الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

حرب العراق.. من المنتصر ومن المهزوم؟!

حرب العراق.. من المنتصر ومن المهزوم؟!
28 يونيو 2014 19:25
د. فارس الخطاب (أبوظبي) انفجرت براميل البارود في العراق بسقوط مريع لمحافظات رئيسية فيه بأيدي المسلحين بما ينذر بتطاير شرر قد يصيب كامل الإقليم بحرائق لن تستثني أحداً كل بنسبته وطبيعة مكونات شعبه، ومع مرور كل ساعة، وليس كل يوم، تتشابك المواقف السياسية والعسكرية والأمنية داخل العراق وخارجه لتضع العالم، كل العالم أمام مفترقات طرق أحلاها مرّ، طرق تفضي إما لتوسيع وتعميق دائرة الإرهاب، أو تقسيم العراق، وما يعنيه هذا التقسيم من تداعيات على دول الجوار العراقي خاصة، أو نفوذ إيراني مطلق على الهلال الممتد من لبنان حتى طهران مرورا بدمشق وبغداد نزولا لليمن، مرورا بمن يقع تحت أهتمامات وأطماع دول بعينها في هذا الإقليم. هكذا بدأت المشكلة.. لقد نجح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في تسويق فكرة (الإرهاب) على كل معارضيه خلال فترة حكمه الممتدة لأكثر من ثماني سنوات (2006 – 2014)، ويحسب له أنه أستطاع إقناع القوى الكبرى أنه الرجل الأنسب لإيقاف نمو وسيطرة (الإرهابيين) على العراق ومن ثم تهديدهم مصالح الغرب في الإقليم والشرق الأوسط، لا بل وتهديد أمن هذه الدول المباشر، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها، لذلك لم يحرك الغرب كثيرا من سواكنه وهو يرى إسراف المالكي في حملات الاعتقالات والتصفية والتهميش وكذلك سن القوانين التي تبيح المداهمات والاعتقال بحق نسبة كبيرة من العراقيين على اعتبار أن كل هؤلاء هم أعضاء في تنظيمات إرهابية كالقاعدة ثم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). ومع استمرار التهميش وتزايد حالات الاعتقال بحق مكون بعينه في العراق من خلال استخدام كل الجيش العراقي وقوى الأمن الأخرى في البلاد لكبت حرياتهم ووسائل مطالبتهم بحقوقهم الدستورية، ومع استشراء الفساد بكل مؤسسات الدولة، إضافة إلى تجاهل أو استهداف أصوات من داخل المؤسسة العراقية الحاكمة (طارق الهاشمي، رافع العيساوي، أحمد العلواني)، ساحات الاعتصام السلمية في محافظات عراقية مهمة كالأنبار وصلاح الدين ونينوى والتأميم وديالى، بات الموقف الشعبي العراقي خصوصا في المحافظات شمال بغداد ينذر بحدث كبير قد يقع في أي لحظة، ذاك أن الإحساس العام لسكان هذه المحافظات كان يقول: «لم يعد لدينا شيئا لنخسره». وبعد أن شن رئيس الوزراء العراقي هجوماً عسكرياً كبيراً وشاملاً على محافظة الأنبار بذريعة الهجوم على مقرات ومراكز تدريب لعناصر (داعش) في العراق ثم انحسر هذا الهجوم في حدود مركز المحافظة (الرمادي) وأهم أقضيتها (الفلوجة)، تبين للمراقبين، قبل العراقيين، أن المقصود هو توجيه ضربة قوية للتخلص من معارضيه والتخلص من القوة الضاربة للمكون الذي أراد المالكي تقويضه لأدنى الحدود قبل موعد الانتخابات النيابية التي تمت لاحقا نهاية شهر أبريل الماضي، وقد شخّصت الخارجية الأميركية هذا التوجه للحكومة العراقية حيث اتهم نائب وزير الخارجية لشؤون العراق برت ماكرك، في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب في فبراير، المالكي بـ«تهميش السنة ولعب الورقة الطائفية، والتلكؤ في ضم قوات عشائر الأنبار إلى قوات الجيش والشرطة، وكذلك الاستجابة لمطالب القبائل بما سمح لـ(داعش) بالاستفادة من هذا الخلل»، كما قال ماكرك «إن العراق لم يفعل الكفاية لوقف تدفق الأسلحة الإيرانية عبر أراضيه إلى حزب الله وللنظام السوري». ولعل أهم ما ذكره ماكرك في هذه الشهادة هو أنه «بدون وجود القبائل السنية المسلحة في الطليعة فلن تهزم القاعدة في العراق»، في إشارة واضحة لاستحالة وجود حاضنة طبيعية لمثل هذه التنظيمات الإرهابية بين القبائل العربية العراقية !. لم يستطع رئيس وزراء العراق استيعاب استحالة القضاء على مكون رئيس في العراق من خلال عمليات عسكرية للجيش، كما لم يستنتج، وهو القائد العام للقوات المسلحة في العراق، الفراغ العقائدي والمهني لقواته خلال خوضها لقتال بكل صنوف أسلحتها ضد مجموعات صغيرة من مقاتلي العشائر أو حتى (داعش)، طيلة ما يناهز الستة أشهر، والتي كانت ستلزمه حتما بإعادة ترميم الروح المعنوية بشكل علمي ومهني بدل استخدام النعرات الطائفية العقيمة كقوله (إنها حرب لأبناء الحسين ضد أبناء يزيد !)، أو قوله (بيننا وبينهم بحر من الدماء)، وغيرها من التعبيرات والوسائل التي أضافت المزيد للهوة الموجودة أصلا بين القوات العراقية المسلحة بكل صنوفها وبين الشعب العراقي، وخاصة في المحافظات المشار إليها. لقد استثمرت القوى السياسية والعسكرية بكل توجهاتها حالة الإحباط ثم الهيجان الشعبي التي برزت بعد حصول المالكي على مقاعد نيابية في الانتخابات العراقية ربما تؤهله للولاية الثالثة التي يسعى لها بكل قوة، فقامت بعملية عسكرية خاطفة في محافظة نينوى، وتحديدا في مركزها (الموصل) والتي يتواجد فيها أربعة فرق عسكرية عراقية (حوالي 50 ألف عسكري) بكامل أسلحتها وعتادها، إضافة لقوى الأمن والمخابرات والشرطة، يوم التاسع من يونيو الجاري، وكانت المفاجأة هي هروب كامل القوات بقياداتها، ثم أعقبها سقوط محافظة صلاح الدين ومركزها تكريت بنفس السيناريو، وهكذا باتجاه أقضية ونواح في محافظتي التأميم (كركوك)، وديالى، وصولا للهدف المعلن لهؤلاء المسلحين، العاصمة العراقية بغداد حيث تدور معارك كر وفر على محيطها حتى الساعة. لقد أصابت صدمة الموصل القيادة العراقية والمالكي تحديدا، ثم العالم كله، بالذهول، فالمشهد غير معتاد حتى في أفلام هوليوود السينمائية خصوصا وأن الجيش الذي هرب أمام بضعة الآف من المسلحين، هو جيش أنشئ وجهّز ودرّب من قبل الولايات المتحدة الأميركية التي حلّت الجيش الوطني العراقي عقب احتلالها للعراق عام 2003، لكنه أي رئيس وزراء العراق، أشهر ورقة (داعش) في محاولة لكسب تأييد الولايات المتحدة لترشحه لولاية ثالثة كضرورة ملحة وقصوى، ثم لإن هذا الخطر الإرهابي سيمكنه من فرض إعلان حالة الطوارئ على البرلمان وهو ما يعني بقاءه على رأس السلطة لحين تمكنه من بسط نفوذه وتمهيد طريقه تماما لحكم العراق أربعة سنوات أخرى. من يقاتل في العراق.. لقد برز أول اسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام كأول المرشحين من القوى المسلحة التي اجتاحت الموصل وصلاح الدين وغيرها، وبدأت وسائل الإعلام بإظهار الرايات السوداء التي يرفعها التنظيم عادة فوق الأراضي التي يسيطر عليها، وهلعت دول كثيرة من تمكن مقاتلي «داعش» من السيطرة على كميات كبيرة من الأسلحة والدبابات والطائرات والذخائر في المحافظات التي هرب الجيش منها. ومرة أخرى يقع المالكي في خطأ طائفي جديد حيث تبنى خطة لتقليص الاعتماد على الجيش فاتحا الباب على مصرعيه لتطوع الشعب لمقاتلة (داعش) أطلق عليه (الجيش الرديف)، وهنا تحديداً كانت الرسالة هي الدعوة لحشد طائفي ضد مكون طائفي آخر بما يعنيه ذلك من تحديد حركة كل أبناء هذا المكون خاصة في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى جنوب العاصمة. ومع استمرار العمليات العسكرية ونجاح المسلحين في السيطرة على مدن ومعابر حدودية بدا العالم أكثر اهتماما بحيثيات ما جرى ويجري في العراق ودور