الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ماسبيرو».. تقرير فضائحي

«ماسبيرو».. تقرير فضائحي
15 يونيو 2011 19:51
رواية “ماسبيرو” للكاتب نصر رأفت الصادرة حديثاً عن مكتبة مدبولي، يكشف عنوانها وغلافها عما بها، صورة الغلاف مبنى الإذاعة والتليفزيون المصري على كورنيش النيل أو ماسبيرو كما يسمى في التعبير الدارج. أحداث الرواية تدور داخل مبنى الإذاعة والتليفزيون من خلال “نادر”.. شاب تخرج في كلية الإعلام وتم تعيينه بجهاز التليفزيون، محررا في قسم الأخبار، وهو قادم من إحدى القرى بدلتا النيل. ثم انتقل إلى مكتب رئيس قطاع الأخبار، سكرتيرا خاصا، يجهز له المادة والأخبار التي يريدها. اتخذ الروائي من هذا المبنى منطلقا ليرصد “الفضائح” الأخلاقية والجنسية في المقام الأول لدى كبار الشخصيات في المجتمع وفي الدولة. السيدة مسؤولة الأخبار يتم تسجيل مشاهد جنسية لها وهي عارية على تليفون محمول، ويتبادلها العاملون بالمبنى من دون أن يجرؤ أحد منهم على أن يتكلم في الأمر، ثم يتم تسريب هذه الصور إلى إحدى الصحف الخاصة بعناوين رئيسية، ويثير الأمر مشكلة فيقوم الوزير بإقالتها ثم ينتقل الكاتب إلى ذكر فضائح الوزير نفسه. الرواية تغرق في الفضائح الأخلاقية للأبطال وللشخصيات، ثم تنتقل إلى الفضائح الاقتصادية والمالية والسياسية، حديث عن شذوذ جنسي وشبكات دعارة وغير ذلك، وقد حرم ذلك التوغل الكاتب من أن يبني عالما خارج الفضائح، فقد كان يمكن أن يقدم لنا تاريخ هذا الجهاز منذ تأسيسه، وطريقة صياغة الأخبار وإعداد التحقيقات والمواد السياسية التي تقدم، والدور السياسي الذي لعبه هذا الجهاز في التعبئة والحشد السياسي. والرواية في الكثير من صفحاتها، تكاد تكون هجاء مباشرا ومحاكاة للواقع من دون أي خيال فني أو أدبي، ولنقرأ الفقرة التالية من أحد الفصول يقول: “لم يكن وزير الإعلام وحده هو الذي يخشى رئيس الديوان، بل كان كل الوزراء يعملون له ألف حساب بمن فيهم رئيس الوزراء نفسه، لأن الدكتور زكريا علوي رجل سياسة محترف يلعب جميع الأدوار ببراعة، ويتدخل في كل شيء بدءا من السياسة، ومرورا بالحكومة والتشريع والصحافة، ويبدي رأيه في كل شيء من كرة القدم إلى السحابة السوداء إلى الفساد والبيزنس”. ويضيف: “د. زكريا علوي هذا الرجل الكهل، خالد في منصبه رغم إحالته إلى المعاش منذ أكثر من 15 عاما، ولكن لأنه الأقرب إلى بيت الرئاسة وكاتم كل الأسرار، تم استثناء منصبه من سن الإحالة إلى التقاعد عبر قانون أقره البرلمان حتى لا يغادر علوي منصبه كرئيس للديوان”. ويحاول تعريف د. زكريا علوي بالقول إنه “بدأ حياته ضابطا بسلاح المشاة عقب حصوله على بكالوريوس العلوم العسكرية، ثم انتقل إلى الحرس الجمهوري، وخلال تلك الفترة واصل دراسته ليحصل على درجة الدكتوراه في القانون الدولي. وواصل صعوده السياسي باقتدار حتى أصبح رئيسا للديوان الجمهوري”. لا يحتاج القارئ إلى مجهود كبير ليكتشف أنه هنا يتحدث عن شخصية د. زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، ليس فقط لاقتراب اسم الشخصية من الاسم الحقيقي، ولكن لأن المعلومات المتعلقة بتخرجه وسجله الوظيفي هي بالضبط. ولا يتعلق الأمر بشخصية د. زكريا فقط، لكن هناك شخصيات أخرى عديدة داخل الحكومة المصرية في السنوات السابقة وعدد من الشخصيات التليفزيونية، فضلا عن بعض الصحفيين وأحد رؤساء التحرير. والمقصود أن هذا كله كان يمكن أن يكتب في مقالات صحفية مباشرة، وقد نشرت بعض الصحف المصرية آنذاك انتقاده لكل هؤلاء الأشخاص بأسمائهم المباشرة المجردة. فما هو الجديد الذي قدمته الرواية؟! أكاد أقول إنه يصعب تسميتها رواية، رغم الجهد الذي بذله كاتبها، فالرواية لا يمكن أن تكون محاكاة مباشرة وحرفية للواقع، هذا دور التقرير الصحفي، لكن الرواية أمر آخر، إذ يجب أن تضيف الرواية بعداً استشرافيا لهذا الواقع، فضلا عن محاولة الوصول إلى جذور ذلك الواقع وأسبابه، وهذا ما افتقدته الرواية، التي تنتهي بنبأ إقالة وزير الإعلام والمجيء بآخر فاسد أيضا، وتمت الإقالة بتدخل من د.زكريا علوي. سوف نلاحظ أن الرواية تدور كلها في أوساط وبين مجموعة من الشخصيات الفاسدة لكبار المسؤولين، لكن الشارع وقاع المدينة يختفي تماما، لا وجود ولا حضور لهما، ولذا لا نسمع ولا نعرف شكاواهم ولا مواقفهم ومدى تفاعلهم مع كل ما يجري. يمكن القول إن هناك ملمحا من التأثر برواية “عمارة يعقوبيان” التي كتبها د.علاء الأسواني، فقد جعل الأسواني روايته تدور في المقام الأول داخل عمارة يعقوبيان في شارع طلعت حرب، ورواية “ماسبيرو” تدور داخل مبنى يمتلئ بعشرات الآلاف من الموظفين والعاملين، لم نلمح منهم في الرواية سوى الفاسدين والانتهازيين، فضلا عن الروائي نصر رأفت الذي رصد هذا كله من دون أن يتورط في الفساد، وكذلك دون أن يحاول التصدي له، أي أنه بطل فاضل ولكنه سلبي، بينما حاول علاء الأسواني في يعقوبيان إلقاء الضوء على مشاكل المجتمع وبؤر التوتر فيه، ولم تكن رواية فضائحية، وهذه الرواية صدرت في نوفمبر الماضي، من دون أن يتوقف عندها النقاد والقراء. ولا انتبه إليها الواقع السياسي. ولعل السطر الأخير على غلاف الرواية الخلفي يلخصها!، ويقول: “هذا المبنى الضخم العملاق الذي يشبه الديناصور المنقرض فيه ملاك واحد وألف شيطان رجيم”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©