الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشرق الأوسط.. لماذا لم تتحول السيوف إلى محاريث؟

27 يونيو 2014 23:50
بانكاج ميشرا كاتب وروائي هندي الانتصارات السريعة التي حققها «داعش» في العراق تعيد إلى الأذهان كلمات «جون بوكان» في روايته الشهيرة عن التجسس لعام 1916، وهي بعنوان «الحجاب الأخضر». حينها قال «هناك رياح جافة تهب عبر الشرق والهشيم ينتظر الشرارة». وكان «بوكان» يكتب عن حريق التمرد والانفصال الذي يسري في جسد الامبراطورية العثمانية التي تمتعت على مدار قرون بهيمنة على قطاعات كبيرة من الشرق الأوسط. وبعد الحرب العالمية الأولى استراح رجل أوروبا المريض الذي حصل على دعم خلال نهاية القرن التاسع عشر من بريطانيا وفرنسا من تعاسته وقُسمت ممتلكاته بين داعميه السابقين. وبموجب اتفاق «سايكس- بيكو» تضمن نصيب فرنسا من الأراضي العثمانية القديمة الموصل ثم اكتشفت بريطانيا فيما بعد أن المنطقة بها نفط فضمتها للعراق البريطاني. ومنذ أسبوعين استولى داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام)- الذي يستهدف إقامة دولة خلافة في العراق وسوريا- على الموصل مما يشير إلى أن الخريطة التي رسمتها القوى الاستعمارية الأوروبية في ذروة سطوتها قد تُمحى أخيراً. ومازالت الخلافة تلوح كسراب. فعلى أقصى تقدير قد يساعد «داعش» في عملية تقسيم بحكم واقع الحال للعراق. لكن تدفق الأسلحة والمتعصبين عبر الحدود سهلة الاختراق تثير شبح الفوضى في الكثير من المناطق التي كانت محل التقسيم والحكم الأوروبي. ومن الواضح أن هذه الظواهر ما بعد الحداثية، ومنها أيضاً، القبائلية والقرصنة، متفشية من الصومال وليبيا ونيجيريا. ويجب ألا يجعلنا هذا نحِنُّ إلى سلام شبيه بصلح «ويستفاليا» في آسيا أو أفريقيا. فمنذ البداية، دمغ الصلف والخداع الساذجان الخطة الفرنسية الانجليزية السرية لتقسيم سوريا والعراق العثمانيتين بعد الحرب العالمية الأولى. فالسوريون الذين كانوا يرغبون في الوحدة تم تقسيمهم وطوائف بلاد الرافدين المختلفة من الأكراد والسُنة والشيعة الذين كانوا يريدون الإبقاء على الحكم الذاتي الذي كانوا يتمتعون به في ظل الدولة العثمانية تم دمجهم في مملكة العراق الجديدة. وكتب «ديفيد فرونكين» في كتاب بعنوان «سلام لإنهاء كل سلام» يقول إنه من الواضح أن لندن «لم تكن تعي أو لم تبال بشأن الخليط السكاني في مناطق بلاد الرافدين». ومثل هذا الاستقرار الذي ساد الشرق الأوسط بعد النهاية الرسمية للاستعمار تحقق بأسعار باهظة من الدماء والإرهاب. فما كان بوسع أحد أن يمنع الأواني التي لا تنصهر المتمثلة في جماعات دينية وعرقية من الغليان، غير طغاة بلا رحمة مدعومين بشرطة سرية وقوى أجنبية منافسة. كما أن الغزو الأميركي البريطاني للعراق عام 2003 غيّر توازن الرعب الداخلي في البلاد ليدعم نفوذ الأكراد والشيعة على حساب السُنة. وفي عام 2011 حكم جيل مسيس من الشباب بإنهاء واقع الحال في العالم العربي ليعرض المجتمعات من البحرين إلى ليبيا لاضطرابات جديدة وديكتاتورية لا تقبل التغيير كما حدث في مصر. وهذه التأثيرات غير المتوقعة من «الربيع العربي» والحرب التي كان من المفترض أنها شنت من أجل الحرية والديمقراطية تؤكد أن البشر يقعون في حبائل الكثير من القصص الغامضة في صناعة التاريخ الذي لا يكتب بالتحركات الحاسمة والوضوح الأخلاقي. وأفعال البشر تولّد دوماً نمطها من العواقب غير المتوقعة. والاستجابات الشائعة على عملية إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وسط المعلقين الغربيين، بل ووسط الجمهور الخائف من الحرب كانت نرجسية الطابع وتمثلت في الصدمة واليأس يليهما بعد فترة قصيرة شق الجيوب والاتهامات بأن القادة الأميركيين والأوروبيين تقاعسوا عن بذل الجهد. والحال أن تبادل الاتهامات تحول إلى ضجيج هستيري يطالب بشن ضربات جوية على الأشرار أينما وقعت عليهم عين. ولا يوجد أي اختبار تقريباً للافتراضات العتيقة المتعلقة بالنظام والسيطرة التي تدعم التحسر على عدم لامبالاة الغرب وعدم حسمه. وهذا يتمخض أساساً- في بريطانيا وفرنسا- عن مغامراتهم الاستعمارية التي يجمّلانها، وفي الولايات المتحد ينشأ هذا عن نجاحها في غزو واحتلال اليابان وألمانيا. وكلا المشروعين من الهندسة البشرية والجيوسياسية تم تجريبهما في ظروف تاريخية مختلفة للغاية عن تجربتنا. لكن علينا أن نتذكر أن السيوف تحولت إلى محاريث في اليابان وألمانيا بعد أن أتمت عملها التدميري، لكنها جعلت الكثير من البلدان أرضاً يباباً. والعالم اليوم أقل قابلية بكثير للاحتكام للمنطق مما كان عليه عام 1918 أو عام 1945. فالصفوة التي تتصدر عالم العولمة تعتقد أن المصالح الاقتصادية الذاتية تحفز البشر في كل مكان، وأن الإنترنت والهواتف المحمولة والسفر الجوي الرخيص تساعد جميعها في تجاوز الهويات الضيقة العتيقة. والحقيقة أن عدم التوازن في السلطة والثروة والإنتاجية تعاظم أكثر بكثير في عصرنا. وأحد النتائج هو أن الولاءات العرقية والدينية وأفكار الشرف والكرامة أصبحت أكثر إغراء من «الآيفون» والانتخابات. وفي الوقت نفسه، فقد الطغاة في دول مثل العراق وسوريا احتكار القوة حتى في أراضيهم. والتشوه الناتج عن هذا لن ينتهي على يد دولة وحيدة تتمتع باحتكار عالمي للقوة، فالولايات المتحدة على أحسن الأحوال تستطيع احتواء بعض أعمال العنف، وهي لا تستطيع ذلك إلا بمساعدة قوى إقليمية. فالسيوف المسلولة مع انهيار النظام القائم منذ قرن في الشرق الأوسط لا يمكن تحويلها إلى محاريث قريباً. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلبوميرج نيوز سيرفس«
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©