الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

أهمية دور الدول النفطية في تطوير الطاقة المتجددة

أهمية دور الدول النفطية في تطوير الطاقة المتجددة
7 سبتمبر 2010 22:46
بقلم الدكتور سلطان أحمد الجابر - الرئيس التنفيذي لشركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر) تحتل الدول المنتجة للنفط اليوم مكانةً محورية بارزة في قطاع الطاقة العالمي الذي يشهد نمواً وطلباً متنامياً، وبإمكان هذه الدول المنتجة للنفط الحفاظ على الدور الريادي الذي تلعبه ضمن هذا القطاع الحيوي وتعزيزه من خلال تنويع مصادر الطاقة لتشمل وبشكلٍ متنامٍ الطاقة المتجددة. ويعتبر الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة خطوةً منطقية بالنسبة للدول التي تعتمد اقتصاداتها بشكلٍ كبيرٍ على إنتاج وتصدير النفط والغاز، حيث سيساهم هذا الاستثمار في التحول من دول منتجة ومصدرة للنفط والغاز إلى لاعبٍ مهم في مجال الطاقة بشكلٍ عام. كما أن تطوير محفظة متوازنة من مصادر الطاقة المتجددة إلى جانب المصادر الهيدروكربونية من شأنه أن يحقق لنا أمن الطاقة (Energy Security)، إضافة إلى فوائد اقتصادية كبيرة لا سيما في ظل الجهود الدولية الحثيثة الرامية إلى فرض قيود متزايدة على الكربون. كما ستساهم عملية الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بتنويع اقتصادنا وتنمية وتطوير رأس المال البشري اللازم لبناء اقتصاد مستدام قائم على المعرفة. ورغم استمرار هيمنة الوقود الأحفوري على سوق الطاقة خلال العقود القليلة القادمة، إلا أنه من الضروري جداً أن نضع قطاع الطاقة المتجددة نصب أعيننا. ومع ارتفاع عدد سكان العالم من 6.8 مليار نسمة اليوم إلى نحو 9 مليارات نسمة في عام 2050، فإن الطلب العالمي على الوقود الأحفوري سيشهد بدوره نمواً متزايداً ينتج عنه ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار الوقود الأحفوري. لذا فإن تنويع مصادر الطاقة لدينا لتشمل الطاقة المتجددة سيسمح لنا بالحفاظ على المصادر الهيدروكربونية واستخدامها لفترة أطول والاستفادة بذلك من الارتفاع المتوقع حدوثه لأسعار الوقود الأحفوري. ومن أجل ضمان إمدادات مستدامة من الطاقة، فإنه يتوجب علينا عدم الاعتماد كلياً على مصدر وحيد للطاقة، إضافة لخفض معدلات الطلب الإجمالي من خلال تنفيذ تدابير كفاءة الطاقة (Energy Efficiency). ورغم وفرة الموارد الهيدروكربونية التي أنعم الله عز وجل بها علينا، إلا أنه يتوجب علينا عدم نسيان التحديات والفرص التي تنتظرنا في المستقبل، فقد أنعم الله عز وجل علينا كذلك بوفرة أشعة الشمس التي تعد مصدراً مهماً للطاقة بمقدورنا استخدامها وتوظيفها لتوليد طاقة كهربائية نظيفة، مما يمكننا كذلك بالحفاظ على مصادر الطاقة التقليدية واستخدامها لأغراضٍ أهم. ويبلغ المردود الاقتصادي لاستخدام الطاقة الشمسية أحياناً ضعف المردود الذي يمكن الحصول عليه من مصادر الطاقة الأحفورية، ورغم أن تكلفة استخدام الطاقة الشمسية لا تزال مرتفعة نسبياً، إلا أنه يتوجب علينا النظر إلى ما بعد عملية الإنشاء، حيث سيؤدي استخدام هذه الطاقة إلى تخفيض الكلف التشغيلية والإنتاجية لأي مشروع يعتمد على هذا النوع من الطاقة المتجددة، مما يؤدي بدوره لتحقيق توفيرٍ مستدام أيضاً في استهلاك الطاقة، وبالتالي توفير في المال، إضافةً إلى كون هذه الطاقة صديقة للبيئة ولا يترتب على