الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عارف الخاجة: مشهد النار مازال أمامي وأعيد الآن ما فاتني من واجبات دينية

عارف الخاجة: مشهد النار مازال أمامي وأعيد الآن ما فاتني من واجبات دينية
6 سبتمبر 2010 23:58
“لا تزال هناك خـيوط ملونة تتدلى من ذاكرة الطفولة الرمضانية المبكرة، مازلت أذكـر شيئا من دورة التدريب التي خضتها كباقي أطفال المسلمين تلك التي تبدأ بالحـث عـلى الصوم حـتى منتصف اليوم، أي إلى موعـد الغـداء حـتى لا يتم إرهاقـنا بما لا نستطيع وما لم نعتـد عـليه، وأذكـر مدى سرورنا بالفطور ظهرا”. هكذا بدأ الشاعر عارف الخاجة حديثه، لـ”الاتحاد” ضمن حلقات ننشرها خلال أيام رمضان يتحدث فيها مبدعو الإمارات عن ذاكرتهم مع هذا الشهر الفضيل. ويضيف الخاجة “ في الذاكرة مشاهد بالأسود والأبيض والخطوط التي عـلى الشريط السينمائي القديم لذهابي إلى المسجـد مع جـدي لأمي وقـد كان صارما في تنشئتي إسلاميا بنسبة لا تقل عـن 100% ولذلك كان يصطحـبني معـه في معـظم الأحـيان إجـباريا بتقطيب الجـبين وتلويح عـصا العـقاب وفي أحايين نادرة أذهب اخـتياريا حـين ينعـدم بديل المسجـد في اللعـب”. ويقول”كان همّ الأسر المسلمة سابقا ولاحـقا تربية الأبناء تربية صالحة، والتربية الصالحة تكـمن في الدين، المواظبة عـلى الصلاة والصوم وكان الأهالي ــ ومازالوا ــ يفاخرون بأبنائهم المصلين كما أن الأبناء الملتزمين دينيا ــ كما في الاعـتقاد السائد ــ هم أكثر حـظوة في الحـياة من سواهم في أمور كثيرة أولها العثور عـلى زوجة وكذلك بالنسبة للبنت التي تشتهر بالتدين والإلتزام الذي يراه المجتمع في الصلاة واللبس المحتشم فإنها مرغـوبة أكثر من سواها. كما كان الأهل يحذروننا من الأطفال غـير الملتزمين بالصلاة ويأمروننا بالابتعاد عنهم حـتى لا نفسد مثلهم، ولذلك كان هم والديّ وجـدي أن أكون ملتزما ولو اضطروا لتحـقيق ذلك بكل الأساليب”. ويتذكر “كان التخـويف من نار جـهنم هو الوتر الذي عـزفوه لي كي ألتزم دينيا فكنت أذهب إلى المسجـد لصلاة الفجـر مع جـدي وكنت أتحـرك في الصلاة كثيرا وإذا صلى بجـواري أحـد أطفال الحـي فلا بأس من أن أرفسه بقدمي أثناء السجـود فقط للتسلية ولطرد النوم من عـيوننا، أنا وهو، وكنت أذهب مع جـدي دائما ولا أتخـلف إلا بعـذر قهري كالمرض مثلا، كانت نار جـهنم هي الدافع للالتزام. وعـندما كـبرت قليلا أخـذت أتساءل لماذا لم تكـن الجـنة هي الدافع للالتزام؟ أي لماذا لم يكـونوا يرغـبوننا في الجـنة كي نلتزم بدلا من ترهيبنا بالنار؟!”. ويتابع الخاجة “كان رمضان حـينها بالنسبة لي ولمعـظم الأطفال نوعا من تغـيير الروتين أكثر من كونه فريضة مقدسة، وكنا نستمتع بتنوع الطعـام اليومي وجـلسة الفطور وبخـاصة مع حـضور الأطباق اليومية الثابتة والتي أصبحـت جـزءا لا يتجـزأ من تاريخـنا الرمضاني كـ “اللقيمات والهريس والفرني” إضافة للفيمتو الذي اكتسب شهرته ونال ومازال ينال مجـده عـلى موائد رمضان، أما السحـور فلم تكـن له تلك المتعـة خـاصة وأننا نأكل ونحـن شبه نائمين”. ويروي “عـندما كـبرت قليلا وأخـذت بالتغـلغـل والتوغـل في فصول الدراسة أخـذت أبتعـد عـن الالتزام الكامل الذي أراده لي أهلي وعـلى رأسهم جـدي رحـمه الله وأمي أطال الله في عـمرها، صحـيح انني في بداية