السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

هل نحتاج إلى علم اجتماع آلي يواكب تحولات العوالم الافتراضية؟

هل نحتاج إلى علم اجتماع آلي يواكب تحولات العوالم الافتراضية؟
31 يوليو 2018 00:38

عبير زيتون (دبي)

تعيش المجتمعات البشرية قاطبة اليوم فترة تحول عميقة لا يسلم منها أيُ  قطاع، في بعديها «الظاهر والخفي» مع التطور الطبيعي «للثورة الرقمية المعولمة» التي اجتاحت حياتنا، وغيّرت أولوياتنا، نحو نمط جديد من التعامل والتواصل، والتفكير، سماها البعض بمرحلة «ما بعد الإنسان الكلاسيكي» لكونها تؤسس لرؤية جديدة، قائمة على قيم تفاعليّة متخفية وراء هويّات خفيّة «في مكان افتراضي ثالث» سماه علم الاجتماع الآلي الحديث بـ«الفضاء المُعولم السيبري» تُحدّده منظومة تكنو ـ اجتماعيّة، وتنتجها عقول إنسانيّة، وتفاعلات آليّة لها سماتها وخصائها.
وفي ظل الاتجاه الكبير نحو العوالم الافتراضية (الرقمية)، لا بد أن نتساءل بوعي: هل نحن بحاجة إلى علم اجتماع عربي جديد بأدوات معرفية جديدة، ترصد تحولات مجتمعاتنا ورغباتها؟ وماهي خطورة غياب أو تغييب دور العلوم الاجتماعية العربية في الإمساك بالواقع، فيما التغيير يمر من بين أصابعه دون أن يمسك بدينامياته الداخلية مع عجز عن إنتاج نظرية معرفية واحدة تدرس مشكلات مجتمعاتنا وانكساراتها؟
هذه الأسئلة طرحتها «الاتحاد» على مجموعة من الباحثين السوسيولوجيين الإماراتيين والعرب، وكانت هذه الإجابات:

علوم وأسواق
تقول الدكتورة موزة غباش، المستشارة الاجتماعية بالمجلس الأعلى للأمن الوطني ـ الإمارات: «لا شك أن «علم الاجتماع» هو الأب المؤسس للعلوم الإنسانية كافة، لأنه ببساطة «علم الإنسان». وإذا تأملنا طبيعة المشكلات الإنسانية، وانهيار المنظومة القيمية والأخلاقية التي تشهدها المجتمعات اليوم، نجد أنها نتيجة طبيعية وتراكمية لطغيان مفاهيم سوق العولمة الهائجة بتقلباتها المادية على منظومة القيم وآداب الإنسانية التي همشتها وهمشت نتائج بحوث العاملين فيها».
وتضيف: «نلاحظ اليوم عزوف الطلاب الشباب عن دراسة الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعات، مقابل التوجه والتشجيع الكبير على علوم التقنية، والروبوت الاستهلاكي، كعلوم وحيدة لسوق المستقبل.. كل هذا سيزيد حتماً من اختلال مجتمعاتنا التي لم نعد نعرف ما يحدث فيها من تغيرات سوى من خلال وجود ظواهر مجتمعية جديدة، وتكاثرها يوماً بعد يوم، والتي لا شك أننا سنشهد سواها مستقبلاً. ولا أجد حلاً لذلك سوى بإعادة الحياة لهذه العلوم الإنسانية في المناهج والجامعات، والتشجيع عليها مع فتح أسواق العمل أمامها، بالتوازي مع العلوم الحديثة الأخرى، حتى تتوازن مجتمعاتنا من جديد، ونحسن رسم بوصلة التغييرات والتحولات التي تصيب مجتمعاتنا مستقبلاً لوضع الحلول الاستباقية على ضوئها وليس على ضوء لغة السوق ومتطلباته المادية فقط».
 
