الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

المساكنة الممكنة بين المستحيل الأميركي والفرنسي

30 ابريل 2006

نيويورك ــ باريس ــ الاتحاد ــ خاص:
فرنسا في منتصف الطريق، قد يكون التعبير صحيحاً، ولكن في منتصف الطريق بين أين وأين؟ ربما بين أميركا و·· فرنسا!
الفرنسيون حاولوا دوماً أن يكونوا على مسافة من الولايات المتحدة· إنهم يسخرون من الانجليز كثيراً ويصفونهم بالأحصنة الهرمة· هم أيضا يشتكون ويخافون من أن يكونوا قد دخلواً فعلا في الشيخوخة، إذاً، لا بد من السباق السيزيفي مع الزمن·
العام المقبل يغادر الرئيس 'جاك شيراك' قصر الاليزيه، سيكون في الخامسة والسبعين، ويقال إن جثته أضخم من أن تسمح له بالذهاب إلى الظل· لابد من أن يعمل حتى الرمق الأخير، إنه ديغولي ويريد لفرنسا دوراً يليق بها· ولكن هل من دور لأي دولة أوروبية خارج الحوار 'أو الملكوت' الأميركي؟
ولماذا الارتباك الفرنسي ·· 'الاتحاد' تحاول الإجابة منذ نحو قرنين، قال 'نابليون بونابرت' إنه لن تكون هناك في القرن العشرين سوى 'مملكتين' هما أميركا وروسيا، لم يكن يتصور أن دولة بضخامة الولايات المتحدة يمكن أن تكون جمهورية، وهذا كان رأي أميركيين بارزين اقترحوا تنصيب 'جورج واشنطن' ملكاً لكنه رفض، ربما بسبب حساسيته حيال الملكية في انجلترا التي كانت تستعمر أجزاء شاسعة من العالم الجديد·
هذا الذي حدث فعلاً امبراطوريتان هائلتان، ولكن بنظامين مختلفين، أيضاً بمحتوى ايديولوجي لا بد أن يرتطم جدلياً، بالآخر، يستغرب 'اندريه فونتين': 'غريب أن الحرب العالمية الثالثة' لم تندلع رغم أن كل 'مخزون الجنون' لدى كل من واشنطن وموسكو كان يكفي لإضرام أكثر من حرب ولكن ربما استبق 'دين اتشيسون' وزير الخارجية في عهد الرئيس 'هاري ترومان' كل الاحتمالات بعبارة من كلمتين 'الحرب الباردة'، مع أن هناك مؤرخين يؤكدون أن الملكة الاسبانية 'ايزابيلا' التي اجتاحت الأندلس في العقد الأخير من القرن الخامس عشر هي أول من أطلق التعبير (La Guema Fria) .
وصفها 'فونتين' الكاتب السياسي الفرنسي الشهير، بأنها بمثابة 'التعويذة الاستراتيجية' التي كان لها تأثيرها السحري على أدمغة القادة، وإن كان معروفا أن 'التعويذة النووية' هي التي حالت دون الصدام الكبير، فكانت الحروب بالتقسيط من البلقان، إلى شبه الجزيرة الكورية، فالهند الصينية، وصولاً بطبيعة الحال إلى الشرق الأوسط·
عقدة روما
بالتأكيد، كانت هناك امبراطوريات آسيوية 'جنكيز خان' استطلع آراء العرّافين في وادي فرغانة ما إذا كان باستطاعة حصانه أن يطير إلى النجوم لأنه لم يكن يكتفي بالأرض الامبراطورية الفارسية ذهبت في كل الاتجاهات، الامبراطورية العربية حملت مفهوماَ عقائدياً، وانتشرت في كل الأصقاع حتى أن 'عقبة بن نافع' ظن أنه وصل إلى آخر الدنيا 'قبل أن يقال الآن أننا أصبحنا في قاع الدنيا) العثمانيون خطوا الخطوة الكبرى نحو الامبراطورية مع السلطان 'سليم الأول'·
أوروبا الباردة والتي لا صحارى فيها، سوى الصحارى الجليدية، كانت تمتلك أعصاباً قابلة للالتهاب السريع هي التي فجرّت الحربين العالميتين الأولى والثانية صحيح أنها عرفت 'شارلمان' و'شاراكان' و'لويس الرابع عشر' وصحيح أن 'نابليون بونابرت' حاول أن يجمع بين 'الاسكندر' و'جنكيز خان'، لكن الصحيح أكثر أن روما هي العاصمة الامبراطورية الكبرى 'ذو القرنين' الذي انطلق من بلاد الاغريق انطفأ بسرعة وإن لم يتوقف لهنيهة، الامبراطورية الرومانية هي التي تألقت، ولا تزال المثال·
