الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب السودان: تعثر جهود التسوية

19 يناير 2014 23:57
يستضيف فندق «شيراتون أديس» الذي يتوسط العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بطابعه الفخم والراقي الذي يشبه قصراً من القصور الفاخرة، مباحثات السلام بين الأطراف المتصارعة في جنوب السودان، ويبدو وكأنه واحة منعزلة وعلامة فريدة من نوعها في المكان الذي يوجد فيه، فهو يجاور مقر رئيس الوزراء الإثيوبي ولا يبعد كثيراً عن القصر الإمبراطوري السابق، كما يحتكر مساحة كبيرة وسط العاصمة التي تشهد نمواً سريعاً. وبالنظر إلى طبيعة الأشخاص الذين ينزلون في الفندق، حيث يستطيع الأغنياء فقط قضاء ليلة في غرفه الفاخرة، يظهر التناقض صارخاً بين الفندق والنخبة التي تتردد عليه وبين الوضع العام في إثيوبيا، حيث بالكاد يصل الدخل الفردي للمواطن، حسب إحصاءات البنك الدولي إلى 380 دولاراً سنوياً. ولكن رغم الفقر الذي يرزح فيه الإثيوبيون والأوضاع الاقتصادية الصعبة، يمكن بسهولة رؤية قادة جنوب السودان سواء من المعسكر الحكومي، أو من معسكر المتمردين، وهم يحتكون مع بعضهم بعضاً، ومع زوار آخرين تحفهم أشجار النخيل الباسقة ونافورات المياه التي تزين المكان. بيد أن الأجواء الفخمة التي تحيط بالوفود المشاركة في المباحثات وأسباب الحياه المريحة التي يرفل فيها أعضاؤها لم تساعد على ما يبدو في تحقيق تقدم ملموس يمكن من خلاله الخروج من أزمة جنوب السودان المستفحلة، وإنهاء العنف الذي يهدد بتمزيق ذلك البلد حديث النشأة. وعلى رغم الجهود الحثيثة التي يبذلها الوسطاء الإقليميون، فقد مرت ثلاثة أسابيع على انطلاق المباحثات دون حدوث اختراق حقيقي في جدار الأزمة، فقد حل زمرة من الدبلوماسيين الغربيين والمستشارين ضيوفاً على إثيوبيا علَّهم يعالجون الموقف ويمنعون حدوث الأسوأ في ظل استمرار المعارك الدموية بجنوب السودان وانكشاف ملامح الأزمة الإنسانية الخطيرة. وربما يكون ما عقد الوضع أكثر وحال دون التوصل إلى اتفاق سلمي هو غياب كبار القادة عن طاولة المفاوضات، وبالأخص نائب الرئيس السابق وقائد حركة التمرد، رياك مشار، الذي يتزعم التمرد من الأحراش منذ أن غادر العاصمة جوبا واحتمى بالأدغال في أواسط شهر ديسمبر الماضي. ويبقى أحد المطالب الأساسية الذي تصر عليه المعارضة باعتباره شرطاً لتقدم المباحثات هو إطلاق سراح 11 عنصراً من قياديي الحزب الحاكم الذين يعتقد أنهم من الموالين لرياك مشار، حيث تم اعتقالهم مباشرة بعد اندلاع أحداث العنف في شهر ديسمبر الماضي. وتؤكد المعارضة أنه بعد الإفراج عن المعتقلين يمكن عندها إقرار «وقف الأعمال العدائية» والتوقيع على اتفاق بهذا الشأن ترعاه الأطراف الإقليمية والدولية المشرفة على المفاوضات. ولكن اعتراف أوغندا في الأسبوع الماضي بمشاركتها في القتال إلى جانب القوات الحكومية زاد من تعقيد الموقف بعدما أصرت المعارضة على سحب جميع القوات الأجنبية من جنوب السودان. وربما يكون المثير للضحك في الموضوع أنه قد أعلن وسط النقاشات المحتدمة بين الوفود والتباين في الأجندات السياسية عن وصول وفد ياباني يقوده رئيس الوزراء، شنزو آبي، إلى الفندق، وهو وفد كان مقرراً وصوله قبل انطلاق المباحثات ولا علاقة له بها بتاتاً، حيث اضطر المنظمون إلى إخلاء مكان عقد المباحثات ونقله إلى طابق تحت الأرض كان في الأصل ملهى ليلياً. وهكذا استمرت المفاوضات، لكن هذه المرة على طاولة وضعت على عجل وسط المرقص ومع ذلك وحتى بعد تغيير قاعة الاجتماعات ظل التعثر هو سيد الموقف، إذ لم تستمر المفاوضات سوى ثلاثين دقيقة لتنهار بعدها، فقد كان أولا على مجموعة دول «الإيقاد» التي ترعى المفاوضات تحديد العناصر التي ستمثل كل طرف ووضع قواعد عامة وبلورة أجندة تؤدي إلى اتفاق. وأكثر من ذلك أن الرئيس سلفاكير رفض مطالب المعارضة ودعوات المجتمع الدولي بإطلاق سراح المعتقلين الأحد عشر، ما دفع معارضاً بارزاً للقول: «إننا سنبقي المقاعد ساخنة لهم على طاولة المفاوضات». ومن المتوقع أن تستأنف المباحثات خلال الأيام القليلة المقبلة على أن تركز على سبل إقرار وقف لإطلاق النار، والسعي إلى رأب الصدع السياسي الناشئ بين الأطراف المتقاتلة من خلال بلورة صيغة حل سياسي تمكن الجميع من تقاسم السلطة وإخراس صوت السلاح الذي كلف عدداً كبيراً من الأرواح وهجّر الآلاف من ديارهم. وفيما كانت تكلفة المفاوضات واللقاءات في فندق «شيراتون أديس» تتحملها دول «الإيقاد»، صرحت الدول الغربية المعنية بالإشراف على المباحثات بأنها هي من تتولى الجزء الأكبر من الفاتورة، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة الماضي أنه قد خصص 1,5 مليون دولار لعملية الوساطة التي يقوم بها. وفـي بهـو الفندق لا يخفـى على الملاحظ مبعوثو الدول المانحة ومعهم الصحفيون الذين يتسابقون للحصول على أخبار جديدة تبدو لغاية الساعة شحيحة ولا تحمل أي جديد. والحقيقة أنه من غير المتوقع أن يسمع الصحفيون أخباراً جديدة، ولا أن يرشح شيء إيجابي عن الاجتماعات ما دام كل طرف مقتنعاً بأنه قادر على حسم الموقف على الأرض ومن خلال السلاح، وهو ما أكده دبلوماسي مطلع على سير المفاوضات، قائلاً إن المباحثات «عالقة»، مشيراً إلى أن قادة جنوب السودان يفتقدون إلى رؤية سلمية واضحة لمستقبل البلد، بل إنهم منشغلون فقط بإلقاء اللوم على بعضهم بعضاً. ‎ويل دافيسون أديس أبابا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©