الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مذكرات جيتس: معاملة الحقائق

19 يناير 2014 23:58
يعد كتاب روبرت جيتس وزير الدفاع الأميركي السابق، وعنوانه «الواجب: مذكرات وزير في الحرب»، الأكثر تميزاً في مضماره من الكتب التي قرأتها منذ وقت طويل، وربما يكون أكثر الكتب تميزاً فيما قرأته من كتب على الإطلاق. إنه قصة مشوقة وشديدة الصدق لرحلة كئيبة لرجل صلب الإرادة عبَر الدهاليز الوعرة لعالم السياسة في واشنطن والعالم، تتخللها أحياناً ملاحظات ثاقبة ومثيرة للفضول عن طبيعة الحرب وقيود السلطة. كان جيتس وزيراً تاريخياً حقاً للدفاع، وهو الوحيد الذي خدم في ظل رئيسين متعاقبين من حزبين مختلفين. وهو أحد وزيرين توليا رئاسة البنتاجون وغيّرا شكله في أوقات مضطربة، أما الآخر فهو روبرت مكنامارا. وكنت قد كتبت أول عرض لسيرة الوزير في «نيويورك تايمز» وأجريت معه مقابلات في مرات قليلة متوالية كجزء من كتابي «المتمردون». ومذكراته تقدم صورة شاملة وواضحة لرجل لا تستطيع مقالاتي رسم صورة تقريبية له. فقد كان رجل دولة نبيلا، ربما الأخير من تلك السلالة التي تشعر بنبل الواجب تجاه الخدمة العامة. لكنه أيضاً شق مشواره المهني كضابط مخابرات صعد من محلل صغير إلى مدير وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية (سي. أي. أيه)، وخلال ذلك اكتسب تألقاً في عينيه ووضع خنجراً جاهزاً للسحب في حذائه. وعرف كيف يدس أفكاره في المناقشات دون أن يترك بصمات أصابع وكيف يستطيع بهدوء أن يزيح المعترضين بعيداً إذا لزم الأمر. وأثار الكتاب الصدمة في نفوس الكثيرين من الزملاء السابقين والمعجبين الذين كانوا ينظرون إليه كل هذه السنوات باعتباره شخصاً رقيق الحاشية وحمامة سلام بين الحزبين، وبينما هو في الحقيقة «يضطرم» من الداخل بالاحتقار و«نفاد الصبر» و«فيضان الكيل». وعلّق نورمان أورنشتاين، الخبير السياسي القريب من دهاليز السياسة في واشنطن، على الكتاب لمجلة «فورين بوليسي» قائلاً إن المزاج المتجهم والطائش في الكتاب قد «يلطخ» سمعة جيتس برمتها. وأنا أخمن أن جيتس لو قرأ هذا التعليق فقد يضحك بينه وبين نفسه ويدمدم بأن ما يعتقده أمثال أورنشتاين بشأن سمعته لا يعنيه بالمرة. وكتب جيتس هذا الكتاب كي يمنع أي سياسي من أن يطلب منه الانضمام إلى أي إدارة في المستقبل. فمن المؤكد أنه من الصعب تخيل أي رئيس يقدم على توظيف مثل هذا المنتقد الجريء في أي وظيفة رفيعة المستوى. وهذا يسعد جيتس. وكتب في موقع ما من الكتاب «لم استمتع بمنصبي كوزير للدفاع». وفي موقع آخر قال، مسترجعاً ما قاله لصديق في رسالة بالبريد الإلكتروني: «ليس لدى الناس أي فكرة عن مدى بغضي لهذا العمل». وركزت قصص صحفية على انتقاد جيتس لأوباما وفريق العمل في البيت الأبيض، لكن ما يستحق الإشارة إليه في البداية هو أنه أكثر انتقاداً لسياسات بوش وإن يكن أقل انتقاداً لبوش نفسه. فقد انتقد بشدة «أجندة الحرية» لبوش ووصفها بأنها «ساذجة للغاية». ويعتقد أن غزو العراق وعمليات التعذيب في أبو غريب وجوانتانامو «أذكت بشكل أكبر المشاعر المناهضة للأميركيين». وقال إنه «صعق» من «خيبة» الإدارة في السنوات الأولى لاحتلال العراق. ماذا عن الموضوع الأساسي الذي تناولته معظم العروض الصحفية للكتاب، وهو انتقاد جيتس لأوباما؟ الأمر ليس قاطعاً. ففي الجزء الأكبر يمتدح جيتس أوباما. ويصفه بأنه «براجماتي تماماً فيما يتعلق بالأمن الوطني»، وهو أعلى تقريظ من رجل سياسة واقعية مثل جيتس، كما قال إن أوباما «أكثر الرؤساء تشاوراً عملت معهم»، وقد عمل مع ثمانية رؤساء وشبّه طريقته في حل المشاكل بطريقة إبراهام لينكولن. مشكلة جيتس الأعمق مع أوباما شخصياً تتمثل في أن الرئيس كان «متشككاً للغاية» في الجيش ومقتنعاً بأن كبار مستشاريه العسكريين كانوا يحاولون محاصرته بضرورة إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان. ورغم شكواه من عدم قدرته على تنفيذ شيء فإن جيتس ربما كان أكثر الوزراء تأثيراً في إدارتي بوش وأوباما. وقد كتب بعد فترة قصيرة من تركه المنصب، ربما بسبب شعوره بالإرهاق في وقت كان يدخل فيه أوباما البيت الأبيض ليتعامل مع أسوأ أوراق تعامل معها أي رئيس في العصور الحديثة. وكتب جيتس عدة مرات أن قدرة الولايات المتحدة في السيطرة على الأحداث محدودة للغاية. ومذكراته هي أقرب لأن تكون قصة عن كيفية تعامله والرئيسين مع هذه الحقائق. فريد كابلان كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©