السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مخيال أسطوري وتزييــف توراتي

مخيال أسطوري وتزييــف توراتي
25 يناير 2018 01:58
أشرف عزّت «بعد مضيّ سبعين سنة من الحفريّات والتّنقيب المكثّف في أرض إسرائيل، تبيّن لعلماء الآثار أنّ ما كنّا نبحث عنه لا يعدو كونه خرافات وأساطير، فنحن لم نُقِم بمصر، ولم نهاجر ولم نغزُ أرضاً، كما لا أثر لإمبراطوريّة داوود وسليمان. وكلّ أولئك المهتمّين بهذا الشّأن يعلمون ذلك جيّداً منذ سنوات، غير أنّ إسرائيل شعب عنيد لا يريد سماع أيّ شيء عن هذا الأمر». (ريف هيرزوغ، رئيس قسم البحث الأثري والدّراسات عن الشّرق الأوسط القديم بجامعة تل أبيب، في حوار مع مجلّة هآرتس) في يوم 26 يوليو 2015 شهدت مدينة القدس صداماً شرساً آخر بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، والتأم الحشد هذه المرّة عند المسجد الأقصى. وقد تمّت المواجهات بسبب غضب الفلسطينيّين على أثر دخول اليهود إلى باحة الحرم بتعلّة إحياء ذكرى حداد يهوديّ سنويّ. وألقى الفلسطينيّون بالمناسبة الحجارة وزجاجات حارقة، فيما أمطرتهم الشّرطة بوابل من القنابل المسيلة للدّموع، قبل أنّ تفتح منفذاً في باحة الحرم وتقتحم للحظات المسجد ذاته. وسرعان ما تعالت أصوات الاحتجاج في أزقّة المدينة العتيقة المتاخمة للمسجد، وآل الأمر إلى مواجهة المتظاهرين لتلك القوّات وهي تردّد بأصوات مدوّية «اللّه أكبر.. اللّه أكبر». وتسلّل بعض الأصوليّين اليهود بعد ذلك إلى باحة الحرم، تحميهم قوّات الأمن التي لم تتوقّف عن استهداف المتظاهرين بقذائفها، قبل أن تلجأ إلى غلق مدخل الحرم يعتبر مركّب الأقصى بالمدينة العتيقة أكثر المناطق السّاخنة في الشّرق الأوسط، فهو المكان الأكثر قداسة لدى اليهود، وكذلك لدى المسلمين، باعتباره ثالث الحرمين الشّريفين بعد مكّة والمدينة. ويدعوه المسلمون بالحرم الشّريف أو المسجد الأقصى، إذ هو «البيت المقدّس» الأبعد، فيما يمثّل ذلك المكان بالنّسبة لليهود جبل الهيكل أو «حار حرمونيا».. أي جبل ماريا. ثمّة سببان يجعلان من الأقصى مكاناً مقدّساً لدى المسلمين: الأوّل.. هو أنّ هذا المسجد كان قبلتهم الأولى، أمّا الثّاني فهو اقترانه برحلة الإسراء والمعراج. وتنبئنا الرّوايات عن تلك الرّحلة العجيبة التي كانت للنبي محمّد، عليه الصلاة والسلام، على صهوة البراق وإسرائه إلى «المسجد الأقصى»، حيث التقى رسلاً آخرين، أمثال موسى وإبراهيم وعيسى.. وأَمَّهم في صلاة جامعة، وذلك قبل أن يعرج به البراق إلى سدرة المنتهى حيث كان قاب قوسين أو أدنى من العرش. أمّا فيما يتعلّق باليهود، فإنّ الرّوايات المتواترة، تعتبر أنّ موقع الأقصى يحيل على ثلاثة جبال مذكورة في العهد القديم، مواقعها ليست محدّدة ولكنّها على قدر كبير من الأهميّة: جبل «مارياحْ» الذي يفترض أنّه المكان الذي عاش فيه إسحاق، جبل صهيون، حيث معقل «اليبوسيّين» الأوائل المتحدّرين من الكنعانيّين، وحيث القرية التي أقام فيها داوود، ثمّ جبل الهيكل أو المعبد الثالث، الذي يفترض أن يكون سليمان قد أقامه في ذات المكان الذي بنى فيه المعبد الأوّل. ومهما يكن من أمر، فإنّ التّأويلات