الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قسوة القلوب والصخرة الصماء والعين التي لا تدمع

قسوة القلوب والصخرة الصماء والعين التي لا تدمع
6 سبتمبر 2010 22:55
نعيش هذه الأيام العشرة الأخيرة من الشهر الكريم التي ينبغي لنا فيها التركيز في العبادة وإحياء الليالي المتبقية بالصلاة وقراءة القرآن، ووجدتني اعقد جلسة محاسبة مع النفس وكأنني لم أجد وقتاً مناسباً لمثل تلك المحاسبة إلا في صلاة قيام الليل، فقد انشغل عقلي بالمحاسبة بعد أن رأيت شباناً في العشرينيات من عمرهم يملأون المسجد، وسمعت نشيج بعض المحيطين بي منهم يتحول أحياناً مع تهدج صوت الإمام إلى بكاء شديد، وعجبت من قلبي الذي لا يخشع ومن عيني التي لا تدمع، في هذا الموقف ونحن نرفع اكفنا بالدعاء إلى الله متضرعين ليغفر لنا ويتقبل منا ويجيرنا من عذاب القبر وعذاب النار.. وخشيت أن يكون قلبي كمن وصفهم الله في كتابه الحكيم عندما قال تعالى: «ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وان من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشيه الله وما الله بغافل عما تعملون». غير أن الله انعم علينا بهذا الشهر الفضيل في كل عام لنغسل فيه قلوبنا ونطهرها من الرجس ومن كل غل وحقد وحسد وأن نملأها بحب الصلاة والقيام وقراءة القرآن، بل أننا ننظفها من الدهون والشحوم والكولسترول العالق بأوعيتها وشرايينها من خلال الصوم، كما انه شهر يمكن أن نزيد فيه كفة الحسنات ونمسح من كفة السيئات ونقللها.. وأكمل بقصة تحمل دلالات قد تجعل العين تدمع، فيروى أن شاباً كانت أمه عوراء بعين واحدة، وكانت تعمل في المدرسة التي يدرس بها من أجل إعانة الأسرة، فكانت تطبخ للطلاب والمعلمين، لكن ابنها كان يكرهها فقد كان يشعر بالحرج منها، وذات يوم بينما كان الشاب في المدرسة جاءت أمه لتطمئن عليه، فغضب غضباً شديداً، كيف استطاعت أن تفعل به هذا، وان تحرجه أمام زملائه، فتجاهلها واحتقرها ورمقها بنظرات الحقد والكراهية وهرب منها بعيداً حتى لا يعرف احد أنها أمه، وفي اليوم الثاني وجد طالباً من زملائه يسخر منه لان أمه بعين واحدة.. حينها تمنى لو أن الأرض تنشق وتبتلعه وتمنى أن تختفي أمه إلى الأبد، بل أنه قال لها لم لا تموتين لنخلص منك..؟ لم تجد الأم ما ترد به على ولدها ووقفت مشدوهة من موقفه مشفقة عليه، ومرت السنين ولدى الابن رغبة في الخروج من المنزل البائس بأسرع فرصة إلى أن تفوق وحصل على فرصة للسفر لإكمال دراسته ثم عاد وتزوج واستقل بنفسه وعائلته، وفي يوم من الأيام مرت أمه لزيارته في منزله، وهي التي لم تر أحفادها أبداً من قبل ولم تر ابنها منذ عدة أعوام وما أن وقفت بباب المنزل حتى تضاحك الأطفال عليها، فصرخ عليها ابنها لأنها جاءت بدون موعد وأرعبت الأطفال وصرخ بها كيف تجرأت على القدوم إلى هنا اخرجي حالاً.. اعتذرت الأم وقالت إنها ربما تكون قد أخطأت بالعنوان واعتذرت ومنذ ذلك الحين اختفت مرة أخرى، إلى جاء يوم جاءته في دعوة لحضور لم الشمل من المدرسة، فسافر إلى المنطقة التي تربى بها وذهب إلى الكوخ المتواضع الذي نشأ فيه، لقد كان يشعر بنوع من الفضول يشده إلى ذلك الكوخ، وعندما وقف ببابه أخبره أحد الجيران أن أمه ماتت ولم تذرف عيناه حتى دمعة واحدة.. غير أن الجار سلمه رسالة أرادت الأم أن يعرفها قبل وفاتها قالت الأم في رسالتها: «ابني العزيز لم ابرح أفكر فيك طوال الوقت أنا آسفة على قدومي لبيتك وإرعابي أطفالك، لقد كنت مسرورة عندما عرفت انك قادم في يوم لم الشمل في المدرسة، فلطالما كنت مصدر إحراج لك في فترة صباك لكنني اليوم لم أكن قادرة على النهوض من السرير لرؤيتك أنا آسفة، وأعلم يا ولدي أنك عندما كنت صغيراً تعرضت لحادث وفقدت إحدى عينيك، لكني كأم لم استطع أن أشاهدك تنمو بعين واحدة فقط ولذا فقد أعطيتك عيني، وصرت بعدها فخورة جداً بابني الذي كان يريني العالم بعيني تلك مع حبي .. أمك..!
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©