فحص المتغيرات
ويرى الدكتور أباهر السَقا، أستاذ مشارك في دائرة العلوم الاجتماعية والسلوكية في جامعة «بيرزيت»: «إن مجتمعاتنا العربية بأمس الحاجة إلى علم اجتماع عربي جديد، من أجل تشخيص وتحليل الظواهر الاجتماعية التي تتعرض لها مجتمعاتنا، والعمل على إنشاء أدوات معرفية ومنهجية تتلاءم مع خصوصياتنا، والخروج من عباءة المعرفة المركزياتية الغربية التي طورت أدواتها من سياقاتها السوسيو/‏‏ تاريخية الخاصة بها».
ويتابع السقا: «مع التبدلات العميقة التي طرأت على مجتمعاتنا في ظل العولمة، والأتمتة، وسيادة وسائل الاتصال الافتراضية وتبعاتها على مستوى العلاقات الاجتماعية بين الأفراد وتمثلاتهم وتخيّلاتهم، يصبح لزاماً علينا إعادة قراءة الظواهر الجديدة بعيون سوسيولوجية جديدة منفتحة دون السقوط في فخ إعطاء الدروس الأخلاقوية والقيمية، بل فهم هذه التغيرات، وروداها، وآليات اشتغال هذه الأنماط الجديدة، وتأثير وسائل الاتصال الاجتماعي عليها، وآثارها على مجمل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفحص المتغيرات، وكيفية تحليلها وتشخيصها والتعاطي معها».

تحرير علم الاجتماع
وفي هذا الإطار، يقول محمد الإدريسي، باحث في علم الاجتماع من المغرب: «رغم أن تحولات ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، في سياق موجة النيوليبرالية، همّشت حقل الإنسانيات والاجتماعيات؛ وهو الأمر الذي ما زال «علم الاجتمـــاع» يـدفع ثمنــــه إلى اليـــوم بفعل أفــول النظريـــات الكبرى وهيمنة البعد التقنـوي على نسق الممارسة وإنتــاج المعرفـة العلمية، إلا أن عصر «الثورة التقنيـة والصناعية الرابعة»، يفرض على «العلم الاجتماعي» اليوم مواكبــة تحديـات انشباكيــة العوالم الجديـدة، نحــو علم الاجتماع من المجتمع ونحو المجتمع، أي الاستثمار في «سوسيولوجيا العموم» (the public sociology) كجسر وصل بين العالم الأكاديمي والمجتمع. وفي سبيل ذلك، يتوجب تحرير علم الاجتماع من الطابع التقني والكمومي، نحو ممارسة علمية نقدية لشروط إنتاج المعرفة السوسيولوجية نفسها قبل نقد البنيات الموضوعية والذهنية لمجتمعاتنا من أجل رسم معالم المستقبلات التنموية التي نتوق إليها أجمعين».

إعادة هيكلة
 من جانبه، يرى الدكتور أحمد موسى بدوي، باحث سوسيولوجي (مصر): «إن تأصيل نموذج سوسيولوجي عربي، ضرورة ملحة لدراسة ظواهر «الحداثة الثانية» التي لم تجنِ منها المجتمعات العربية إلا «أسوأ ما فيها»، ولن يحدث هذا التأصيل إلا بإعادة هيكلة «علم الاجتماع» بدعم كامل من المؤسسات السياسية العربية، وحرية أكاديمية كافية، خاصة أن وسائل الاتصال الاجتماعي والإنترنت والإعلام الجديد، أثّرت بعمق في واقع المجتمعات، على المستويات كافة، لنقد عمليات فرض القيم الثقافية والاجتماعية الهجينة على مجتمعاتنا، ودراسة التحديات التي تفرضها على الهوية الوطنية، ومن ثم الانتقال بالبحث العلمي إلى أفق جديد، ونعني به الدراسات الاجتماعية المستقبلية التي تستلزم معرفة شاملة بالحاضر، ورؤية علمية خلاقة للتنبؤ ووضع السيناريوهات للمستقبل».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©