الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخازن العالم الموسوعي المظلوم

6 سبتمبر 2010 23:02
ابتكر الخازن الفيزيائي والفلكي المرموق والعالم النابغة في الرياضيات العديد من الآلات والقوانين والنظريات العلمية، واستحق بمؤلفاته العلمية واختراعاته لقب أعظم العلماء. ويقول الدكتور كارم غنيم - الأستاذ بكلية العلوم جامعة الأزهر - ولد أبو الفتح عبد الرحمن المنصور، في‏ مدينة “مرو” وهى أشهر مدن إقليم خراسان الإيراني، في النصف الأول من القرن السادس الهجري “الثاني عشر الميلادي” ولقب بـ”الخازن وفى بعض الأحيان الخازني”، وتسميه بعض مصادر التاريخ ‏أبا منصور أبا الفتح عبدالرحمن الخازني ونشأ في “مرو” وتعلم ودرس فيها على أيدي علمائها الميكانيكا والفيزياء والفلك‏.‏ وقيل إنه كان عبداً بيزنطياً لأحد أمراء مرو فأعتقه ووفر له التعليم والدراسة لما وجد فيه من نجابة. ونشأ الخازن نشأة علمية وبرع بالعلوم واخترع وشهد له الناس بالدين والتقوى والورع، وكان زاهداً في متاع الدنيا‏.‏ وتعرض هذا العالم لظلم كبير وإجحاف بحقه في تاريخ الحضارة البشرية، خصوصاً من المؤرخين الأوروبيين، إذ خلطوا بينه وبين الحسن بن الهيثم، وسار على هذا أيضاً بعض مؤرخي العلم المسلمين والعرب، والسبب هو تشابه الاسم الغربي أو بالأحرى‏ الترجمة‏ لكل منهما، فهي للحسن بن الهيثم Al Hazen وللخازن Al khazen. واستمر هذا الظلم والإهمال يلحق الخازن إلى أن قدر الله وعثر قنصل روسيا في تبريز بإيران خاميكوف في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي على كتاب‏ “‏ميزان الحكمة‏” وكتب عنه مقالات عدة في مجلات أميركية، ولفت الأنظار إلى صاحبه‏، ثم اعتنى العلماء الألمان بتراث الخازن‏، ومنهم ويدمان الذي بحث وعلق على بعض الفصول المترجمة من كتاب‏ “‏ميزان الحكمة‏”‏، وأوضح فضل الخازن ومكانته بين علماء العالم، وأهميته في مسيرة الحضارة البشرية‏.‏ وقد يكون مصطفى نظيف هو أول عالم عربي يتكلم عن كتاب‏ “ميزان الحكمة‏” وأهميته في علم الفيزياء، ولكنه لم يتوصل إلى اسم صاحب الكتاب، ولم يذكر اسم الخازن، ثم جاء قدري حافظ طوقان وذكر في كتابه‏ “تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك” أنه أول من يكتب ترجمة للخازن.‏ إبداعات الخازن وتميزت إبداعات الخازن في الفيزياء والفلك وفى بعض فروع الرياضيات، وحقق العديد من الإسهامات والمبتكرات والمنجزات والاختراعات التي أدت إلى تمهيد الطريق لمجيء العالم الإيطالي “جاليليو” في القرن السادس عشر الميلادي، واختراعه مقياس الحرارة “ترمومتر”، وابتكر ‏الخازن‏ مقياساً للكثافة يقيس كثافة الهواء والغازات، وهو تقريباً الإيرومتر. ومن المعروف أن مقدار الكثافة يتوقف على درجة الحرارة، ولذلك استعمل الخازن مقياسه هذا في تقدير درجات حرارة السوائل، إضافة إلى قياس الكثافة‏. وبحث الخازن في طرق تحديد كثافة الأجسام الصلبة والسوائل، وكذلك الأوزان النوعية للأجسام‏.‏ كما قّدّر الكثافة لكثير من العناصر والمركبات، بدرجة عظيمة من الدقة‏. وتوسع في تطبيق قاعدة أرشميدس الخاصة بالأجسام المغمورة في السوائل، إذ وجدها تنطبق أيضاً على الغازات أي الأجسام المغمورة في الغازات‏.