الثّلاثة تظلّ محلّ جدال، إن لم تكن زائفة بصورة جازمة. ولكن قبل الخوض في الجدال عن قداسة الجبال الثلاثة التي تذكرها التّوراة والتحقّق من مدى تاريخيّتها، لنحاذر ولا نأخذ بروايات التّوراة على أنّها روايات مسلّمة، ولنعتمد موقفاً نقديّاً إزاء الرّوايات اليهوديّة كما الإسلاميّة بهذا الخصوص. ولا بدّ لنا من تبنّي موقف استقصائيّ، لتبيّن الأسباب التي جعلت من هذه المدينة، مدينة مقدّسة بالنّسبة لليهود والمسلمين، لتعرف بأورشليم في اللّغة العبريّة والقدس في اللّغة العربيّة. تتأسّس كلّ الأيديولوجيا الصّهيونيّة على مفردة عبريّة بسيطة، تحمل دلالة يهوديّة قديمة: (ألِياهْ)، وتعني (الهجرة)، الهجرة إلى فوق، إلى حيث أرض إسرائيل البكر.. المفترضة. لقد كانت (ألِياهْ) ولا تزال أول المعتقدات الأساسيّة للصّهيونيّة، التي ما فتئت تدعو يهود الشّتات إلى الهجرة والعودة إلى أرض إسرائيل (إيرتز إسرائيل). والمسألة هنا ليست في معرفة ما إذا كان يهود الشّتات مدعوّون إلى إسرائيل، وإنّما أن نتبيّن لماذا تشدّد كلمة (ألِياهْ) هذه، على نحو ملتبس، إلى أنّ اتّجاه الهجرة ينبغي أن يكون إلى فوق. وبالتفكّر في هذا الأمر قد نستخلص أنّ اليهود الأوائل قبل هجرتهم إلى القدس الحديثة، كان عليهم مغادرة أرض واقعة جنوبي فلسطين. وتفيد كلمة (ألِياهْ) بأنّ هؤلاء اليهود كانوا قد تاهوا قبل ذلك في الأرض (قبل أن يهاجروا)، ولكن لا في أوروبا ولا في أميركا، وإنّما في بلاد الشّرق حيث بلاد العرب واليمن. وبهذا المعنى، كان عليهم الهجرة «نحو الشّمال»، نحو فلسطين، في القرن الرّابع قبل الميلاد، حسب ما توصّلت استقصاءات الباحثين. وكما أوضحت ذلك في كتابي «مصر لم تعرف لا فراعنة ولا إسرائيليّين»، فإنّ مُجْمل التّاريخ الإسرائيلي يعدّ مثالاً لجغرافيا مبدّدة ومفقودة. لقد وشم الإنجيل العبرانيّ المدلّس (حينما نُقِل إلى الإغريقيّة) العالم بتاريخ مصحّف وجغرافيا خادعة منذ أكثر من 2300 سنة. وإنّه لمن المؤسف أن يكون هذا التّزييف قد عمّر إلى غاية اليوم. إنّ عملي الاستقصائيّ عن تاريخ مصر القديمة وتاريخ الإسرائيليّين، الذي تطلّب منّي ثلاث سنوات من العمل الموصول، إضافة إلى دراسات باحثين أكاديميّين موثوقين (أذكر منهم الدّكتور كمال صليبي الذي قدّم لنا دراسة رائدة: «من بلاد العرب.. جاءنا الإنجيل»)، انتهى، بالاعتماد على البراهين المتاحة، إلى نفس الخلاصة: إنّ الإنجيل العبراني وما رافقه من روايات قد ظهر في جنوب بلاد العرب القديمة وفي اليمن، كما ورد ذلك أيضاً في كتابات مؤرّخين كلاسّيكيّين عرب، تناولت بالوصف الدّقيق المسرح الحقيقي الذي تشكّلت فيه تلك الرّوايات الإسرائيليّة، كما التّعريف بالجبال والأودية والقبائل في تلك الحقبة (وهي الوقائع تمّ تدوينها ووصفها في التّوراة). ويعني ذلك أنّ موقع جبل الهيكل، كما كامل دولة إسرائيل، قد تأسّست على أيديولوجيا هي في جوهرها زائفة ومخادعة. فـ«قادس» المشار إليها في التّوراة هي جبل يمنيّ، يبعد مسافة 80 كيلومتراً عن مدينة تعز الحديثة، ولا علاقة لها البتّة بالقدس. ووفقاً لحديث نبويّ، تكون القبلة الأولى قد وجدت ناحية «البيت المقدّس» (الذي