استخدامها أي مضاعفات فيما يتعلق بزيادة البصمة البيئية. وتحظى مشاريع الطاقة المتجددة اليوم باهتمامٍ عالمي متزايد نظراً للفوائد البيئية والاقتصادية التي توفرها، ووفقاً للتقارير المالية التي أوضحتها مؤسسة بلومبيرج، فإنه من المتوقع أن يصل معدل الإنفاق العالمي في قطاع الطاقة المتجددة لهذا العام إلى نحو 200 مليار دولار بعد أن بلغ 162 مليار دولار في عام 2009، مما يمثل نمواً كبيراً مقارنةً بمبلغ 30 مليار دولار استثمرت في قطاع الطاقة المتجددة عام 2004. كما قامت الدول الاقتصادية الكبرى باستثمارات ضخمة في مجال التقنيات النظيفة. فعلى سبيل المثال، استثمرت الصين في عام 2009 مبلغ 34.5 مليار دولار في نظم توربينات الرياح والألواح الشمسية وغيرها من التقنيات النظيفة الأخرى، في حين أنفقت الولايات المتحدة في العام ذاته حوالي 16.6 مليار دولار في مجال التقنيات النظيفة. وتبدي أبوظبي اهتماماً فعلياً بمجال الطاقة المتجددة وذلك بفضل عمق النظرة الثاقبة لقيادتنا الحكيمة التي لطالما أدركت أهمية دور مصادر الطاقة المتجددة في تنويع الاقتصاد المحلي ومصادر الدخل، إضافة إلى كونها الحل الفعلي والأمثل للحد من ظاهرة تغير المناخ. وقد قامت حكومة أبوظبي ومن خلال محرك التنوع الاقتصادي، شركة مبادلة، بهذا الصدد بتأسيس مبادرة مصدر المختصة بتطوير ونشر تقنيات وحلول الطاقة المتجددة، والتي تتولى جميع مراحل الدورة التشغيلية الكاملة للطاقة المتجددة بدءاً من عمليات البحث والتطوير (R&D) التي يشرف عليها معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا، والذي يعد أول جامعة في العالم متخصصة في الدراسات العليا في مجال الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، وانتهاءً بتوظيفها واستخدامها تجارياً. وتعمل مصدر على تطوير مشاريع الطاقة المتجددة على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، وتتضمن هذه المشاريع إنشاء ثلاثة مصانع للطاقة الشمسية في إسبانيا، ومشروع “لندن آراي” الذي يعد أكبر مزرعة رياح بحرية في العالم ببريطانيا، وتطوير مشروع “شمس 1” في أبوظبي، والذي يعد أكبر محطة طاقة شمسية مركزة في العالم بقدرة 100 ميجاواط. ومن خلال تأسيسنا لقطاع الطاقة المتجددة واهتمامنا بتطوير التقنيات النظيفة، فإننا سنسهم بشكلٍ فعال في عملية تنويع اقتصادنا ونصبح أقل اعتماداً على التقنيات المستوردة، وذلك من خلال العمل على تطوير هذه التقنيات محلياً وخلق فرص تصدير واسعة من شأنها المساهمة في تطوير اقتصادٍ مستدام قائم على المعرفة. وتلعب الحكومات دوراً بالغ الأهمية في دعم قطاع الطاقة المتجددة وذلك من خلال وضع سياسات مناسبة وأُطر تنظيمية وآليات تحفيزية لتطوير ونشر حلول الطاقة المتجددة. وقد باشرت الحكومات في جميع أنحاء العالم بوضع السياسات اللازمة لنمو قطاع الطاقة المتجددة. فعلى سبيل المثال، قامت أكثر من 100 دولة في مطلع عام 2010 بوضع نوع من السياسات المتعلقة بتطوير قطاع الطاقة المتجددة، مقارنةً بـ55 دولة باشرت بالقيام بتلك الخطوات في أوائل عام 2005، وهو ما يعد إشارةً واضحة على قيام الحكومات في جميع أنحاء العالم بوضع قضية الطاقة المتجددة في مقدمة أجندتها وصدارة أولوياتها. وتتضمن سياسات الطاقة التي انتهجتها الدول من أجل دعم وتطوير ونشر مشاريع الطاقة المتجددة وبالأخص مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، استخدام