الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مؤامرة كأس العالم

مؤامرة كأس العالم
27 يونيو 2014 21:55
كانت أقدام الإنجليز والكوستاريكيين تتصارع على الكرة حين تساءل أحد جلسائنا عن حماسة الإنجليز الدونكشوتية للفوز بمباراة لا قيمة لها، فهم يركضون في الملعب بينما حقائب سفرهم تنتظرهم في غرفة تبديل الملابس، بعد أن فقدوا الأمل بالصعود إلى الدور الثاني إثر هزيمتين متتاليتين على يد إيطاليا والأورغواي. كان سؤالاً تهكمياً التقطه شخص كان يجلس معنا في المقهى، وقال بثقة: الإنجليز وقعوا ضحية مؤامرة ابتدأت منذ إجراء قرعة المونديال! ولأننا لم نفهم، فقد قلنا بصوت واحد: القرعة! فأرسل ضحكة باهتة من طرف فمه، وقال: القرعة تعني المصادفة، وكل شيء في هذا العالم مدبّر. فقلنا له إننا شاهدنا بعيوننا حفل القرعة الذي أقيم قبل ستة أشهر. فألقى صاحبنا نظره إلى سقف المقهى، ثم قال: ونحن نشاهد بعيوننا الساحر وهو يضع بيضة في عبوة صغيرة ثم يرجّها قليلاً وحين يفتحها لا نجد فيها سوى بعض المفاتيح، ونحن نعلم يقيناً أن الأمر مجرد خفة يد وخدع بصرية، فما الذي يمنع الفيفا من استخدام تلك الحيل لـ «ترتيب» الفرق وفق حسابات سياسية ومالية وكروية جماهيرية؟! فقلنا له إن نجوماً سابقين شاركوا في القرعة، كالفرنسي زيدان، والأرجنتيني كيمبس، والإسباني فيرناندو هيرو، بل والإنجليزي جيفري هورست، ولا يمكن أن يتفق هؤلاء على التواطؤ، فقال: هؤلاء مجرد دمى على المسرح، مثل الشقراء التي تقف إلى جانب الساحر وتناوله ما يحتاجه من أدوات. والذي يحصل قبل إجراء تمثيلية القرعة، أن «عواجيز» الاتحاد الدولي لكرة القدم يختلون بأنفسهم في جلسة عصف ذهني تآمري وأمامهم لوحة بيضاء كبيرة مدون عليها أسماء الفرق المتأهلة لأي مونديال، ويتفقون فيما بينهم على مجموعة قواعد، وعلى ضوء تلك القواعد يكتبون تمثيلية القرعة. وكانت أولى قواعد هذه البطولة هي إقصاء إنجلترا انتقاماً من الإنجليز الذين ينبشون منذ فترة في ملفات الفيفا ويتهمون هؤلاء العواجيز بالفساد، لذلك وُضِعت إنجلترا مع إيطاليا والأورجواي وكوستاريكا، وكل هذه المنتخبات «نار» لا تبقي ولا تذر، فإن فلتوا من كوستاريكا، فلن يفلتوا من إيطاليا والأروجواي. وبطبيعة الحال، كان هذا ما يفكر به أولئك المتآمرين قبل القرعة، لكننا رأينا بعد ذلك أن كوستاريكا تصدرت مجموعتها على عكس ما هو متوقع، لكن المهم أن إنجلترا خرجت غير مأسوف عليها. وكانت القاعدة الثانية إقصاء إسبانيا الفائزة بالبطولة السابقة؛ لإضفاء طابع من الإثارة والتشويق على مجريات البطولة، فوضعوها مع هولندا وتشيلي وأستراليا، وخرجت إسبانيا فعلاً كما رأينا، بأعيننا أيضاً. والقاعدة الثالثة كانت «تصعيد» البرازيل لئلا تحدث اضطرابات شعبية في البلد المستضيف، فأدخلوها مع المكسيك وكرواتيا والكاميرون. وتصعيد الأرجنتين باعتبارها البلد الذي يمثل كرة القدم في أذهان الناس، فوضعوها مع مجموعة من فرق الإحماء الكروي: نيجيريا وإيران والبوسنة. وتصعيد ألمانيا وفرنسا، باعتبار الأولى سيدة الكرة والثانية فاكهة البطولات، لتدخل الماكينات الألمانية في منافسة شبه قوية، لكنها مضمونة النتائج مع أميركا وغانا والبرتغال، وتذهب فرنسا في قمة «المصادفة والحظ» لتلعب مع سويسرا والهندوراس والإكوادور. وكذلك تصعيد اليابان وكوريا الجنوبية؛ لجذب