يفترض أنّه هيكل سليمان)، وكان الغرض هو التّأكيد على أنّ هذا البيت أقيم في شمال اليمن، وليس في قدس فلسطين كما يظنّ الجميع. وفي القرن الثالث قبل الميلاد، تُرجمت بمكتبة الإسكندريّة التّوراة العبرانيّة إلى اللّغة الإغريقيّة. وقد عيّن الملك بطليموس الثّاني (وكان وقتئذٍ ملكاً إغريقيّاً على مصر) سبعين كاتباً يهوديّاً للقيام بهذه المهمّة. ولم يكن هؤلاء الكتّاب أوفياء في ترجمتهم تلك، إذ عمدوا إلى الاحتيال والتّدليس عند عرضهم لمسرح الرّوايات التّوراتيّة عن شمال اليمن وجنوب بلاد العرب، وتلك التي تهمّ مصر وفلسطين. وفي النّسخة الإغريقيّة المدلّسة، اعتبرت مصر زوراً، أرض احتجاز واستعباد للإسرائيليّين. وفي التّوراة العبرانيّة، لا شيء تمّ على النّحو الذي نعتقده. فتكون اعتقادات عامّة النّاس السّاذجة منذ ثلاثة وعشرين قرناً، وإلى غاية اليوم، قد تأسّست بالكامل على مجرّد اختلاق وتزوير لبعض الكتّاب اليهود. (...) لنعد إلى الأرض المقدّسة والأقصى في فلسطين، التي اعتبرت طيلة العصور القديمة والعصر الوسيط جزءاً من بلاد الشّرق من قبل الرّومان ثمّ البيزنطيّين، فيما نظر العرب إلى فلسطين دائماً على أنّها جزء من بلاد الشّام. وحدها القدس احتفظت في العهد العربي باسمها الرّومانيّ القديم.. (إيليَاءْ). ويبدو ذلك واضحاً في معاهدة استسلام المدينة للخليفة عمر بن الخطّاب سنة 637م، حيث نُعت سكّان القدس في تلك المعاهدة بأهالي (إيلياء) (ولا إشارة إلى القدس ولا إلى قادس). ووفقاً للرّوايات التي تشير إلى الّلقاء الذي جمع عمر بن الخطّاب ببطريرك القدس صفرونيوس، يكون هذا الأخير قد أعلن الاستسلام باسم أهالي (إيلياء). فعلى عكس التّاريخ الذي زيّفه اليهود، كانت القدس، كما الجزء الأكبر من بلاد الشّرق يومها، أي زمن الفتح الإسلامي.. مسيحيّة. لذا.. فالحديث عن ثورة يهوديّة وحكم يهوديّ ذاتيّ وجيز في فلسطين، على أثر غزو فارسيّ قصير الأمد في السّنوات التي سبقت، هو حديث باطل تماماً من النّاحية التّاريخيّة. لا أريد أن أقول إنّ المسيحيّة كانت أكثر تسامحاً من اليهوديّة في تلك الحقبة من التّاريخ، لأنّ الدّين الجديد كان على العكس من ذلك مصاباً في العمق بالتطرّف، ومتشرذم بسبب الخصومات اللاّهوتيّة. ولعلّ ذلك هو الذي ساعد على انتشار الإسلام في المناطق التي خضعت للحكم البيزنطي. ولاستثمار انتصاراته الخاطفة في بلاد الشّرق، قرّر عمر بن الخطّاب تأسيس أوّل مسجد بـ(إيلياء). وبالنّظر إلى أنّه كان غريباً عن هذه المدينة، فإنّه كان بحاجة إلى مستشار يرشده إلى أفضل مكان يقيم فيه ذلك المسجد، فكان ذلك المرشد هو اليهودي كعب الأحبار، وعُرِف المكان الذي اختاره هذا الأخير بـ(الأقصى) و(البيت المقدّس). و كان ذلك الحبر اليهوديّ أصيل اليمن، وطن الإسرائيليّين الأوائل، أي هناك.. حيث دارت الحروب الإسرائيليّة، زمن يوسف وداوود وسليمان وموسى. والحكايات المؤلمة للسّبي والاستعباد التي بدأت مع يوسف وحتّى خروج موسى وأتباعه، لن تتمّ في مصر، وإنّما في قرية يمنيّة مغمورة تدعى (ميصراييم). أمّا تاريخ سيّدنا إبراهيم وإسحاق/‏ إسماعيل، فهو يشكّل استثناء، لأنّ تلك القصّة دارت أحداثها