الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

المسيحيون الصهاينة يبحثون عن النفط في إسرائيل

30 ابريل 2006
نيويورك ــ أحمد كامل:
يمكن للمغالاة في الدين أن تصل أحياناً إلى حدود يصعب تصديقها، من ذلك ما تبين قبل أيام من أن عدداً من المسيحيين الصهاينة في الولايات المتحدة أسسوا شركة للتنقيب عن النفط في إسرائيل مستندين في عمليات الحفر على آيات من الانجيل والتوراة قالوا إنها تحدد بدقة أماكن وجود الذهب الأسود في 'أرض الميعاد'، وانهم لهذا واثقون من أنهم سيعثرون على كميات كبيرة من البترول هناك!
وليس ذلك من قبيل المزاح·· فالشركة تأسست برأسمال تجاوز 15 مليون دولار، واختارت لنفسها اسم 'زيون'، أو صهيون، ولم يعرف بأمرها علناً إلا حين قدمت طلباً لإدراجها على قائمة التعاملات في سوق نيويورك للأوراق المالية، بل انها بدأت الحفر بالفعل بالقرب من كيبوتز معانيت على الطريق السريع بين حيفا وتل أبيب·
وحماقات قوم عند قوم فوائد، فالاسرائيليون لا يمانعون بطبيعة الحال، من أن ينفق غيرهم من جيبه الخاص للعثور على النفط في أماكن حددها الانجيل الذي لا يؤمنون به أصلاً، وفيما يستقبلون المستثمرين بابتسامات خبيثة، فإن الإسرائيليين لا يتوقفون عن 'الابتسام في أكمامهم' باستخدام تعبير شائع في الولايات المتحدة·
مدير الشركة الذي يقيم في إسرائيل لمتابعة المقارنة بين خرائط مواقع التنقيب وآيات الانجيل والتوراة يدعى جون براون· وقبل أيام صرح براون بأن 'علامات الكتاب المقدس' واضحة للغاية، وأضاف بثقة 'ونحن اليوم هنا لنعثر على هذه الثروة التي حدد الخالق أماكن وجودها بدقة، وحين نعثر عليها ستتجسد حقيقة الكتاب المقدس أمام الجميع، وستحصل إسرائيل في الوقت ذاته على نفط وافر يزيل القلق الناجم عن استخدام الدول العربية لنفطها لتحصل على النفوذ في العالم'·
اقناع اليهود
وكن براون يشدد على ان العثور على النفط سيؤدي إلى 'تجسد حقيقة الكتاب المقدس أمام الجميع' إن ذلك سيضع اليهود في إسرائيل بحقيقة الانجيل، وهو في هذا واهم بالتأكيد، إذ أن الحكومة الإسرائيلية رفضت بحزم أن يقوم المسيحيون الصهاينة بالتبشير للمسيحية كما يفهمونها في إسرائيل، أي أن اسرائيل تريد ان يحدد لبراون على خريطة اسرائيل المناطق التي ينبغي أن يطلب امتياز الحفر فيها من الحكومة الإسرائيلية· وطار براون إلى إسرائيل فرحاً وهو يحمل الخريطة حيث حصل على امتياز الحفر، ويكاد يخيل للمرء أن الموظفين الحكوميين الذين تفاوضوا معه تبادلوا الابتسام فيما بينهم حين أبلغهم براون بأنه حصل على 'الخريطة الانجيلية' التي توضح موقع النفط، فهؤلاء الموظفون لا يؤمنون بالانجيل، فضلاً عن أن الأمر على اجماله لا يخلو من السخف·
ولكن أين علوم الجيولوجيا والدراسات السيزموجرافية وأبحاث التربة واختبارات الرنين؟ أين العلم في ذلك؟ بل وهل يمكن النظر إلى المشروع باعتباره مشروعا ربحيا إذا كان قد تأسس على تفسيرات سبيلمان الذي يدعو أيضاً إلى طرد الفلسطينيين لأن فهمه للإنجيل يدعو إلى ذلك؟
محاولة سابقة
ما يتجاهله براون ــ وسبيلمان أيضاً ــ أن شركة أخرى حفرت بالقرب من كيبوتز معانيت ولم تجد شيئاً وذلك رغم أن حفرها وصل إلى عمق 7600 قدم،أي إلى عمق يزيد على كيلو مترين تحت الأرض· ولكن براون يهز رأسه قائلاً 'النفط هناك·· لا شك في هذا· فهذا هو ما أكده الخالق في كتابه المقدس'·
نصدق من المسيحيين الصهاينة كل شيء، ما عدا أن يبشروا بما يقولون في إسرائيل· فاذا كان تفسيرهم للكتاب المقدس يدعم استيلاء اسرائيل على القدس فأهلاً، وإذا كان يتفق لسرقة إسرائيل لأراضي الفلسطينيين فسهلاً، وإذا كان ينقب عن النفط فعلى الرحب والسعة، ولكن هذا التفسير ينبغي أن يبقى في حدود هذه الأمور 'المفيدة' وحدها، دون أن يتجاوزها إلى التبشير· وقد قبل المسيحيون الصهاينة ابتلاع اهانة الحكومة الإسرائيلية إبان رئاسة اسحاق شامير للوزراء برفض قيامهم بالتبشير واغلاق مراكز دينية أقاموها لهذا السبب، بل إنهم واصلوا مسح الأحذية الإسرائيلية في الولايات المتحدة بدعوى أن شعب اسرائيل هو الشعب الذي اختاره الله، وأن المسيح لن يعود إذا لم تحكم اسرائيل كل أرض الميعاد دون نقصان، أي دون أن تلقى بأصحاب الأرض من الفلسطينيين في البحر·
امتياز للحفر
ويقول براون إنه حصل على امتياز للحفر في شريحة من الأرض تمتد على مساحة 96 ألف هكتار، غير أنه يوضح أنه لم يكن هو الذي حدد هذه البقعة 'لأنه لا يتمتع بقدر كاف من العلم لفهم إشارات الكتاب المقدس'· لذا فقد ذهب إلى قس متمرس في الحركة الايفانجليكية ــ أي المسيحيين الصهاينة ــ يدعى جيمس سبيلمان· واختلى سبيلمان بنفسه مع الكتاب المقدس، ثم الآن وصلت حفريات شركة 'زيون' إلى 10 ألاف قدم، أي إلى 3 كيلومترات، ولا نفط، ويقول براون إن الحفر سيصل إلى 15 ألف قدم، أي إلى ما يزيد على 4,5 كيلو متر، ولا بأس لدى الإسرائيليين بالطبع، فهم لا يدفعون· وإذا ما عثر براون على شيء فإن الابتسامات ستتبدد ساعتها، إذ سيطلب الإسرائيليون ترك النفط بأكمله لشعب الله المختار، ويكفي براون أنه أثبت حقيقة الكتاب المقدس كما كان يريد منذ البداية· ويقول براون متحمساً 'نرى هذه الدول العربية التي تستخدم النفط للتأثير هنا وهناك وللضغط على إسرائيل، وعلينا أن نتصور الآن إسرائيل وقد امتلكت ثروة نفطية هائلة، إن هذا لن يجعلها ضحية لضغوط أحد، وليس ذلك بكثير على الرب، كما أن العثور على النفط الذي يخبرنا الكتاب المقدس انه هنا سيؤدي إلى إقناع الكثيرين بأن كلمة الرب هي الكلمة·
وهي نسخة أخرى من الشطط، بل وربما الخرق، حين تختلط الأمور وتتداخل الخيوط فيما بينها لترسم صورة مضحكة في واقع لا يدعو حتى للابتسام·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©