الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبقرية منتجي الواقع

13 فبراير 2009 00:22
أعاد منتجون صوغ أسطورة سجن ''بانبتيكون'' اليونانية بقالب برامجي ''مربح'' حمل اسم ''تلفزيون الواقع''؛ فتحول الاستديو إلى سجن خاضع لمراقبة كبير السجانين، ذي الرأس المليء بالعيون، في محاكاة لأسطورة قامت على أن المراقبة الدائمة تهدم خصوصية السجناء وتسّهل السيطرة عليهم من دون حاجة لاستراتيجيات عنيفة· ومهما كان مصدر إلهام مبتدعي ''تلفزيون الواقع'' إلا أنه استطاع فرض نفسه على خريطة برامج الفضائيات، ونافس بقوة حتى أصبح مثار جدل· وتستعد فضائية عربية لإطلاق الموسم السادس من برنامج تلفزيون الواقع في العشرين من الشهر الجاري تأكيداً على ''نجاحه، وقدرته على الاستمرار''· ويمكن إرجاع شعبية برامج تلفزيون الواقع إلى ''الرغبة في التغيير، وانهيار المشاريع الكبرى، والطبيعة الفضولية''، فهو نمط برامجي يلبي غرض التغيير الذي يسعى إليه مشاهدون ضمن سلسلة التغييرات التي تتسم بها الحقبة التاريخية الراهنة، فيما هيأ انهيار المشاريع الكبرى المجتمعات العربية لاستبدال الاهتمام بالمواضيع المصيرية إلى الاهتمامات السطحية التي لا تحتاج إلى تمحيص· وفيه نجح المنتجون في استثارة الفضولية في أقصى درجاتها حين تعلقت بحياة النجوم أو ''مشاريع النجوم''· وربما يفسر تعطش شباب للاقتداء بشخصية قيادية هوس بعضهم بشخصيات تلفزيون الواقع التي يسقطون عليها صفات العظمة لملء شاغر البطل في منظومتهم الفكرية· وقد يكون رواج ظاهرة تلفزيون الواقع رد فعل لسنوات من الحجب والتكتم عاشها المواطن العربي جعلته في شوق عارم للمعرفة حتى لو تطلب الأمر هتك الحرمات· وأيا كانت أسباب رواج تلفزيون الواقع إلا أن حساسيته تكمن في كون غالبيته تروج لنماذج تصل إلى القمة بسرعة ''قياسية'' من دون جهد يذكر، ضاربة مفاهيم المثابرة والكفاح، ومخربة الدافعية الحقيقية للنجاح· ويبدو أن غياب برامج مؤسسية تستغل طاقات الشباب وتوجهاتهم ترك حيز استثمار وقت الفراغ لممارسة المشاهدة· والأنكى أن تلفزيون الواقع يوهم الجمهور بامتلاك سلطة انتقاء الشخص الذي يرغب في إنقاذه من دائرة ''النومنيه'' بالتصويت له إلكترونياً، في وقت يؤكد فيه ''مطلعون'' أن القائمين عليه يخططون لإبقاء المتنافسين وإخراجهم وفق حسابات تضمن استمرارية حماس المشاهدين للمتابعة من جهة وتحفظ الاقتصاديات؛ فتلفزيون الواقع ''صيغة عبقرية'' لابتزاز المشاهدين وحملهم على إنفاق أموالهم على الاتصال وإرسال الرسائل القصيرة للتصويت لمرشحهم، فضلاً عن المبالغ الهائلة التي حققوها من جيوب معلنين يتنافسون على بث إعلاناتهم أثناء عرضها· ويبدو أن سيطرة أقلية على مصادر الثروة شوه التحالف بين المرسملين وأصحاب القنوات الفضائية وحصرها في المعادلة الربحية· ولكن الخطورة في ابتعاد تلك التحالفات عن المسؤولية الاجتماعية تجاه القيم والأخلاق· وثمة تخوف من قدرة هذا النمط البرامجي على ''تخفيف الضبط الاجتماعي'' ما يمهد لتمييع الأخلاق، وإذابة الحدود بين الجنسين· ليلى خليفة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©