المرحـلة الإبتدائية كـنت متشبثا بباب الجـنة وأعـمل جـاهدا حـتى لا تخـور قواي وتنفك أصابعـي عـن مقبض الباب فأخـلد في السعـير، ولكـنني وبابتعـادي قليلا عـن أجـواء المنزل الاحـتكارية وبدئي بالتعـرف عـلى أصدقاء جـدد ــ أغـلبهم أصدقاء سوء فاسدون كما يراهم العـرف الاجـتماعي وأصدقاء طيبة وبركة وفـرح كما كـنت أراهم ــ فإن قبضتيّ بدأتا تكلان وينفتح إصبع يليه آخـر، نعـم كـنت أصلي ولكـن صلاة متقطـعـة في البداية وكانت في الحـقيقة صلاة اجـتماعـية من أجـل عـدم جـلب اللوم والكلام لأناس تعـبوا في تربيتي، ثم بعـد ذلك جـربت لأول مرة الإفطار في رمضان. وأعـجـبني ذلك وكـررته، حـيث كنا نهرب من المدرسة ونذهب إلى البقالة لشراء الخـبز والتونة، ولو سألت كثيرا من شعـب الإمارات ومن بينهم مَنْ هم من ذوي المناصب العالية لربما أخـبروك عـن قصص الهروب من المدرسة أثناء الفسحـة أي بعـد الحـصة الثالثة ليبدأ مسلسل التونة الرمضانية، كنا نتظاهر أمام الجـميع بالصوم وكنا في الواقع “فاطرين” ومع الأيام أصبح ذلك الفعـل المركّب الشائن يبعـث فينا سرورا خـفيا لكـسرنا للسائد وخـروجـنا عـلى المألوف وكان سرا حـميما بين أصدقاء جـمعت بينهم التونة الرمضانية ذات يوم وفرقهم الزمن بعـد ذلك، وبجـانب التونة كانت هناك خـيارات أخـرى كالجـبن والمربى ولكـنها لم تصمد أمام جـبروت التونة العجيب!”. ويزيد “بقيت لسنين عـدة لا أصلي ولا أصوم بالرغـم من أنني أنهيت دراستي في المعـهد الديني الثانوي ثم في جـامعـة الأزهر حـيث توقع لي الناس أن أكون إمام مسجـد أو مؤذنا، وهذا يذكرني بقصة طريفة حـيث أننا أيام الثانوية كنا نخـرج مع الأصدقاء في رحـلات إلى بعـض مناطق الساحـل الشرقي في الدولة وكانت الطبول أهم (عـدة) في تلك الرحـلات وذات مرة في ليلة التحـضير لإحـدى تلك الرحـلات أحـضر أحـد الأصدقاء طبلا كبيرا جـميلا جـذابا وخـاف الجـميع من أخـذه إلى منازلهم حـتى لا يتعـرضوا للعـقاب من ذويهم ويتعـرض الطبل المسكـين للتلف، فتطوعـت وأخـذته معـي وحـين شعـرت بالأمان أدخـلته إلى غـرفتي ووضعـته في الدولاب، وليلا وعـندما أحـسست أن أهلي قـد خـلدوا إلى النوم أخـرجـته من مكانه الأمين لأطمئن عـليه وأضبطه وأشد حـباله إن كانت مرتخـية، وفجـأة دخـلت عـلي والدتي التي ما أن رأيتها تمنيت لو أن (عـزرائيل) هو الذي دخـل عـلي لا هـي، أظلمت الدنيا أمامي وسمعـتها تقول (ظننت ظنا وخـاب ظني ... ظننت شيخـا وصار مغـني) وبالطبع شعـرت بأنني قد فقدت النطق والسمع والشم، والنظر أيضا!”. ويخلص الشاعر عارف الخاجة في ختام حديثه لـ”الاتحاد” بالقول “إن الأيام التي فرطت فيها في الصلاة والصوم أقضيها الآن ولو أنني لم أتب وأندم وأستغـفر لم أجـرؤ عـلى الاعـتراف بذلك، وأراهنك أن معـظم الناس يخـشون الاعـتراف مثلي ومنهم مَنْ كانوا معـي أيام التونة، أعـيد الآن ما فاتني من واجـبات دينية، فمشهد النار مازال أمامي وأنا لا أريد أن ألقى فيها، وصدقني أنني كلما أرى الناس يتعـبدون ويستغـفرون ويبالغـون في الندم والاستغـفار يتهيأ أمامي منظرهم وهم أطفال وذووهم يهددونهم بنار جـهنم، أحـيانا أضحـك، وأحـيانا... أضحـك أيضا ..اللهم إنك أنت عـفو كريم تحـب العـفو فاعـفُ عـني”.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©