السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عاصفة «آديل»

عاصفة «آديل»
12 يونيو 2013 20:13
فاز المخرج الفرنسي من أصل تونسي عبد اللطيف كشيش (53 عاما) بالسعفة الذهبية لمهرجان “كان” السينمائي... وانقسم التونسيون ـ بسبب تجاذبات سياسية وقناعات آيديولوجية ـ بين مادح وقادح للمخرج ولشريطه ما أثار سجالا وصل حد التراشق بالتهم وتبادل الشتائم. ما ان تم الإعلان عن فوز المخرج كشيش بالسعفة الذهبية لمهرجان “كان”السينمائي في دورته الساسة والستين عن فيلم “حياة آديل” La vie d’Adèle حتى بادر الكثير من التونسيين الى التعبير عن الاعتزاز والفخر والشرف الذي نال تونس والتونسيين بفوز مبدع تونسي بأهم جائزة لأحد أكبر المهرجانات العالمية للسينما، وانهالت برقيات التهاني على المخرج من شخصيات رسمية كوزير الثقافة التونسي مهدي مبروك ومن عادل الفقيه سفير تونس بباريس، وأخرى حزبية كبرقية نجيب الشابي زعيم “الحزب الجمهوري” الذي نشر نص تهنئته باللغة الفرنسية على موقعه الالكتروني، ومن كثير من المثقفين والفنانين المقيمين في تونس او المهاجرين على غرار الممثلة هند صبري في مصر، كما ان الكثير من الجرائد والمجلات التونسية أبرزت الحدث الفني وامتدحت المخرج مع بعض الحرج في الحديث عن مضمون الفيلم، والكثيرون تعمدوا ذكر عبد اللطيف كشيش بأنه “مخرج تونسي” أو “ابن السينما التونسية” اعتبارا لكونه بدأ مسيرته الفنية ممثلا في أفلام تونسية دون الإشارة إلى أنه هو أيضا مواطن فرنسي ويحمل الجنسية الفرنسية، بل هناك من ذهب الى حد التعليق على صفحات التواصل الاجتماعي بالقول: “إن عبد اللطيف كشيش هو المثال للتونسي الذي يريد التونسيون الافتخار به وليس مثل “الظلاميين” الذين يحكموننا”، والكثيرون جزموا بأن حرية الإبداع وحرية التعبير في فرنسا هي التي خولت إنتاج وتصوير شريط سينمائي كهذا، ملمحين بذلك إلى التضييق على حرية التعبير في تونس والتأكيد بأن عبد اللطيف كشيش لو بقي “تونسيا” ولم يهاجر الى فرنسا لما أمكن له تصوير فيلم بهذه الجرأة. كما كتب فريد بوغدير الناقد والمخرج السينمائي المعروف بميوله الفرانكوفونية مقالا بمجلة “جون أفريك” الصادرة بباريس بالغ فيه في مدح عبد اللطيف كشيش والإشادة المفرطة بشريطه، كما ذكر المخرج النوري بوزيد انه عادة عندما يقوم فنان من أصل عربي بمعالجة قضية فرنسية بحته فأنه يفشل ولكن كشيش لا يمكن للفرنسيين ان يصفوه بـ:”العربي الصغير” حسب التعبير الفرنسي، لأنه أثبت جدارته بمعالجة قضية فرنسية باقتدار وكفاءة ومهارة. شباب وشباب وفي الوقت نفسه ارتفعت أصوات أخرى ـ ممن لم يعجبهم موضوع الفيلم ومضمونه ـ للتذكير بأن المخرج الفائز لا يحمل من تونس الا اسمه العربي، فهو فرنسي وعاش في فرنسا منذ أن كان في السادسة من عمره، بعدما هاجر مع والديه وهو طفل صغير واستقر بمدينة “نيس” بجنوب فرنسا، وانه تشبع بالثقافة والقيم الفرنسية، والا علاقة له بتونس وبالهوية العربية الاسلامية. وقد ذهب الناقد السينمائي خميس الخياطي ـ وهو معروف بمواقفه النقدية إزاء الإسلاميين ـ الى القول ان ما قامت به بعض الجرائد وبعض النخب من تهليل بالفائز والإشارة بأنه شرف لتونس هي “عملية اختطاف”، مكررا بأن المخرج هو فرنسي والفيلم فرنسي وان محاولة بعض الجهات إبراز نجاح هذا المخرج وكأنه نجاح لتونس وللسينما التونسية هي مغالطة. ولكن هناك من جانب آخر من ذهب الى حد لوم الدكتور المهدي مبروك وزير الثقافة التونسي لعدم حضوره بنفسه حفل تسلم عبد اللطيف كشيش السعفة الذهبية في مهرجان “كان” مما دفع فتحي الخراط