المالكي والساسة العراقيين فيه، وبدأت وسائل الإعلام بتقصي الحقائق حول ماهية المسلحين الذين يقومون على الأرض بتقويض جيش بلغ تعداده أكثر من 900 ألف عسكري دون عناء يذكر، واتضح مع الوقت أن أطراف المواجهات العسكرية مع جيش المالكي ليس تنظيم (داعش) فقط، فقد أعلن المجلس العسكري العام لثوار العراق أن قوى وطنية وإسلامية عديدة منها «جيش الطريقة النقشبندية» و«جيش العشائر» و«كتائب ثورة العشرين» و«جماعة أنصار السنة» و«جيش المجاهدين» وغيرها، تشترك في القتال من أجل تنفيذ مطالبها بالتخلص من حالة التهميش والإقصاء، ثم تبلورت لتكون أيضا، ضد بقاء المالكي رئيسا لوزراء العراق، كما أعلن المجلس العسكري أن هذه الفصائل تعارض داعش وترفض هيمنتها أو تصدرها المشهد واختزال بعض الوسائل الإعلامية له فيها، كما ترفض الشحن الطائفي، وتراها ثورة وطنية ضد سياسات الحكومة العراقية الطائفية !. اتجاهات المسلحين وأهداف العملية العسكرية.. تنقسم القوى التي تقاتل جيش المالكي في العراق الآن بحسب التوصيف الآتي: • فصائل ترفض فكرة ومبدأ تقسيم العراق على أساس طائفي أو عرقي، وهي تهدف من خلال هذه العملية العسكرية إلى إنشاء نظام حكم وطني في العراق يعيد كتابة دستور البلاد ويلغي المحاصصة الطائفية كما يعيد بناء الجيش العراقي وفق أسس وطنية لا تعتمد المعايير الطائفية أو القومية الحالية، كما تسعى هذه الفصائل في حال بسط نفوذها على حكم العراق إلى إلغاء العملية السياسية الحالية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تتبنى الدعوة لانتخابات شفافة عقب فترة زمنية محددة من إسقاط الحكومة الحالية. ومن بين الفصائل التي تدعو لهذه الأهداف جيش الطريقة النقشبندية وكتائب ثورة العشرين والمجلس العام لثوار العراق بجناحيه العسكري والسياسي، إضافة لفصائل ترتبط بقيادة حزب البعث في العراق كالقيادة العامة للقوات المسلحة وغيرها. • فصيل واحد تقريبا يعلن بوضوح أن مشكلته مع الحكومة في بغداد هي مشكلة طائفية، وتحدد هدفا لها من خلال مشاركتها في الحرب على المالكي يتلخص بمنح المحافظات (السنية) حكما ذاتيا (إقليم) على غرار إقليم كردستان، ويقف الحزب الإسلامي في مقدمة الساعين لهذا الأمر وهم عادة يطلقون تعبير (الحراك الشعبي) على ما يطلقه الآخرون من الفصائل المسلحة بـ (الثورة) في العراق. • فصائل شديدة القناعة بإقامة دولة إسلامية في العراق، تتقاطع مع تنظيمات متشددة مثل القاعدة و(داعش) ولا تمارس أيا من ممارسات هذه التنظيمات الإرهابية، ويمثلها جيش أنصار السنة، وجيش المجاهدين. • فصائل تقاتل دفاعاً عن النفس والعرض ودرء الأذى اضطّرت للتحول إلى وضعية الهجوم نتيجة استهدافها لفترات طويلة من قبل القوى الأمنية والقوات المسلحة التابعة لحكومة المالكي وتلك الفصائل تبرز بشكل دقيق في محافظة الأنبار حيث يتولى قيادة جانب كبير منهم الشيخ علي الحاتم أمير عشائر الدليم. • تنظيم (داعش)، وهو من أقل الفصائل عدداً وسيطرة على الأرض، حيث دلت الوقائع وشهود عيان في المناطق التي بسط المسلحون نفوذهم عليها أن لا وجود لهم في تلك المناطق، وأغلب الظن أن قيادة الحرب على المالكي في العراق تستخدمهم كقوة ضاربة ورأس حربة لإثارة الفزع في قلوب الجيش في بعض قواطع العمليات. وفي المقابل فإن الجهة الحكومية العراقية التي يمثلها المالكي تضم بالإضافة إلى الجيش والشرطة الاتحادية، ما أطلق عليه بـ(الجيش الرديف) وهو من المتطوعين الذي زاد من إقبالهم عليه وتغذيتهم لحالته الطائفية فتوى المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، ثم ميليشيات عدة ترتبط بشكل كبير عقائديا مع التوجه الإيراني