ربما كانت عقدة روما لا تزال تتحكم بالجميع، القارة العجوز شهدت خلال القرن التاسع عشر، بصورة خاصة ، نوعاً من الغليان الاستراتيجي الذي غذاه بطبيعة الحال، التطور الصناعي الكل تعاطوا بشراهة مروعة مع كل العالم الذي خارج القارة الانجليز، الفرنسيون، الألمان، الاسبان، الهولنديون، البرتغاليون، الإيطاليون، راحوا يمزقون الكرة الأرضية قطعة قطعة ويستنزفون خيراتها·
الأوروبيون إياهم اكتشفوا أميركا ، الصينيون فعلوا ذلك في العام 2640 قبل الميلاد، ومرة أخرى في العالم 1421 قبل الميلاد هذا لا يؤثر في السياق، ولكن فيما كانت القارة العجوز تشيخ أو تتلاشى في كل أشكال الجدل، بما فيه الجدل الدموي، كان الأميركيون يبنون امبراطوريتهم بأسلوب رعاة البقر· شاهدنا العربات التي تجرّها الخيول في أفلام الغرب الأميركي·· غريب أنه خلال قرنين، مجرد قرنين من الزمن، تمكنت هذه العربة، وبتعديلات تقنية من أن تحط على سطح القمر·
زراعة القرن (21)
هذا ألهب خيال الكاتب والسياسي 'جان جان سرفان شرابير' فوضع في عام ،1967 كتابه الشهير 'التحدي الأميركي' الذي دعا فيه إلى التبعية الاقتصادية للولايات المتحدة، مستنداً إلى أرقام تقول إنه بين 500 شركة كبرى في القارة هناك 340 أميركية، وأيضاً إلى إنتاج الأميركيين من الرجال الآليين الذين اعتبرهم، من حيث البنية التكنولوجية و(الأداء' اختزالاً للخيال الأميركي، كما استخدم تعبير 'ما بعد التاريخ' استخدم أيضا تعبير 'ما بعد الخيال'·
إن ثمة شيئاً من 'شارل ديغول' في 'جاك شيراك' الذي عندما كان عمدة باريس، وقد أحب المدينة كثيراً، قال خصومه إنه يتصرف كما لو أن باريس جمهورية مستقلة لكنه حقاً، أعطى المدينة من قلبه، كانت قد بدأت تدخل في الشيخوخة لأن الكثيرين كانوا يتعاملون مع التاريخ الذي فيها على أنه حالة مقدسة بالطبع لم يقل بأن يرتدي التاريخ سروال الجينز، ولا أن يرقص الروك اندرول، لكنه عمل على إزالة كل التجاعيد من قصر فرساي، كما فن التويلري واللوفر، وقام بتحديث بعض المناطق، و'زراعة' القرن العشرين 'وما بعده' في منطقة الــ 'ديفنس' التي ارتفعت فيها ناطحات السحاب بأضوائها الباهرة·
كان 'ديجول' يتساءل: 'كيف يمكن لأي كان أن يحكم فرنسا، إذا كان عدد أصناف الجبن فيها 123؟'، هذا يعني التنوع المثير في الأمزجة، وفي الاتجاهات، فعلاً العمل السياسي في فرنسا مهمة شاقة بل وهائلة·· لا أحد مثل الفرنسيين قادر على أن يتكلم بتلك الطلاقة، وبتلك المنهجية أيضا، الخصوم عندما يكتشفون نقطة الضعف في أي شخصية ينقضون عليها ويمزقونها·
العلماء يضربون
أعجبوا برئيس الحكومة 'دومينيك دوفيلبان' منذ أن كان وزيراً للخارجية، فيلسوف، وشاعر، ووسيم عقله يعمل بدقة، ولكن بالإمكان أن تسمع دقات قلبه بوضوح تام قالوا له: 'لا يكفي أن تحب فرنسا، يقتضي أيضا، أن تحب الفرنسيين'· الفرنسيون تغيروا، كانوا يصابون بالهيستيريا (الجماهيرية) حين كان 'شارل ديغول' يقول: 'أنا فرنسا، وفرنسا أنا' البارحة أقفلت الحرب العالمية الثانية أبوابها اليوم، يوم آخر بطبيعة الحال انتهت الحقبة الرومانسية، وبدأت لعبة الأرقام فرنسا تتأخر·· الأموال التي تنفق على البحث العلمي متدنية جداً، حتى أن العلماء أضربوا وتظاهروا، هذا لا يحدث في أي بلد آخر، علماء يتظاهرون من أجل العلم، لابد من سياسات قوية لتسويق الإنتاج نوضح فقط أن 'الفاينشال تايمز' سبق وأعدت تحقيقاً موضوعياً قالت فيه: 'إن البريطانيين لا يحبون أميركا لكي يعززوا قناعتهم بأنهم أهم من الأوروبيين الآخرين، ولا يمشون في ظلها لأنهم يستسيغون الارتهان الاستراتيجي، وإنما لأنهم يعرفون ماهي أميركا في الأسواق العالمية، حين تكون حليفاً للولايات المتحدة على الأقل لن تكون هناك لاءات كبيرة في وجهك·