في الحجاز، على مقربة من مكّة. ويخبرنا المؤرّخون المسلمون أنّ كاهن الإسرائيليّين الذي غادر الحجاز، اخترق جبال عسير بشمال اليمن. وفي عُرْف العرب، يدعى من يخترق حاجزاً طبيعيّاً.. (العابر)، مفردةٌ قد تكشف عن الأصل اللّغوي للتّسمية التي أطلقت على إبراهيم واليهود: العبرانيّين. أمّا قصّة أورْ، وطن إبراهيم في بلاد ما بين النّهرين، والخليل بفلسطين حيث قبره، فهي ليست سوى أساطير وكذب وقح أشاعه المستشرقون. وطبقاً للرّوايات العربيّة والإرث الشّفويّ للعرب، تكون واقعة فداء إبراهيم قد تمّت بجبل مُورياحْ. أفلا يذكّرنا ذلك بجبل لا يزال موجوداً بمكّة، ويزوره كلّ سنة ملايين الحجيج كجزء من شعائر الحجّ: إنّه جبل مُورياحْ أو جبل المروى. حينئذٍ.. لو كان علينا الأخذ بتعريف التّوراة العبرانيّة لجبل مورياح، لكان علينا أيضاً أن نأخذ بالمصداقيّة المحتملة للرّواية الإسلاميّة عن سيرة النّبي إبراهيم. ويعيدنا ذلك مرّة أخرى إلى الأقصى أو إلى جبل الهيكل أو جبل مورياح المزعوم. ففي كتابي كنت قد شرحت بوضوح، أنّ اللّغتين العبريّة والعربيّة لهما أصل مشترك، ألا وهي اللّغة العربيّة القديمة، فللأسماء في اللّغتين نفس الإيقاع أو نفس الفونيميا، كما نلمس ذلك في أسماء الأنبياء: أبراهام/‏ إبراهيم، جوزيف/‏ يوسف، موسّا/‏ موسى... الآن.. وقد عرفنا أنّ جبل مورياح هو المكان الذي كان سيتمّ فيه فداء إبراهيم بإسحاق حسب الرّواية التّوراتيّة، فإنّنا لن نعثر على مثل ذاك الجبل، داخل أو خارج مدينة القدس، بل إنّه لا وجود لمثل ذلك الجبل في كامل أنحاء فلسطين. جبل الهيكل.. حصن رومانيّ محرجون إلى حدّ كبير بضعف حجّتهم تلك، عمد الصّهاينة إلى الاختلاق والتّزييف، للتّأكيد بأنّ جبل مورياح وجبل الهيكل هما في الحقيقة نفس الجبل (وإن كان ذلك الموضع، وبشكل ساخر، لم يعرف بهذه التّسمية البتّة قبل الاحتلال الإسرائيلي)، كما أنّه لم يعرف المكان الذي أقيم فيه المسجد الأقصى قبل الفتح الإسلامي، بجبل الهيكل، ولا حتّى بالأقصى. إنّه لمن الثّابت حقيقة أنّ هذا المكان ذاته، الذي يعتبره الصّهاينة المكان الذي أقيم فيه الهيكل، مكان اختلقه عتاة الصّهاينة، ففي قلب تاريخ القدس، نعثر على أسرار الصّهيونيّة الأكثر قتامة: المكر والخداع والتّضليل.. ففي زمن العهد القديم، كان ذلك المكان الذي ينتصب فيه اليوم المسجد الأقصى، قلعة رومانيّة ومعسكراً حصيناً يدعى حصن أنطونيا (فيما يتموقع معبد هيرودس جنوبي هذا الحصن). وبعد حصار القدس سنة 70م، أقدم الإمبراطور تيتوس على تدمير المدينة وأسوارها، كما أسوار معبد هيرودس. لذا.. فإنّ المتباكين من اليهود عند الحائط الغربي لجبل الهيكل المزعوم، يهبون صلواتهم في الحقيقة لحائط إمبراطور رومانيّ وثنيّ. أمّا الجزء المركزيّ المرتفع، فقد قيل إنّه استخدم كمنصّة لتأدية وظائف مدنيّة من قبل الحكّام الرّومان مثل بيلاطس البنطي، الذي يكون قد استخدمها أثناء محاكمة السيّد المسيح. وقد دعا ذلك المسيحيّين إلى تشييد كنيسة فوقها زمن الإمبراطور قسطنطين. وأن تكون أسوار ذلك الحصن قد ضمّت دائماً 10,000 صخرة، فتلك شهادة على أنّ هذا السّور لم يكن أبداً السّور الذي