المدير العام للفنون السمعية والبصرية بوزارة الثقافة الى الإدلاء بتصريح نفى فيه ما تردد عن تراجع الوزير عن الحضور بعد أن علم ان مضمون الفيلم يتعلق بعلاقة غرامية بين امرأتين، وان الوزير كان مرتبطا بالتزامات هامة أخرى تزامنت مع فعاليات مهرجان “كان”. وكان الوزير بعث ببرقية تهنئة الى المخرج الا ان الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تجاوزه الى اتهام الوزير بـ”أسلمة الوزارة” وانه عدل عن الحضور في حفل الختام لأن مضمون فيلم عبد اللطيف كشيش لا يمكن ان يرضي الاسلاميين. وهكذا تحول فيلم “حياة اديل” في تونس من حدث فني الى قضية ذات توجه سياسي بسبب التجاذبات التي تعصف حاليا بالطبقة السياسية في تونس بين إسلاميين وعلمانيين حداثيين. ولا شك ان تحية المخرج عبد اللطيف كشيش ـ عند تسلمه السعفة الذهبية من يدي الممثلة الاميركية اوما ثورمان ومن المخرج الاميركي الشهير ستيفن سبيلبرغ بحضور بطلتي الفيلم ـ الى شباب الثورة في تونس واهدائه لهم جائزته هو ما دفع الكثير من التونسيين للإحساس بأنهم معنيون بشكل او بآخر بهذا النجاح، ولكن تناسى الكثيرون ان المخرج حيا أولا الشباب الفرنسي وقال بالحرف الواحد: “أريد أن أهدي هذه الجائزة الى الشباب الفرنسي الذي تعلمت منه الكثير حول فكر الحرية... والى شباب آخر هو شباب الثورة التونسية لتوقهم للعيش أيضا في حرية وللحب بحرية”. وقد أكدت جريدة “الفيغارو” اليومية الباريسية “ان عبد اللطيف كشيش مرتبط ارتباطا وثيقا ببلده الأصلي تونس”. والملاحظ ان المخرج سبق له في فيلمه “الكسكسي بسمك البوري” إن اظهر البطل التونسي المهاجر في مظهر من يتمسك بجذوره التونسية، فالبطل سليمان الذي يشبه والد المخرج يحاول ان ينجح في بلاد المهجر دون أن يتنكر لجذوره. فذكر عبد اللطيف كشيش تونس في الكلمة المختصرة التي ارتجلها لحظة تسلمه السعفة الذهبية غذى الإحساس لدى التونسيين بأن المخرج حتى وان كان مواطنا فرنسيا ويحمل الجنسية الفرنسية ويعيش ويعمل في فرنسا، فهو لم يتنكر لجذوره التونسية، وانه في لحظة نشوته بتسلم السعفة الذهبية أرسل برسالة الى الشباب التونسي محملة بالكثير من المعاني والرموز والأمنيات لشكل المجتمع التونسي الذي يحلم به لبلد آبائه وأجداده، ولكن التجاذبات السياسية في تونس زجت بالمخرج رغما عنه وسط “المعارك” الداخلية والسجال بين مختلف الأطراف المتنازعة والمتنافسة على السلطة، وجعلته موضع سجال بين العلمانيين من جهة وبين اليساريين الحداثيين من جهة أخرى، حتى ان أحد المعلقين هاجم بعض من اهتموا بالمخر ج وبجائزته قائلا انهم انتقلوا بسرعة الى البكاء على الفن والثقافة وحريّة الإبداع في ظل الحكومة التونسية الحاليّة، وان ذلك يؤكّد ما اسماه غربة بعض هؤلاء النخب عن واقع مجتمعهم وهويّة شعبهم. «تسييس» بالاتجاهين ويقول ناقد تونسي بوضوح إن الفيلم الفائز بمهرجان “كان” يشرّف من أخرجه ومن أنتجه ولكنّه لا ولن يشرّف تونس بكل المقاييس، فمضمون الفيلم الذي يسوّق لحقوق السحاقيّات والشذوذ الجنسي جزء من اللعبة التقليدية لسينما مهرجان “كان” ذات الأجندة السياسية والثقافية التي تخدم لوبيّات لا علاقة لها بمصالحنا كعرب وكمسلمين. وهكذا تم “تسييس” المسألة الى درجة الوصول الى ان أحدهم قال بأن موضة الدفاع عن حقوق المثليين والشواذ في الزواج والتطبيع مع هذه الظواهر هي موضوع خلاف في مجتمعات أوروبا، ويراد لها ان تكون أيضا موضوع اهتمام في المجتمع التونسي بل وصل الأمر الى حد التأكيد بأن هدف بعض المادحين للفيلم الذي يروي قصة علاقة حب بين امرأتين والفخورين