'جاك شيراك' حاول أن يقلد 'شارل ديغول' الذي لم يكن يستطيع أن يتحمل، وهو صاحب الأنف الشاهق، الغطرسة الأميركية، بل والازدراء الأميركي لبلاده تفاوتت التحليلات والمعطيات حول الجهة التي حالت دون الجنرال والمشاركة في مؤتمر يالطا 'جوزف ستالين' أم 'فرنكلين روزفلت' أم 'ونستون تشرشل؟' لا بل أن المعلوم ان 'روزفلت' الذي كان يمقت الجنرال حاول إذلاله بإقامة جمهورية فالونيا التي تتكون من أراض فرنسية وأخرى بلجيكية·
'فرانسوا ميتران' أيضاً الذي كان يعتبر أن الخيال الأميركي لا يتعدى خيال الديك الرومي الذي يطهونه في المناسبات الشهيرة، جاء بالمفكر 'ريجيس دوبريه' (وكان إلى جانب 'ارنست تشي غيفارا' في غابات بوليفيا) ليكون مستشاراً له في الاليزيه قال ذات مرة: 'ليس مطلوباً مني أن أطلب الإذن من أميركا كلما أردت أن أعطس' اضطر لأن يفعل ذلك في وقت لاحق لأن الولايات المتحدة أشد حضوراً داخل الدورة السياسية والاقتصادية (الكونية) مما يتصور·
'ميتران' المثقف سبق وكتب في صحيفة 'ليبراسيون' أن الثقافة الأميركية هي عبارة عن مزيج من الكوكاكولا و·· 'مارلين مونرو' هكذا كان يفكر في مرحلة الوردة الحمراء'، وهي رمز الحزب الاشتراكي ثمة ما هو أبعد وأعمق بكثير، هناك وول ستريت، وهوليوود، والبنتاغون، بالطبع أن زجاجة الكوكاكولا ليست هي التي صعدت إلى المريخ، وإن كان أحد المسؤولين فيها قد اقترح، ولدى الهبوط فوق سطح المريخ، نصب إعلان للكوكاكولا على سطح الكوكب الأحمر·
'جاك شيراك' وقف ضد الحرب الأميركية في العراق، هل كان الخوف من الاجتياح الأميركي للشرق الأوسط، وبالتالي تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير؟ هل كان الخوف على أميركا لأنها ذاهبة إلى ذلك البلد الذي قلما عرف الاستقرار والذي تم تركيبه بتلك الطريقة المثيرة، وعندما تسقط أميركا يسقط الجميع·
حتى يوم القيامة
'دوفيلبان' تحدث عن الأسباب بالكثير من الوضوح لم يردد ما قاله 'شيراك' حول أبواب جهنم، قال 'أخشى أن تستمر هذه الحرب حتى يوم القيامة'، هذا لأنه يدرك جيداً مدى التعقيدات والحساسيات التي تتحكم بالمنطقة· الأميركيون انزعجوا كثيراً كانوا بحاجة ماسة إلى باريس التي اتهمت بأنها نصحت الألمان بعدم التعاون لأن الأميركيين ذاهبون إلى التهلكة، والأفضل ألا نذهب معهم·
إن 'برنت سكروكروفت' مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس 'جورج بوش' الأب هو الذي استخدم تعبير 'اللعنة السومرية' الواقع أن الكاتب الفرنسي 'اينياسيو رامونيه' كان أول مّن قال ذلك في مطلع العام ،2004 إذاً، أميركا في مأزق يجعلها بحاجة إلى وقوف الحلفاء إلى جانبها، وفرنسا في مأزق الدور، والسوق، وحتى المستقبل، لابد، إذاً، من تنفيذ وصية 'سرفان ــ شرابير' الذي ابتعد إلى الظل، التبعية للولايات المتحدة· كلمة 'تبعية' شنيعة جداً بالنسبة إلى بلد مثل فرنسا، يمكن الكلام عن تعاون بداية، لابد من تطبيع العلاقات كلاسيكياً تستخدم هذه الكلمات 'إجراءات بناء الثقة' الخطوات بدأت، لكن الثابت حتى الآن أن الفرنسيين 'أعجز' من أن يكونوا الانجليز سبق لــ جان دانييل' وتحدث عن الفارق بين 'ونستون تشرشل' الذي يضع، كما السحرة،حمامة بيضاء تحت قبعته، و'شارل ديغول' الذي وضع وكما هو معروف، صليب اللورين على قبعته·
أورينت برس
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©