أحاط بالهيكل. وطبقاً لشهادة أثبتها المؤرّخ اليهودي الرّوماني فلافيوس جزيفوس الذي عاش في القرن الأوّل للميلاد، يكون الرّومان قد دمّروا كلّ الأسوار، واقتلعوا كلّ صخورها. وليست تلك مجرّد فرضيّة، وإنّما واقع تاريخيّ تثبته الحفريّات الأركيولوجيّة وما أفضت إليه من اكتشافات، ومن تلك الاكتشافات ثلاثة نقوش تمجّد زعماء رومان أمثال فسبازيان وتيتوس، عثر عليها تحت أحد جدران القلعة. والكثير من الجامعيّين والدّارسين المتخصّصين.. المتضلّعين في الدّراسات الإنجيليّة وعلماء الآثار، على علم بذلك، ومنهم عالم الآثار الشّهير كاتلين كينيون والمؤرّخ الإسرائيلي بنجامين مزار. وحين سئل كعب، الحبر اليهوديّ اليمنيّ، عن أفضل مكان في فلسطين لبناء مسجد جديد، أشار هذا الأخير بخبث إلى صخرة: «أيّها الخليفة الموقّر، عند تلك الصّخرة، الملقاة في ذلك الحطام من الحجارة، ينبغي أن يقام المسجد الجديد، لأنّها كانت معراج الرسول إلى السّماء». هكذا بدأ المسلمون يتعرّفون على تلك الصّخرة ويعظّمونها كأثر إسلاميّ منذ سنة 637م، وذلك طبقاً لشهادة غير ثابتة لحبر يهوديّ يمنيّ، اعتنق الإسلام في ما بعد. والكثير من علماء الدّين المسلمين يشكّكون في تلك الشّهادة، بل إن الشّيعة يستنكرونها تماماً. (...) إذا كنّا نريد العثور على المكان الحقيقي للقدس، لنتفحّص ما تقوله التّوراة عن غزو داوود للمدينة: «اقتحم الملك وجنده المدينة للهجوم على اليبوسيّين الذين بداخلها، قال اليبوسيّون: لن تدخل هنا، فالعميان والعجّز منّا لقادرون وحدهم على صدّك. غير أنّ داوود استولى على قلعة صهيون، التي ستكون مدينة داوود». تقول التّوراة في هذا الفصل أنّه للاستيلاء على (القدس)، كان على داوود قبل ذلك السّيطرة على القلعة الجبليّة، قلعة صهيون التي كان يقطنها اليبوسيّون. ويعني ذلك أنّ القدس الحقيقيّة (الإسرائيليّة) كانت قريبة جدّاً من جبل يدعى (جبل صهيون)، حيث كانت تعيش منذ قرون في ذلك الحصن الجبلي جماعة إثنيّة عرفت باليبوسيّين. ولكن لا بدّ هنا أيضاً من التّأكيد، أنّه لا أثر في المشهد الفلسطينيّ يومذاك لمثل هؤلاء اليبوسيّين، ولا لجبل اسمه صهيون. وكان علماء الآثار الصّهاينة قد حدّدوا موقع ذلك الجبل في ثلاثة أماكن مختلفة، والحال أنّ طوبوغرافيا القدس الحاليّة لم تكشف عن وجود أيّ شكل من الجبال فيها، فمدينة القدس التي يفترض أن يكون الهيكل قد أقيم فيها للمرّة الثّالثة، لا أثر فيها لجبل حتّى تقام فوقه. والمتعارف أنّ القدس أنشئت على تَلّيْنِ لا تجاورهما أيّة جبال. وتسمية التلّ بالجبل، مثل جبل الزّيتون، عند الفلسطينيّين المحلييّن، لا تعدو كونها تضخيماً لغويّاً. ولو عدنا إلى اليمن، فعلى بعد سبعة كيلومترات من صنعاء، سوف نعثر هناك على مدينة داوود التّاريخيّة، حيث عاش اليبوسيّون لقرون في قلعة جبليّة تعرف اليوم باسم (بيت - بوس) (وطن يبوس)، وقبالة ذلك الموقع يتراءى للمشاهد جبل (زيون) أو (سيون)، وهو جزء من كتلة جبال (سراوات) التي تمتدّ على السّاحل الغربي للجزيرة العربيّة. دار السّلام أو المدينة المسالمة لقد كان اليبوسيّون محميّين من غارات العرب بفضل انعزال قلعتهم الجبليّة