أدوات الدعم في التعريفات الجمركية (Feed-in tariff) في ألمانيا وإسبانيا، والمزايا الضريبية في الولايات المتحدة، وشهادات الالتزام بالطاقة المتجددة (ROC’s) التي تنتهجها كل من بريطانيا واستراليا. ولضمان نجاح عملية تطوير صناعات الطاقة المتجددة في الدول المنتجة للنفط والغاز، فإن العمل بخطط وآليات مماثلة لتشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة يعد أمراً ضرورياً من شأنه مساعدة تلك الدول على المنافسة في سوق الطاقة المتجددة وخفض التكاليف وتطوير التقنيات النظيفة. وتلعب دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم وبفضل عمق النظرة الثاقبة للقيادة الحكيمة دوراً ريادياً في مجال الطاقة المتجددة وقضايا تغير المناخ، حيث تكللت الجهود المبذولة بهذا الصدد بنجاح مساعي دولة الإمارات لاستضافة مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (أيرينا) في أبوظبي. وعلاوةً على ذلك، قامت دولة الإمارات في عام 2010 بتأسيس إدارة متخصصة في شؤون الطاقة وتغير المناخ ضمن وزارة الخارجية لضمان أن تحظى (أيرينا) بدعم مخصص من قبل دولة الإمارات ومتابعة أعمالها إضافة إلى تنظيم وتوحيد الجهود المحلية في شؤون تغير المناخ وحماية مصالح الدولة في مجال المفاوضات الدولية المتعلقة بتغير المناخ. ويتمثل الهدف الذي يحتل صدارة أولويات الإدارة في ضمان دعوة دولة الإمارات العربية المتحدة إلى جميع المحادثات المغلقة ذات الصلة بقضايا الطاقة وتغير المناخ، والحرص بأن تكون الجهات الدولية المعنية على علم باستراتيجيتنا الوطنية من أجل الحفاظ على دورنا الريادي في مجال الطاقة. كما أصبحت أبوظبي اليوم منصةً عالمية ً للتعاون والنقاش العالمي حول مجالات الطاقة المتجددة وتغير المناخ، وذلك من خلال استضافتها للعديد من الأحداث والمؤتمرات الدولية الهامة كالقمة العالمية لطاقة المستقبل التي تعقد سنوياً في أبوظبي، والمؤتمر الوزاري القادم للطاقة النظيفة الذي سيجتذب وزراء الدول الاقتصادية الكبرى في العالم كروسيا والصين والهند والولايات المتحدة وغيرها العديد من المؤتمرات الدولية. ويعد الالتزام المطلق من قبل القيادة الرشيدة في دولة الإمارات بمجال الطاقة المتجددة خير دليلٍ على عمق نظرتها الاقتصادية وحرصها المستمر على قيادة الجهود الدولية الرامية إلى الحفاظ على البيئة. إن الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة من شأنه أن يعود علينا بفوائد اقتصادية على المدى الطويل. وبما أن إنتاج النفط والغاز يشكلان عنصراً أساسياً من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، فإنه يتوجب علينا الاهتمام بتبني حلول الطاقة المتجددة من أجل الحفاظ على مكانتنا الرائدة في سوق الطاقة العالمية. ومع استمرارنا بإنتاج وتصدير الطاقة في عالمٍ يتوجه بشكلٍ حثيثٍ نحو فرض قيود متزايدة على الكربون، فإنه يتعين علينا كذلك النظر في حلولٍ بديلةٍ منخفضة الكربون. كما أن التركيز على توجيه مواردنا نحو زيادة خبراتنا في مجال الطاقة لتشمل الطاقة المتجددة يعد امتداداً طبيعياً. ورغم أن الوقود الأحفوري سيبقى جزءاً أساسياً ومهماً من مزيج الطاقة إلا أن قطاع الطاقة المتجددة يشهد نمواً متسارعاً يتعين علينا الاستفادة من الاستثمار في مختلف مجالاته من أجل ضمان استدامة وازدهار اقتصادنا.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©