسلمين، أن يلزموا جانب التقوى في رمضان، ويرتدعوا عن المعاصي والآثام، ويواظبوا على الصلاة وشهود الجماعات. ولكن هذه الظاهرة الإيمانية، تنعدم وتتلاشى، بمجرد انقضاء هذا الشهر الكريم ... وقد سئل بعض الصالحين، عن رأيه فيمن يتعبدون في رمضان ، ثم يعودون بعده إلى العصيان ؟ ... فقال: هم بئس القوم، لا يعرفون لله حقا، إلا في شهر رمضان، وذلك دليل على انطماس البصيرة، واستحكام الغفلة في قلوبهم، وجهلهم بعذاب الله، وأمنهم مكره، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الفاسقون. إن الثبات والاستمرار على الطاعة من أخلاق المؤمنين، فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – من أكثر ما يدعو به: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (أخرجه الترمذي)، ومن دعاء الراسخين في العلم: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) (سورة آل عمران: آية 8)، أي لا تزيغ بعد الهداية، ولا تنحرف بعد الاستقامة، وأن تظل مستقيما في طريقك، فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا عمل عملاً أثبته، أي داوم عليه، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» (أخرجه الشيخان) وأعلم أخي المسلم بأن العبادة والطاعة لا تنقطع وتنتهي بانتهاء شهر رمضان المبارك، فلئن انقضى صيام شهر رمضان فإن المؤمن لن ينقطع من عبادة الصيام بذلك، فالصيام لا يزال مشروعاً، فقد روى أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر» ( أخرجه مسلم)، وجاء تفسير ذلك في حديث آخر، قال: «جعل الله الحسنة بعشر أمثالها، فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر تمام السنة» (أخرجه النسائي)، فصيام رمضان بعشرة أشهر، وستة أيام بشهرين، أي: صام السنة كلها، وإذا استمر على ذلك كل سنة فقد صام الدهر كله. وقد بين العلماء جزاهم الله خيرا في شرح الحديث بأن المهم أن يصوم المسلم الست خلال شهر شوال، فيجوز صيامها متتابعة، كما يجوز صيامها متفرقة، وهذا من فضل الله تعالى فالله سبحانه وتعالى يريد اليسر، كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام ما خير بين أمرين إلا واختار أيسرهما ما لم يكن إثما. كما شرع الإسلام صيام ثلاثة أيام من كل شهر لحديث أبي ذر – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة» (أخرجه أحمد والنسائي)، وكذلك صيام يوم عرفة، وصوم يوم الاثنين والخميس، وصيام شهر الله المحرم، ولئن انقضى قيام شهر رمضان فإن القيام لا يزال مشروعاً. إن نفحات الخير تأتينا نفحة بعد نفحة، فإذا ما انتهينا من أداء الصلوات المفروضة، تأتي النوافل المتعددة المذكورة في كتب الفقه، ولئن أدينا الزكاة المفروضة فإن أبواب الصدقات النوافل مفتوحة طيلة العام، ولئن أدينا فريضة الحج فإن أداء العمرة ميسر طيلة العام، وهكذا الخير لا ينقطع وهذا فضل من الله ونعمة. فلذلك يجب علينا أن نواظب على الطاعة في كل وقت، وأن نحرص على التزود بالتقوى، فنحن مخلوقون لطاعته سبحانه و تعالي، ونحن لا ندري متى سيأتي أجل الواحد منا، فها نحن نرى موت الفجأة بيننا فهل نعتبر.. وهل نستعد لساعة آتية لا محالة ؟!، وكما قال الشاعر : تـــزودّ للــــذي لابُدّ منــــــه فإن الموت ميقات العبـــــاد أترضى أن تكون رفيــق قــوم لهـم زاد وأنـــــت بغـــير زاد؟ إن المواظبة والمحافظة على النوافل والسنن بعد أداء الفرائض تجعل الإنسان يزداد اقتراباً من الله كما جاء في الحديث الشريف : « ... ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه» (أخرجه البخاري). فلذلك يجب علينا الاستمرار في طاعة الله في السراء والضراء، وفي العسر واليسر، وفي السفر والإقامة ، وفي جميع الأحوال للحديث الشريف (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك) (أخرجه مسلم). ربنا تقبل منا الصلاة والصيام والقيام، واكتبنا من عتقاء شهر رمضان، وحرم وجوهنا ووجوه آبائنا وأمهاتنا والمسلمين على النار. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©