بالمخرج غايتهم تتمثل في تطبيع الشذوذ الجنسي في تونس. واذا كان هناك من كتب مادحا فيلم عبد اللطيف كشيش فان هناك من رد علي هذا المدح بالقول بأن السينما التي تشرف تونس والتونسيين هي السينما التي تنقل مشاكل الناس الحقيقية، وان السينما الأوروبية لها رهاناتها وأجندتها الخفية وان من يعتبر من التونسيين هذا الفيلم مكسبا يستحق التهنئة عليه ان يقبل بمشاهدته في بيته مع عائلته وأطفاله، وإذا قبل بذلك فهو صادق في تهنئته ولكن ان رفض فالأمر لا يعدو ان يكون مجرد مزايدة جوفاء. وفي المقابل فإن الاكاديمية التونسية رجاء بن سلامة المعروفة بمواقفها الراديكالية المعادية للإسلاميين أشادت بالفيلم وبمضمونه مؤكدة ان كتب التّراث تعجّ بأقاصيص الحبّ المثليّ. وان المثليّة الجنسيّة ليست صناعة غربيّة صهيونية ماسونيّة حديثة، بل اتّجاه جنسيّ موجود منذ القدم، وهناك نسبة لا تتغيّر من المثلييّن والمثليّات في كلّ المجتمعات، ولن تنجح ما تسميها رجاء بن سلامة “العنتريّات الأخلاقويّة في تغيير الواقع”. وتخاطب الاستاذة الجامعية اليسارية “خصومها” الاسلاميين بالقول: “لا تنغّصوا سعادتنا بشريط كشيش وبالجائزة التي حصل عليها ونتمنّى أن نرى الشريط في القاعات التونسية قريبا وأن نستمتع به”. ونفس الرجاء عبرعنه المخرج الفائز عبد اللطيف كشيش، ولكن من المستبعد جدا عرض الفيلم في نسخته الأصلية بقاعات العرض التونسية لتضمنه لقطات مطولة ساخنة، فالفيلم الذي يستمر عرضه ثلاث ساعات تضمن لقطات جريئة جدا لا يمكن للرقابة السماح بعرضها في ظل المناخ السائد حاليا في تونس وتنامي الحركات الإسلامية المتشددة. وقد أعلن عبد اللطيف كشيش احتراما للتقاليد التونسية قبوله حذف بعض المشاهد من الفيلم ليتم عرضه في تونس، ولكنه استدرك بانه مستعد للقيام بذلك دون المس من جوهر القصة. ورغم هذا التصريح فهناك اجماع بأنه من المستبعد جدا ان يتم الترخيص لفيلم “حياة أديل” بالعرض في تونس، والمؤكد ان الجمهور التونسي سيتمكن من مشاهدته عبر أشرطة “الدي في دي” المقرصنة. رحلة فيلمية والملفت ان المخرج نفسه بدأ حياته ممثلا مسرحيا شبه مغمور، ثم ممثلا سينمائيا، وكان أول دور سينمائي له في فيلم “شاي بالنعناع” للمخرج الجزائري عبد الكريم بهلول وجسد فيه دور مهاجر جزائري في باريس يعيش من السرقة ومن عمليات مشبوهة ومخالفة للقانون، وبعد ذلك اختاره المخرج النوري بوزيد عام 1992 في فيلم “بزناس” لأداء دور “روفا” وهو شاب وسيم أنيق يبيع جسده للسائحات الغربيات الوافدات على تونس بحثا عن الجنس ولو بمقابل، وقد فاز عن هذا الدور بجائزة أحسن دور رجالي في مهرجان: “نامور” الفرانكوفوني عام 1992. والجدير بالذكر إن مسألة الجنس ليست جديدة على السينما التونسية، وقد عالجها المخرجون بأساليب مختلفة. ومن ذلك ما قدمه فيلم “خشخاش” او “زهرة النسيان” للمخرجة سلمى بكار ـ وهي اليوم منتخبة عضو بالمجلس التأسيسي ـ حيث تكتشف الزوجة في الشريط ان زوجها شاذ جنسي، وفي فيلم “الخيط” للمخرج مهدي بن عطية فان البطل وهو شاب تونسي هو شاذ جنسي، وفي فيلم “حلفاوين” للمخرج فريد بوغدير يروي قصة مرور طفل الى مرحلة البلوغ وما صاحبها من رغبة في اكتشاف عالم الجنس وان مشاهد العري في هذا الفيلم أثارت أثناء عرض الشريط ضجة وردود فعل كثيرة. أما أفلام المخرجة نادية الفاني كـ”الستار الأحمر” فحدث ولا حرج، فالأم تقع في غرام خطيب ابنتها، وفي فيلم “الدواحة” فإن الممثلة التونسية ريم البنا تظهر في لقطة مطولة عارية تماما وهي تستحم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©