انتباه القارة الآسيوية لهذه اللعبة، باعتبار أن ثلثي البشر آسيويون، فوضعوا الإخوة اليابانيين مع كولومبيا وساحل العاج واليونان لعلّهم يفعلون شيئاً مفيداً مع هذه الفرق «نص كُم»، ووضعوا كوريا الجنوبية مع الجزائر وروسيا وبلجيكا، فالمهم هو جذب المليار و«شويه» صيني إلى هذه اللعبة، ولفت انتباه المليار إلا «شويه» هندي إلى كرة القدم بدلاً من لعبة الكريكيت السخيفة. كما أن وجود روسيا ضمن هذه المجموعة مدبّر، فالعواجيز فكّروا أن بلجيكا ستضمن المركز الأول، وأن المركز الثاني سيكون من نصيب كوريا الجنوبية، فإن خيّب أبناء شمشون توقعاتهم، حصدت روسيا التي ستستضيف بطولة 2018 المركز الثاني، لتهيئة الشعب الروسي للبطولة القادمة، وإدخالهم في جو الكرة. أما إيران، الفريق الآسيوي الثالث في البطولة، فالمصادفة المسكينة لم تضعها في مجموعة شبه ضعيفة وإنما الحسابات السياسية، فالأرجنتين تضمن المركز الأول، وإيران «لو شدّت حيلها» أمام نيجيريا والبوسنة يمكن أن تحل ثانياً وتصعد، ولو حصل ذلك، فإن الملايين ستخرج إلى الشوارع في المدن الإيرانية، وهو الأمر الذي تخشاه حكومتهم، لأن المعارضة تستغل هذه الحشود المليونية للتظاهر ضد النظام، وربما تمكنوا من إسقاطه كما حدث في بعض الدول العربية. ثم ضحك صاحبنا وقال: أي غبي يصدق أن ثلاث دول إسلامية تلعب ضمن مجموعة واحدة في كأس العالم، بالمصادفة والحظ؟! لعل، ولست متيقناً من هذا الاستنتاج، أن من بين الأهداف إثارة المزيد من الأحقاد بين المسلمين الذين سيتصارعون بالكرة في الملعب وبالقنابل خارج الملعب. فقلنا له إن القرعة ملزمة بالأخذ بتصنيف مستويات الفرق، وأن هناك قوانين تضبط القرعة لئلا تلتقي فرق بعض القارات بعضها ببعض في الدور الأول من البطولة، وأن نتائج الكثير من المباريات جاءت على عكس «مؤامرة» الفيفا، فاليابان وكوريا الجنوبية مثلاً خرجتا من الدور الأول بفضائح كروية، وكل آسيوي كان يفكر في ترك الاهتمام بلعبة الكونغ فو أو الكريكيت، سيندم على ذلك بعد أن ذاقت آسيا الذلّ الكروي في البرازيل. لكن صاحبنا قال إن التصنيف نفسه لا يخلو من تلاعب، من خلال التحكم بنتائج المباريات التي على أساسها تم ذلك التصنيف، وأن القوانين توضع أصلاً ليتم انتهاكها كما هو معروف، وأن الفيفا تمارس كل ألاعيبها لكنها لا تستطيع ضمان جميع النتائج، ففي النهاية هناك لاعبون حمير، ومدربون ثيران، كما أنها لا تستطيع أن «تتفاهم» مع كل الحكّام، فبعض الحكّام «فاهم اللعبة»، وبعضهم الآخر يفكر مثلكم، أن كرة القدم لعبة شريفة. ومع هذا، خرجت إنجلترا وإسبانيا كما خطط عواجيز الفيفا، وصعدت البرازيل والأرجنتين وألمانيا وفرنسا. وكان لا بد من الاستفادة من وجود هذا الشخص الاستثنائي بيننا الذي كان حاضراً على ما يبدو في خلوة عواجيز الفيفا، وسؤاله عن الفريق الذي سيحرز البطولة، فقال بثقة أيضاً: هولندا! وذلك بغرض التشويق والإمتاع، لئلا تنحصر البطولات في فرق معينة، ويخبو بريق «التنافس» الكروي، ولئلا تصبح كأس العالم مثل الرواية الفاشلة التي يعرف القارئ نهايتها منذ صفحاتها الأولى. ستلعب البرازيل ضد هولندا في النهائي، وستلعب الأرجنتين ضد ألمانيا في مباراة تحديد الثالث والرابع.. هذا إن لم يغير عواجيز الفيفا الخطط التي وضعوها في خلوتهم التآمرية. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©