ومناعتها، فكان بإمكانهم العيش بأمن في مدينتهم: دار السّلام. وتنسب إحدى القصص الأخرى كلمة سلام/‏ شلوم، وانتشارها إلى حبر يهوديّ. وكانت (بيت - بوس) على امتداد مئات.. بل آلاف السّنين، محطّ أنظار يهود اليمن، وآثارها اليوم عبارة عن موقع أركيولوجيّ يمنيّ معروف، موقع ثريّ بنقائش نفيسة تحمل معلومات عن داوود وحروبه في تلك الفترة، وقد كان مآل أكثرها التّدمير أو السّرقة من قبل أولئك الذين قد تكون لهم مصلحة في إخفاء أصل الإسرائيليّين، وخرافاتهم التّوراتيّة. وقد ضمّت قلعة بيت - بوس مجتمعاً يهوديّاً نشيطاً، كما في مدن كثيرة أخرى، وذلك إلى غاية سنة 1949، حين نقل سرّاً إلى إسرائيل 49,000 يهوديّاً بوساطة جسر جويّ أميركيّ- بريطانيّ، في عمليّة ضخمة عرفت بـ«السجّاد الطّائر». وفي نفس السّنة تمّ نقل أكثر من 250,000 يهوديّ من مختلف أنحاء العالم. وقد انخرط ذلك النّقل المكثّف لليهود في المخطّط الصهيونيّ العالمي، من أجل خلق أرض جديدة لليهود مدعومة بتاريخ مزيّف. أساطير وكذب وقح يخبرنا المؤرّخون المسلمون أنّ كاهن الإسرائيليّين الذي غادر الحجاز، اخترق جبال عسير بشمال اليمن. وفي عُرْف العرب، يدعى من يخترق حاجزا طبيعيّا.. (العابر)، مفردةٌ قد تكشف عن الأصل اللّغوي للتّسمية التي أطلقت على إبراهيم واليهود: العبرانيّون. أمّا قصّة أورْ، وطن إبراهيم في بلاد ما بين النّهرين، والخليل بفلسطين حيث قبره، فهي ليست سوى أساطير وكذب وقح أشاعه المستشرقون. عملية السجاد الطائر ضمّت قلعة بيت - بوس مجتمعا يهوديّا نشيطا، كما في مدن كثيرة أخرى، وذلك إلى غاية سنة 1949، حين نقل سرّا إلى إسرائيل 49,000 يهودي بوساطة جسر جويّ أمريكيّ- بريطانيّ، في عمليّة ضخمة عرفت ب «السجّاد الطّائر». وفي نفس السّنة تمّ نقل أكثر من 250,000 يهوديّ من مختلف أنحاء العالم. وقد انخرط ذلك النّقل المكثّف لليهود في المخطّط الصهيونيّ العالمي، من أجل خلق أرض جديدة لليهود مدعومة بتاريخ مزيّف. أيديولوجيا واهِية تتأسّس كلّ الأيديولوجيا الصّهيونيّة على مفردة عبريّة بسيطة، تحمل دلالة يهوديّة قديمة: (ألِياهْ)، وتعني (الهجرة)، الهجرة إلى فوق، إلى حيث أرض إسرائيل البكر.. المفترضة. لقد كانت (ألِياهْ) ولا تزال أولى المعتقدات الأساسيّة للصّهيونيّة، التي ما فتئت تدعو يهود الشّتات إلى الهجرة والعودة إلى أرض إسرائيل (إيرتز إسرائيل). والمسألة هنا ليست في معرفة ما إذا كان يهود الشّتات مدعوّين إلى إسرائيل، وإنّما أن نتبيّن لماذا تشدّد كلمة (ألِياهْ) هذه، على نحو ملتبس، إلى أنّ اتّجاه الهجرة ينبغي أن يكون إلى فوق. و بالتفكّر في هذا الأمر قد نستخلص أنّ اليهود الأوائل قبل هجرتهم إلى القدس الحديثة، كان عليهم مغادرة أرض واقعة جنوبي فلسطين. وتفيد كلمة (ألِياهْ) بأنّ هؤلاء اليهود كانوا قد تاهوا قبل ذلك في الأرض (قبل أن يهاجروا)، ولكن لا في أوروبا ولا في أميركا، وإنّما في بلاد الشّرق حيث بلاد العرب واليمن. وبهذا المعنى، كان عليهم الهجرة «نحو الشّمال»، نحو فلسطين، في القرن الرّابع قبل الميلاد، حسب ما توصّلت استقصاءات الباحثين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©