يعد كتاب روبرت جيتس وزير الدفاع الأميركي السابق، وعنوانه «الواجب: مذكرات وزير في الحرب»، الأكثر تميزاً في مضماره من الكتب التي قرأتها منذ وقت طويل، وربما يكون أكثر الكتب تميزاً فيما قرأته من كتب على الإطلاق. إنه قصة مشوقة وشديدة الصدق لرحلة كئيبة لرجل صلب الإرادة عبَر الدهاليز الوعرة لعالم السياسة في واشنطن والعالم، تتخللها أحياناً ملاحظات ثاقبة ومثيرة للفضول عن طبيعة الحرب وقيود السلطة.
كان جيتس وزيراً تاريخياً حقاً للدفاع، وهو الوحيد الذي خدم في ظل رئيسين متعاقبين من حزبين مختلفين. وهو أحد وزيرين توليا رئاسة البنتاجون وغيّرا شكله في أوقات مضطربة، أما الآخر فهو روبرت مكنامارا. وكنت قد كتبت أول عرض لسيرة الوزير في «نيويورك تايمز» وأجريت معه مقابلات في مرات قليلة متوالية كجزء من كتابي «المتمردون». ومذكراته تقدم صورة شاملة وواضحة لرجل لا تستطيع مقالاتي رسم صورة تقريبية له. فقد كان رجل دولة نبيلا، ربما الأخير من تلك السلالة التي تشعر بنبل الواجب تجاه الخدمة العامة. لكنه أيضاً شق مشواره المهني كضابط مخابرات صعد من محلل صغير إلى مدير وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية (سي. أي. أيه)، وخلال ذلك اكتسب تألقاً في عينيه ووضع خنجراً جاهزاً للسحب في حذائه. وعرف كيف يدس أفكاره في المناقشات دون أن يترك بصمات أصابع وكيف يستطيع بهدوء أن يزيح المعترضين بعيداً إذا لزم الأمر.
وأثار الكتاب الصدمة في نفوس الكثيرين من الزملاء السابقين والمعجبين الذين كانوا ينظرون إليه كل هذه السنوات باعتباره شخصاً رقيق الحاشية وحمامة سلام بين الحزبين، وبينما هو في الحقيقة «يضطرم» من الداخل بالاحتقار و«نفاد الصبر» و«فيضان الكيل».
![]() |
|
![]() |
وكتب جيتس هذا الكتاب كي يمنع أي سياسي من أن يطلب منه الانضمام إلى أي إدارة في المستقبل. فمن المؤكد أنه من الصعب تخيل أي رئيس يقدم على توظيف مثل هذا المنتقد الجريء في أي وظيفة رفيعة المستوى. وهذا يسعد جيتس. وكتب في موقع ما من الكتاب «لم استمتع بمنصبي كوزير للدفاع». وفي موقع آخر قال، مسترجعاً ما قاله لصديق في رسالة بالبريد الإلكتروني: «ليس لدى الناس أي فكرة عن مدى بغضي لهذا العمل».
![]() |
|
![]() |