‏ وأجرى تجارب لتحقيق قاعدة الطفو والاستفادة منها تطبيقياً وبحث في مقادير الأجزاء المغمورة من الأجسام الطافية على سطوح السوائل‏.‏ وقد مهدت نتائج هذه التجارب لاختراع “الباروميتر” ومفرغات الهواء والمضخات المستعملة لرفع المياه‏. ‏وبين الخازن أن للهواء وزناً وقوة رافعة كالسوائل، وأن وزن الجسم في الهواء ينقص عن وزنه الحقيقي، ويتوقف هذا على كثافة الهواء.‏ وهكذا يكون الخازن قد سبق العالم الإيطالي “تورشيللي” في بحث كتلة الهواء وضغطه على الأسطح والأجسام‏ ،‏ وإن كان الغربيون يعتقدون أن تورشيللي الذي جاء بعد الخازن بخمسة قرون أول من قام بذلك. واستكمل الخازن بحوث العالم المسلم البيروني في الجاذبية الأرضية، فأوضح‏‏ في مؤلفاته أن الأجسام تتجه في سقوطها إلى الأرض وهذا ناتج عن قوة تجذب هذه الأجسام في اتجاه مركز الأرض. ويرى أن اختلاف قوة الجذب يتوقف على المسافة بين الجسم والمركز المتجه إليه، وهذه هي العلاقة التي تنص عليها قوانين ومعادلات جاليليو ونيوتن في القرن السابع عشر الميلادي‏.‏ وبحث الخازن مراكز ثقل الأجسام المختلفة، وتحديدها، وتوصل إلى بيان طبيعة عمل الروافع وبعض الآلات وكيفية الانتفاع بها‏. واخترع ميزاناً ذا خمسة أكف، استطاع به التحقق من الأحجار الكريمة الأصيلة وهو الميزان الذي استعمله لوزن الأجسام في الهواء وفي الماء‏.‏ وأجرى تجارب في مجال الأنابيب الشعرية ذات الفتحة الواحدة. وأجري أرصاداً لمواقع بعض النجوم، وصفها العلماء من بعده بأنها أرصاد دقيقة جدا. وبحث في أدوار توافق الحركات المعتبرة، وإن كان الوصول إلى مثلها غامضاً جدا، لكثرة الحسابات فيها‏.‏ وخلف ابن الخازن مصنفات علمية رائدة في الفيزياء والفلك والرياضيات، ومن أشهر كتبه، كتابان أحدهما في الفيزياء، وهو‏ “ميزان الحكمة‏”‏، والآخر في الفلك، وهو “الزيج المعتبر السنجري‏”.‏ أما كتاب‏ “ميزان الحكمة‏” فهو الذي لفت أنظار العالم إليه وجعله يتعرف شيئاً فشيئاً على تراثه العلمي في الهيدروستاتيكا والفلك‏.‏ «ميزان الحكمة» تضمن كتاب “ميزان الحكمة‏” كثيراً من نتائج بحوث الخازن في الفيزياء والميكانيكا‏، ومناقشاته لنظريات غيره وتقديم نظريات جديدة‏.‏ وقد اعترف ‏بلتن -‏ الأستاذ بأكاديمية العلوم الأميركية -‏ بقيمة هذا الكتاب وأهميته في علم الفيزياء وتقدم الفكر العلمي في الحضارة العربية الإسلامية‏.‏ ويقول عنه المؤرخ العالمي جورج سارتون‏:”‏إنه من أجل الكتب التي تبحث في هذه الموضوعات، وأروع ما أنتجته القريحة في القرون الوسطى”،‏ وأما كتاب ‏”الزيج المعتبر السنجري‏” فقد ألفه الخازن بطلب من السلطان سنجر، ووضع فيه نتائج أرصاده التي أجراها في عام ‏509‏ هـ، إضافة إلى أرصاد أخرى، وهى أرصاد في منتهى الدقة، وبقيت مرجعاً للفلكيين لمدة طويلة،‏ وذكرت كتب التراجم أن الخازن وضع هذا الزيج في زمن الخليفة المسترشد بالله‏.‏ وذكر عدد من المراجع أن الخازن أنشأ ‏”جداول مرو‏”‏ في عام ‏520 هـ /‏1126‏ م، على أساس أرصاد أجريت قبل ذلك بعشرة أعوام،‏ وله أيضاً كتاب ‏”الفجر والشفق‏”، ‏الذي بيـن فيه ابتداء كل منهما وقت بلوغ الشمس ‏19‏ درجة تحت الأفق‏، وله أيضاً كتاب ‏”الآلات العجيبة الرصدية “. وتوفي- رحمه الله - في عام 1130م.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©