في العراق ومنها «عصائب أهل الحق، أبو الفضل العباس، حزب الله (العراقي واللبناني)، جيش المختار، فيلق بدر (الذي عاد لسمته العسكرية رسميا بعد هذه الأحداث)، ثم فيلق القدس الإيراني الذي يقوده من داخل الأراضي العراقية ومن إيران قاسمي سليماني». لمن الموقف على الأرض.. مع سيطرة المسلحين على مدن شمال وغرب العراق يكون واضحا جدا بسط نفوذهم على ثلاثة محاور ومقتربات حول العاصمة بغداد، ولإنهم قالوا إنهم يستهدفون من حربهم على نظام المالكي والعملية السياسية في العراق الوصول إلى بغداد، فإنهم يحتاجون تطويق بغداد من الجهات الأربع، ولهذا قامت الفصائل المسلحة بالسيطرة على المعابر الحدودية بين العراق وكل من سوريا والأردن ثم تحركوا سريعا جنوبا لتصوير الأمر على أنه محاولة للسيطرة على معبر عرعر الحدودي مع المملكة العربية السعودية وقد وصلوا فعلا إلى النخيب جنوب محافظة كربلاء، لكن يبدو في أغلب الظن وبحسب المتابعين والمراقبين أن المسلحين يهدفون من هذه العملية الالتفاف حول كربلاء وتجاوزها (كما فعلوا مع سامراء) منعا لإثارة مخاوف الشيعة أو استغلال المالكي لذلك، ثم الانعطاف من وراء هذه المحافظة المقدسة والعودة لسلوك الطريق شمالا إلى بغداد، وحينها فقط قد تكون كامل خطة الهجوم على بغداد قد استكملت شروطها مع ما وعد المسلحون من مفاجأة تنتظر الجميع أعدوها لحكومة المالكي من داخل العاصمة تتزامن مع ساعة الصفر للانقضاض على العاصمة. إن مستقبل العراق بعد أن بدأت انتفاضات المحافظات ووصول الموقف إلى حد الأزمة سيكون وفق مشهدين رئيسيين هما كالآتي: - أولا: أن تنجح القوى المسلحة في دخول بغداد وإعلان التغيير المطلوب وهو أمر متعدد التوقعات من حيث ردود الأفعال، فقد يكون مرحبا به من قبل بعض أهالي بغداد شيعة وسنة بما يفتح الباب للمحافظات الجنوبية للولوج تحت إرادة التغيير الجديدة خاصة أن هذه المحافظات قد عانت أيضاً من تداعيات التدخل الإيراني في شؤون محافظاتهم، لكنه في توقع آخر أيضاً قد يفجر حرباً أهلية في العاصمة التي تعج بحوالي ثمانية ملايين نسمة. - ثانياً: أن تدفع إيران بقوات ضاربة لحماية النظام في بغداد مما يعني وقوف المسلحين على حدود العاصمة إن طال القتال حولها، وهو ما سيدفع لإعلان إقليم خاص بالمناطق التي سيطروا عليها (ديالى، والأنبار، وصلاح الدين، ومناطق في كركوك، ونينوى) وبالتالي تكوّن إقليم ذي أغلبية سنية بما يضعف من سلطة الحكومة الاتحادية إلى أدنى الحدود. - ثالثاً: أن تفتح جبهات القتال عرضيا (وقد بدت بعض ملامح هذا الاحتمال عبر المناطق الممتدة بين البوكمال والقائم) ليكون لتنظيم (داعش) ملعبا واسعا يمتد بين بادية الأنبار ودير الزور مستفيدا من الآليات والأسلحة التي حصل عليها من مخازن أسلحة تركها الجيش العراقي بعد انسحابه من مواقعه، وهذا الاحتمال الأخطر كونه يمنح دولة إقليمية مهيمنة على مقدرات الأمور حاليا على نظامي الحكم في سوريا والعراق من لعب دور محوري قد يحقق لها نظرية الهلال الشيعي بما يهدد أمن المنطقة كلها من الحدود التركية وحتى بحر العرب جنوب الجمهورية اليمنية. إن الفرضيات التي أتسع المجال لذكرها أو تلك التي لم يتسع لأسباب كثيرة تستوجب جميعها ضرورة وجود موقف عربي يساند وحدة العراق من خلال التحذير المباشر لكل القوى الإقليمية من عدم التدخل في شؤون العراق الداخلية، ذلك أن أحدا لن يكون في مأمن مما يجري في العراق أو سيجري خلال الفترة المقبلة ذلك أن هذا البلد يمثل الصخرة التي تقف على بوابة مغارة كبيرة فإن زحزحت بشكل خاطئ هوت فأهلكت ما حولها وما بعدها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©